وهو عائد من إيطاليا إلى بلده إسبانيا للراحة بعد مشاركته في الحروب ضدّ العثمانيين، وقع الشاب ميغال دي سيرفانتس في قبضة الأسطول البحري الجزائري سنة 1575 قبالة السواحل الفرنسية.
وبسبب ما كان يحمله سيرفانتس من خطابات توصية للملك من شخصيات عدة، طلبت البحرية الجزائرية فدية كبيرة مقابل إطلاق سراحه، وهو ما لم تستطِع عائلته تلبيته.
وبقي سيرفانتس سنوات في الجزائر بين الأسر ومحاولات الفرار الفاشلة إلى أن جمعت والدته وتجار مسيحيون في الجزائر مبلغ الفدية المتفق عليه، وقُدر وقتها بـ500 أوقية ذهب، ليطلق سراحه في 19 سبتمبر/أيلول 1580.
وبعد عقدين من عودته إلى موطنه، كتب سارفونتس عام 1605 الجزء الأول من رائعته "العبقري النبيل: دون كيشوت دي لا مانتشا"، وأتى جزؤها الثاني عام 1615 بعنوان "العبقري الفارس: دون كيشوت دي لا مانتشا".
قصة سيرفانتيس في الجزائر
تقع مغارة سيرفانتس في أسفل جبل ببلدية محمد بلوزداد وسط العاصمة الجزائرية، قبالة الميناء، ويبلغ طولها سبعة أمتار وعرضها نحو مترين.
وتشتمل المغارة حالياً على غرف ومنحوتات أثرية تكونت بفعل الطبيعة، إلى جانب حديقة صغيرة تزينها بعض الأشجار وأدراج مؤدية إلى الغابة.
وتعدّ المغارة حالياً معلماً أثرياً ثقافياً تُحافظ عليه الحكومة الجزائرية ويتبع وزارة الثقافة والفنون؛ لكونه يرتبط بفترة مهمة من حياة الأديب الإسباني.
وزار السنة الماضية رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز المغارة، وقال إن "الفنانين والمبدعين والأدباء ينتمون للأرض التي ترعرعوا وكبروا فيها"، مضيفاً أن "جزءاً من حياة سارفونتس مرتبط بالجزائر".
وكشف سانشيز أن إسبانيا والجزائر "تعملان منذ سنوات طويلة على تجسيد مؤلف يتناول حياة والمسار الذي سلكه الأديب الإسباني".
وأضاف المتحدث: "نعمل أيضاً على تحقيق "درب سيرفانتس" وهو مشروع جزائري-إسباني حول المسار السياحي بالتنسيق مع ولاية الجزائر ومعهد سيرفانتس الذي يجسد اختلاط ثقافتي البلدين، على حد قوله.
ومن المعروف تاريخياً أن سيرفانتس اختبأ في هذه المغارة المظلمة بعد محاولته الهروب من الأسر، وفيها بدأ التفكير في كتابة عمله التاريخي الشهير "دون كيشوت".
وأعادت الجزائر تهيئة المغارة عام 2006 بالشراكة مع إسبانيا لتحويلها إلى مزار سياحي، وذلك تخليداً لمرور أربعة قرون على صدور الرائعة الأدبية دون كيشوت".
سيرفانتس والجزائر
بعد فراره من السجن واستقراره في مغارة بأعلى الجبل المطلّ على العاصمة الجزائر، أصبح سيرفانتس يتردّد على الشوارع والأسواق والحواري، يدوّن كل ما يراه ويكتب كل ما يثير انتباهه.
ويقول مؤرخون إن الأديب الإسباني كان معجباً بحلقات المدّاحين، إذ كان يتردد عليهم ويسمع مديحهم وقصصهم ويسجّلها في الأوراق ثم يعود إلى مغارته ليعيد مذاكرتها والتعلّم منها أسلوب السرد والحوار وبناء القصة والشخوص والخيال.
ويذهب بعضهم إلى القول إن أسلوب روايته الشهيرة "دون كيشوت" ليس إسبانياً وذلك بشهادة أُدباء إسبان، إذ خصص في الرواية ثلاثة فصول للجزائر.
وبعد عقدين من مغادرته الجزائر تخرج الرواية الإسبانية الأشهر على مر التاريخ إلى الوجود وتنتشر في أوروبا وتترجم إلى 75 لغة في العالم، من بينها اللغة العربية، وتعد من بين الروايات الأكثر ترجمة في التاريخ.