بعد أن تفرّش أسنانك وتطفئ الأنوار استعداداً للنوم، وتبدأ في الاستلقاء في الفراش ووضع رأسك على الوسادة تبدأ الأفكار والابتكارات الإبداعية المختلفة في الانهمار على رأسك، في حالة أشبه بنزول الوحي والإلهام.
الحالة يلحظها الكثيرون عند الخلود للنوم، وأصبحت مادة ثرية لعلماء النفس لمعرفة أسباب حدوثها، فيما أصبح يُعرف بـ"إلهام ما قبل النوم".
الاسترخاء التام يخلق دوائر اتصال جديدة
وعلى ما يبدو، اكتشف علماء الإدراك أن هناك ظاهرة تسمى "التعرف على الأنماط"، تحدُث في الدماغ فقط عندما يكون في حالة استرخاء شديدة.
وفي هذه العملية يكون الدماغ مسترخياً بدرجة كافية لإجراء اتصالات جديدة، والسماح بتكوين مسارات عصبية غير مسبوقة في المخ.
وبحسب موقع Pop Sugar التثقيفي، يساعدنا هذا في إيجاد حلول إبداعية للمشكلات التي ربما لم نفكر فيها بهذا العمق وصفاء الذهن خلال أحداث اليوم المليئة بالتشتت والضغوطات والقلق.
إضافة إلى ذلك، يقوم الدماغ عندما ندخل في النوم نسبياً، بتفكيك النماذج والمفاهيم التي نستخدمها لا إرادياً في تفسير العالم والتعامل معه، ما يؤدي إلى لحظات من الخبرة الخالصة وغير المقيدة بواسطة المرشّحات العقلية المعتادة.
وفي الواقع، وجد علماء النفس من جامعة كاليفورنيا أن الإنسان يكون في أوج إبداعه أثناء مرحلة نوم حركة العينين السريعة أو REM Sleep، التي تراودنا فيها الأحلام.
ويفسر هذا الأمر توصلنا إلى حلول أو أفكار أكثر إبداعاً أثناء الاستحمام أو المشي أو الاستلقاء في السرير ليلاً، أو حتى خلال الاستغراق في النوم.
ببساطة يكون الدماغ مرتاحاً بدرجة كافية للسماح بحدوث هذه الاتصالات بحرية.
ووجدت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا أيضاً أن النوم يمكن أن يعزز الاتصالات غير العادية في الدماغ، ما قد يؤدي إلى لحظة تجلٍّ وإلهام عند الاستيقاظ.
واتّضح أيضاً وفقاً للدراسة، أن البشر عندما يستيقظون من النوم تزداد لديهم احتمالية الربط بين الأفكار التي تبدو بعيدة الصلة، فيما يُعرف بعملية الابتكار والتفكير خارج الصندوق، بنسبة بلغت 33% عن معدلها الطبيعي خلال اليوم.
وفي حديثه مع مجلة Scientific American العلمية، يوضح أستاذ علم الأعصاب والعلوم الإدراكية باري جوردون، أننا نكون على دراية بجزء ضئيل من التفكير الذي يدور في أذهاننا خلال اليوم، ولا يمكننا التحكم إلا في جزء صغير من أفكارنا الواعية.
وتكمُن الغالبية العظمى من جهودنا في التفكير في منطقة اللاوعي. ومن المحتمل أن تخترق واحدة أو اثنتان فقط من هذه الأفكار منطقة الوعي الحاضر في وقت واحد.
ومثال ذلك ما نلحظه في زلات اللسان، والأفعال العرضية سريعة البديهة التي تعطينا لمحة عما نخزنه من معلومات وخبرة في منطقة اللاوعي غير المفلترة.
ويوضح أستاذ علم الأعصاب أنه رغم أن الأفكار تبدو وكأنها "تنبثق" من الوعي قبل وقت النوم، فإنه من المحتمل أن تكون حصيلة قدر لا بأس به من المعلومات التي تُطهى في العقل اللاواعي على مهل حتى تنضج.
ويقول باري جوردون: "بمجرد أن تستجمع تلك الأفكار القوة الكافية، يمنحها العقل الواعي الضوء لكي تظهر وتُبدي نفسها"، مضيفاً أن "سيطرتنا على ذكاء العقل الحر جزئية فقط، لذلك فإن محاولة التوقف عن التفكير وإغلاق أذهاننا قبل أن ننام هي أمر غير ممكن تماماً"، بحسب قوله.
وبشكل أساسي، عندما يحصل العقل أخيراً على لحظة من الراحة والاسترخاء، يمكن لهذه الأفكار اللاواعية أن تطفو على السطح وتبقينا مستيقظين.
لسوء الحظ، لا يمكنك ببساطة إيقاف العقل لكي نرتاح وننام، ما قد يسبب الأرق أحياناً في بعض الحالات، وفقاً لنوعية الأفكار التي تساور العقل، وفقاً لموقع Life Hacker المعرفي.
ومع ذلك، من أجل تجنب تلك الليالي المضطربة، فإن أفضل شيء يمكن القيام به هو الحصول على قسط نوم وافر، وتدريب الشخص لنفسه على النوم بشكل أسرع.
أما إذا فشلت تلك المحاولات فقد يسهم تدوين وكتابة تلك الأفكار في تهدئة فورانها في المخ، واستشعار الهدوء الكافي للدخول في النوم.
خلاصة القول، إننا عندما ننام أو نشعر ببساطة بالاسترخاء الشديد فإننا لا نعالج المعلومات باستخدام المرشحات العقلية المعتادة لدينا، والتي يمكن أن تساعدنا في تكوين روابط تبدو غير ذات صلة.
وفي الواقع، يوضح عالم النفس الأمريكي ستيفن كوتلر، وفقاً لمقاله على موقع Psychology Today، أن هذه حقيقة معروفة على نطاق واسع بين المبدعين والفنانين، بل ويقوم بعضهم باستغلالها من أجل حل المشكلات أو العثور على الإلهام.
ومن أبرز الخطوات التي من شأنها تسهيل استغلال هذا الأمر ما يلي:
1- تركيز الحصول على الإلهام من السرير: أوضح عالم النفس ستيفن كوتلر أنه باستبدال الهاتف الذكي بكتاب مثير للتفكير لقراءته قبل النوم، يمكن أن نساعد على توجيه العقل للتفكير الإبداعي.
وقد يستيقظ الشخص بفكرة جديدة لم يكن قد فكّر فيها من قبل.
2- اطرح أسئلة معينة على نفسك، ثم انسها، قد يكون من المفيد جداً أن تسأل نفسك أسئلة صعبة قبل النوم مباشرة، حتى يتمكن عقلك من معالجتها أثناء النوم.
لكن المفتاح هنا يكمن في نسيان السؤال على الفور، لمساعدة ذلك الجزء من العقل الذي يعمل بهدوء في الخلفية على زيادة سرعته.
وعلى الأرجح ستستيقظ بحل إبداعي لم يخطر لك من قبل.
3- الاحتفاظ بمفكرة قرب الفراش لتدوين الأفكار، هذا هو الحل لجميع لحظات الإلهام والوحي والتجلّي. فعندما تفكر في شيء لم تفكر فيه من قبل، قم بتدوينه حتى لا تنساه في الصباح عندما تكون مرشحاتك الذهنية نشطة.
ولا يهم إذا لم يتم تطوير الفكرة بشكل كامل، فقط قم بكتابة أساسيات الفكرة التي تراودك، ثم حاول معالجتها وتناولها في الصباح للخروج منها بحلول جديدة.