نعاني جميعاً حالة من التقيُّد المفرط في هواتفنا المحمولة. ونكون على مدار اليوم على استعداد للرد على رسالة من هذا أو تسجيل صوتي من ذاك أو للرد على تعليقات وردتنا على آخر منشور لنا ولو بإيماءة "إيموجي".
فنكون غالباً بهذا النمط من الروتين اليومي، عرضة للتحقُّق من هاتفنا الذكي نحو 100 مرة في اليوم الواحد تقريباً، وفقاً لديفيد برودو، مؤسس تطبيق الصحة العقلية Remente.
ومع تطور الهواتف الذكية ووسائل التواصل المستمرة، يحذر خبراء الصحة النفسية من العواقب غير المتوقعة للإفراط في استهلاك واستخدام التكنولوجيا خلال الساعات اليومية.
متلازمة الاهتزاز الوهمي
أحد الاضطرابات الناجمة عن هذا الإفراط في الاستخدام، هو "متلازمة الاهتزاز الوهمي"، والتي تكون عند الاعتقاد أن الهاتف يهتز في جيبك أو أنك تسمع صوت اهتزازه من مكان آخر وكأنه قد وصلتك رسالة ما أو وردك اتصالٌ من أحد.
ولحسن الحظ، المتلازمة لا تتجاوز كونها مصدراً للإزعاج فقط، وفقاً لـIndependent البريطانية، وليس لها تبعات صحية مقلقة، لكن خبراء الصحة النفسية يربطونها بعلامات أخرى قد يعاني منها الشخص بسبب إفراطه في استخدام الهاتف، مثل القلق المزمن أو التوتر أو الوحدة والعزلة الاجتماعية.
ويعاني نحو 9 من كل 10 أشخاص من "متلازمة الاهتزاز الوهمي"- حيث يعتقدون خطأً أن هاتفهم المحمول يهتز في جيوبهم.
وحول ذلك يقول روبرت روزنبرجر، الفيلسوف والأستاذ المساعد في معهد جورجيا للتكنولوجيا، وفقاً لموقع BBC البريطاني، إن هذه الظاهرة كانت بسبب "العادات الجسدية المكتسبة".
وتشير أبحاث نُشرت في مجلة Computers in Human Behavior، إلى أنه من خلال ترك الشخص للهاتف في جيبه، فإن الهاتف بالتالي يصبح "جزءاً من جسمه" بنفس الطريقة التي يمكن أن يعنيها لنا ارتداء النظارات بصورة دائمة، إذ يصبح من السهل نسيان وجود تلك الأدوات هناك والتعايش باعتبارها جزءاً جسدياً كالأنف أو الشعر مثلاً.
ظاهرة يعاني منها الغالبية العظمى من الناس
وفي دراسة أجرتها جامعة إنديانا الأمريكية، وجد الباحثون أن 89% من المشاركين عانوا من اهتزازات وهمية كل أسبوعين على الأقل، معظمهم لم ينتبهوا حتى إن كان ذلك مزعجاً لهم أم لا.
لكن الطلاب الذين كانوا يعتمدون عاطفياً على هواتفهم، كانوا أكثر عرضة للتوتر بسبب هذه الاهتزازات الوهمية أو الهلوسة بورود رسالة أو اتصال لهم.
كذلك تعد "متلازمة الرنين الوهمي"، جزءاً آخراً من الاضطراب وفقاً لموقع Marie Claire البريطاني، وهو الاعتقاد بأن الهاتف يرن بينما لا يكون كذلك في الواقع، ويتم فيها التحقق من الرسائل والهاتف بشكل عام بشكل متكرر.
ويطلق على المتلازمة أيضاً اسم Ringxiety، وهو مصطلح صاغه عالم النفس الأمريكي ديفيد لارامي، ويرتبط بمتلازمة الاهتزاز الوهمي ولها نفس التبعات النفسية.
اضطراب شائع في عصر الهواتف الذكية
نعم، متلازمة "الرنين أو الاهتزاز الوهمي" شائعة جداً، خاصة بين جيل الألفية. وفي الواقع، وفقاً لشبكة CBS الإخبارية، أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت على أكثر من 290 طالباً جامعياً في الولايات المتحدة أن "90% منهم شعروا أحياناً بأحاسيس الهاتف الوهمية" و40% قالوا إن ذلك يحدث لهم "مرة واحدة على الأقل في الأسبوع".
وفي حين أن متلازمة الاهتزاز الوهمية هي مصدر إزعاج أكثر من كونها ضرراً حقيقياً على الصحة، إلا أن خبراء الصحة العقلية وفقاً لموقع Philly Voice الأمريكي، قلقون من أن هذا الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، خاصة عندما يتعلق بالتفاعل الاجتماعي، يمكن أن يؤدي إلى سلوكيات إدمانية أو مرتبطة بالوسواس القهري OCD.
ويشرح لاري روزين، أستاذ علم النفس بجامعة ولاية كاليفورنيا الفرق بين الإدمان والهوس قائلاً: "الإدمان هو الحاجة إلى القيام بنشاط لاكتساب الشعور بالمتعة، وهو ما يعني، من حيث الكيمياء الحيوية، أن الدماغ والأعضاء بحاجة إلى إطلاق المزيد من المواد الكيميائية مثل الدوبامين والسيروتونين، مما يوفر الشعور بالسعادة".
ووضح أن الهوس هو "مشكلة قائمة على القلق، حيث يقوم الدماغ والأعضاء أخرى بإفراز مواد كيميائية قائمة على القلق مثل الأدرينالين والكورتيزول التي تجعلك تشعر بعدم الراحة والقلق. فيخبرك دماغك بالقيام بنشاط للتخلص من تلك المواد الكيميائية المزعجة".
ما الذي يمكن فعله لتقليل حدوث الظاهرة؟
وبحسب موقع British Medical Journal، هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن فعلها عند الشعور بالانزعاج من الاهتزازات والرنين الوهمي، وتشمل:
- ضبط الهاتف على الرنين بالصوت، وذلك حتى لا يهتز ويهيأ للشخص حدوث الاهتزازات الوهمية.
- تغيير المكان الذي تحتفظ فيه بالهاتف على جسدك إلى مكان تكون فيه الاهتزازات الوهمية أقل احتمالاً. على سبيل المثال، يعد جيب البنطال هو أكثر الأماكن الشائعة لاختبار هذا النوع من التهيؤات.
- تقليل استخدام الهاتف بشكل عام لفك الارتباط الوثيق بهذه الأداة. ويمكن تحديد أوقات معينة من اليوم للتحقق من جميع الرسائل والإشعارات.
- ويُنصح عند الذهاب إلى الفراش، غلق الهاتف واستخدام منبهات قديمة الطراز عوضاً عن الهاتف.
وختاماً، قد يكون التحدث إلى أخصائي الصحة العقلية سلوكاً ضرورياً عند تطور درجة اختبار الشعور والتبعات الأخرى للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، وذلك لكي يعمل المختص على تدريب الشخص في التخلص من الهوس والارتباط السلبي بالجهاز.