البعض قد يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أكبر وأقوى أجهزة الاستخبارات في العالم، على الأقل هذا ما حاولت أن توصله لنا الكثير من الأفلام والمسلسلات، ولكن الحقيقة ليست كذلك تماماً.
الوحدة 8200 هي واحد من أكثر الأجهزة رعباً من نوعها في العالم موجودة في دولة الكيان الإسرائيلي المحتل، وهي تمثل وكالة التجسس عالية التقنية للجيش الإسرائيلي.
"الوحدة 8200" أو Shmone Matayim كما يطلق عليها بالعبرية، تعادل وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) وتعتبر أكبر وحدة عسكرية منفردة في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
يصفها مدير العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بيتر روبرتس "الوحدة 8200" في الجيش الإسرائيلي، بأنها أهم وكالة استخبارات تقنية في العالم وتقف على قدم المساواة مع وكالة الأمن القومي الأمريكية في كل شيء باستثناء النطاق، وعملياتها تجري بدرجة من المثابرة لا يمكن أن تجدها في أي مكان آخر.
بداية "الوحدة 8200"
كانت "الوحدة 8200" متواجدة قبل سنة 1948 التي شهدت "النكبة" بدءاً من فترة الانتداب البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي، لكنها كانت تعرف آنذاك باسم شين ميم 2 (اختصاراً للعبارة العبرية لخدمة المعلومات) خطوط هاتف تنصت للقبائل العربية للتعرف على ما يعتبره الإسرائيليون "أعمال شغب" مخططاً لها.
كانت آنذاك عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين حاولوا تطوير مهاراتهم التكنولوجية بجمع وفك رموز العرب، حيث كانت "الوحدة 8200" تقوم بالتنصت على مكالمات الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين بشكل رئيسي، لكنها كانت تفتقر إلى الخبرة التقنية والقوى العاملة على الرغم من الدعم الغربي والسوفييتي.
وفقاً لما جاء في كتاب "الوحدة الإسرائيلية 8200 ودورها في خدمة التكنولوجيا"، فإنها حصلت في عام 1950 على ميزانية قدرها 15 ألف دولار (ما يعادل 478 ألف دولار بأسعار سنة 2019) و110 آلاف دولار للمشتريات الإلكترونية (ما يعادل 305 ملايين دولار). هذا الرقم لا يعد كبيراً بالنسبة لتقنيات التنصت المتقدمة، لكن إسرائيل اعتمدت على تطوير أجهزتها الاستخبارية بنفسها داخلياً، ما جعلها من أفضل وحدات القرصنة الإلكترونية وفك الشفرات المعقدة وأكثرها سرية.
مؤسس Wix عضوٌ سابقٌ في الوحدة
في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وجد أفيشاي أبراهامي نفسه مجنداً في جيش الاحتلال الإسرائيلي. لكن تم تعيين أبراهامي في قسم لم يُسمح له بالتحدث عنه، ولا حتى لوالديه – فريق أمن إلكتروني واستخباراتي معروف باسم "الوحدة 8200".
تم تكليفه بمهمة بدت وكأنها مستحيلة؛ اقتحام أجهزة الكمبيوتر لدولة معادية لإسرائيل. احتوت المهمة على عدة عقبات: أولاً، اكتشاف كيفية الدخول إلى تلك الحواسيب. ثانياً، كيفية كسر التشفير. وأخيراً، التحدي الهائل، كيفية الوصول إلى "المقدار الهائل" من قوة الحوسبة اللازمة لفك تشفير البيانات.
ما فعله أبراهامي ليستطيع اختراق أجهزة الكمبيوتر المستهدفة هو أنه اقتحم أجهزة الكمبيوتر في دولتين "معاديتين أخريين" واختطف قوتهما في المعالجة لامتصاص البيانات التي يحتفظ بها الهدف الأول. أنجز ذلك دون مغادرة كرسيه في تل أبيب!
يقول أبراهامي لموقع Forbes: "إذا كان علينا أن نفعل ذلك مع باحث كمبيوتر، لكان الأمر سيستغرق عاماً كاملاً. استغرق الأمر منا يوماً واحداً. لا أستطيع التفكير فيما كان سيحدث لو أن شخصاً ما اكتشف ما كنت أقوم به!".
لكن حتى الآن لم يعرف أحد ما قام به أبراهامي وكيف نجح بمهمته. وهو ما يتوافق مع هدف الوحدة التي لم يتم الاعتراف بوجودها أو تحديدها علناً، حتى ما يقرب من عقد من الزمان.
تكوين "الوحدة 8200"
تتضمن المنشورات العسكرية إشارات إلى "الوحدة 8200" باعتبارها وحدة التجميع المركزية لفيلق المخابرات، ويشار إليها أحياناً باسم الوحدة الوطنية الإسرائيلية (SIGINT (ISNU. وهي تابعة لمديرية المخابرات العسكرية أمان.
تتكون الوحدة بشكل أساسي من الشباب والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 21 عاماً. وتعتبر مؤسسة راقية يمكن لخريجيها، بعد ترك الخدمة، استغلال مهاراتهم المتطورة في القرصنة في وظائف في إسرائيل أو "وادي السيليكون" أو شركات التكنولوجيا الفائقة في الولايات المتحدة. وصف مؤلفو كتاب Start-up Nation، وهو كتاب شهير حول ثقافة الشركات الناشئة الإسرائيلية، "الوحدة 8200" ووحدات النخبة الأخرى في الجيش الإسرائيلي بأنها "مكافئ الأمة لهارفارد وبرينستون وييل" وهي جامعات غربية شهيرة بتفوّق طلّابها وتقديمهم الكثير من الاختراعات التكنولوجية.
شركات عالمية شهيرة يملكها أعضاء من "الوحدة 8200"
لم يصبح أبراهامي، البالغ من العمر 50 عاماً، معروفاً حتى مغادرته "الوحدة 8200″، وذلك عندما شارك في تأسيس شركة Wix، وهي حالياً واحدة من منصات تطوير مواقع الويب القائمة في العالم والتي تبلغ قيمتها السوقية أكثر من مليار دولار.
رون رايتر – أحد أعضاء "الوحدة 8200" – تم شراء شركته الناشئة من قبل Oracle مقابل 50 مليون دولار، وأخبر موقع Forbes أن أحد زملائه باع شركته الناشئة مقابل 300 مليون دولار لشركة Apple .
على الرغم من مكانة إسرائيل كـ"دولة ناشئة" صغيرة الحجم وقليلة عدد السكان، إلا أنها أصبحت موطناً لشركات مدرجة في ناسداك أكثر من أي دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة والصين. كما أنها تمتلك عددا كبيراً من الشركات الناشئة والعلماء والمتخصصين في مجال التكنولوجيا أكثر من أي دولة أخرى في العالم.
كيف يتم الالتحاق بـ"الوحدة 8200″؟
في حين أن الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي إلزامية لمعظم الإسرائيليين في سن 18، يتم فحص الجميع من قبل الجيش الإسرائيلي عندما يقترب من التخرج من المدرسة الثانوية وللوحدة 8200 حق اختيار من تريد.
في بعض الأحيان، تبدأ الوحدة بتتبع المجندين المحتملين عندما يكونون أصغر سناً، باستخدام برنامج مرتبط بالمدرسة يدعى Magshimim، وفقاً لموقع Forbes.
يتم التجنيد بشكل سري ويكون هناك مقابلات واختبارات ودروس صارمة – تغطي كل شيء من الاتصالات إلى الهندسة الكهربائية إلى اللغة العربية – والتي يمكن أن تستغرق أكثر من ستة أشهر.
تعد مهارات الرياضيات والكمبيوتر واللغات الأجنبية من المزايا الكبيرة بالطبع، ولكن ما تسعى إليه 8200 حقاً هو إمكانات يتم قياسها من خلال القدرة على التعلم بسرعة والتكيف مع التغيير والنجاح في فريق ومعالجة ما يراه الآخرون مستحيلاً.
بعض عمليات الوحدة ونشاطها السياسي
تتسم عمليات "الوحدة 8200" بالسرية الكبيرة، لذلك لا يتم الإعلان عن نشاطها السياسي أو نسب أي عمليات استخباراتية بشكل رسمي لها. لكن بعض العمليات والنشاطات تمت الإشارة لها دون تفاصيل كثيرة من قبل مصادر موثوقة نستعرضها لكم.
في العام 2010، كتبت صحيفة Le Monde Diplomatique الفرنسية أن "الوحدة 8200" تدير قاعدة SIGINT الكبيرة في صحراء النقب، وهي واحدة من أكبر قواعد التنصت في العالم، وهي قادرة على مراقبة المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني وغيرها من الاتصالات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا وكذلك تتبع السفن.
وبحسب ما ورد في التقرير، تحتفظ "الوحدة 8200" أيضاً بمراكز استماع سرية في السفارات الإسرائيلية في الخارج، وتتنصت على على الكابلات البحرية، وتحتفظ بوحدات استماع سرية في الأراضي الفلسطينية، ولديها طائرات "غلف ستريم" النفاثة المزودة بمعدات مراقبة إلكترونية.
وفي العام 2010، نقلت صحيفة The New York Times عن "عضو سابق في مجتمع المخابرات الأمريكية" زعم أن هذه الوحدة استخدمت مفتاحاً سرياً لتعطيل الدفاعات الجوية السورية أثناء تنفيذها غارات على مفاعل نووي مزعوم في محافظة دير الزور، ما سمي حينها "عملية البستان".
كما أنه وفقاً للصحيفة الأمريكية، سمح اختراق "الوحدة 8200" لـKaspersky Lab بإيقاف قراصنة الحكومة الروسية عند محاولتهم تفتيش أجهزة الكمبيوتر حول العالم بحثاً عن برامج الاستخبارات الأمريكية. الإسرائيليون الذين اخترقوا شبكة كاسبرسكي الخاصة نبهوا الولايات المتحدة إلى التدخل الروسي الواسع للأنظمة الأمريكية ومنعوه.
وفي يونيو/حزيران 2020 منحت مديرية المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ميداليات خاصة للوحدة السرية 8200 تقديراً لعملياتها الأخيرة. وفقاً لموقع Times of israel، لم يحدد الجيش الإجراء الذي شاركت فيه القوة، لكن رئيس المديرية صرح بأن المهمة كانت الأولى من نوعها قائلاً: "لا يمكن الاستخفاف بالقدرات التشغيلية والتعاون والإنجازات الفريدة التي بذلتها الوحدة. هذه العملية هي الخطوة الأولى والأكثر أهمية في طريق طويل لا يزال ينتظرنا".
بحسب الموقع نفسه، فإنه من المحتمل أن العملية كانت هجوماً إلكترونياً نُسب إلى إسرائيل أدى إلى شل أنظمة الكمبيوتر في ميناء استراتيجي في جنوب إيران. كان هذا الهجوم على ما يبدو رداً على محاولة إيرانية مزعومة لاختراق شبكة البنية التحتية للمياه الإسرائيلية في وقت سابق من الشهر.
ورفضت إسرائيل التعليق رسمياً على تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية نقل عن مسؤولين أمريكيين وأجانب قولهم إن إسرائيل كانت على الأرجح وراء الهجوم على الكمبيوتر.