منذ أن كنّا صغاراً، كان البكاء وسيلة للتعامل مع العديد من المواقف المُربكة أو المؤلمة. ومع بلوغنا سن النضج والرشد، يتراجع الكثيرون عن البكاء ويكبحون دموعهم؛ اعتقاداً منهم أنه أمر يُنظر إليه على أنه علامة ضعف، أو شيء يجب الخجل منه. لكن في الحقيقة، الأمر عكس ذلك تماماً.
وبخلاف الصورة النمطية السلبية عن البكاء، لكن تمتلك عملية التفريغ تلك العديد من الفوائد النفسية والجسدية أيضاً، إذ يعمل البكاء على زيادة إفراز بعض الهرمونات في الجسم التي من شأنها تحفيز الشعور بالهدوء والاسترخاء، وهو ما قد يكون سبباً حقيقياً في شعور الإنسان بمشاعر أفضل.
وصفة الطبيب لعلاج الضغط النفسي
يمكن أن يكون البكاء في بعض الأحيان هو العلاج الذي يأمر به الطبيب. ويشير بعض علماء النفس إلى أننا قد نلحق الضرر بأنفسنا عند كبح دموعنا بشكل متكرر ودائم.
ويقول ستيفن سيدورف، الطبيب النفسي الإكلينيكي وفقاً لموقع "WebMD": "البكاء ينشط الجسم بطريقة صحية، ويساعد على تخفيف الضغط النفسي بصورة دورية للحفاظ على سلامة الطاقة النفسية للشخص".
أنواع الدموع الثلاث
في البداية هناك أنواع مختلفة من الدموع، وتتحدد وفقاً لسبب ومُحفّز انهمارها لدى الشخص بحسب موقع "Medical News Today".
أولاً، الدموع القاعدية: وهي التي تفرزها القنوات الدمعية باستمرار وتُدعى أيضاً "Basal Tears"، وتكون سائلاً مضاداً للجراثيم وغنياً بالبروتين الذي يساعد على إبقاء العين رطبة في كل مرة يرمش فيها الشخص.
الدموع اللاإرادية: وهي عبارة عن دموع ناتجة عن مهيجات خارجية مثل الرياح أو الدخان أو البصل. ويتم إطلاقها لطرد هذه المهيجات وحماية العين.
الدموع العاطفية: وهي التي يذرفها البشر استجابة لمجموعة من المشاعر. وتحتوي هذه الدموع على وجه خاص، على مستوى أعلى من هرمونات التوتر مقارنة بأنواع الدموع الأخرى.
ووجدت الدراسات التي أجريت على أنواع الدموع، أن الدموع العاطفية تحتوي على مستويات أعلى من هرمونات التوتر مقارنة بالدموع العفوية التي تحدث بسبب دخول الغبار في العين وما شابه ذلك، وفقاً للموقع.
وتحتوي الدموع العاطفية أيضاً على عنصر المنجنيز المنظم للمزاج أكثر من أنواع الدموع الأخرى غير المتعلقة بالمشاعر والتحفُّز العاطفي.
ويقول الطبيب النفسي سيدروف، إن الإجهاد "يشد العضلات ويزيد من التوتر ، لذلك عندما تبكي فإنك تحرر بعضاً من ذلك الإجهاد، ما ينشط الجهاز العصبي السمبتاوي ويعيد الجسم إلى حالة من التوازن".
تنظيف الجسم من السموم
تقوم الدموع اللاإرادية أيضاً بالعديد من الفوائد الضرورية، مثل إزالة الغبار والدخان ولقاح النباتات المتطاير أو شعر الحيوانات الأليفة من الالتصاق في العينين والتسبب في الالتهابات، وفقاً لموقع "Healthline".
وتساعد الدموع المستمرة في ترطيب عينيك وحمايتها من العدوى.
وكما أن للدموع العاطفية العديد من الفوائد الصحية لاحتوائها على الهرمونات والعناصر الأخرى، تحتوي الدموع اللاإرادية على 98% من الماء، ما يسهم في الغسيل الدوري للعين من تلك العناصر، والإبقاء على مرونتها لأداء وظيفتها بشكل أفضل.
تحفيز الهدوء والاسترخاء
وجد مركز "Frontiers In Psychology" لعلم النفس عام 2014، أن عملية البكاء من شأنها تغيير سلوك الإنسان وحالته النفسية والجسدية.
ووجد البحث الذي أُجري على تأثير عملية البكاء، أنه ينشّط الجهاز العصبي السمبتاوي (PNS)، ويساعد الجهاز العصبي المحيطي على راحة الجسم وتحسين عملية الهضم.
ومع ذلك، فإن الفوائد المقرونة بالبكاء ليست فورية. وقد يستغرق ذرف الدموع عدة دقائق قبل أن تبدأ آثاره النفسية والجسدية المُهدِّئة.
تخفيف الألم الجسدي والعاطفي ورفع المعنويات
كما كشف البحث أيضاً أن البكاء لفترة طويلة يتسبب في إطلاق مواد الأوكسيتوسين والأفيونات الطبيعية في الجسم، والمعروفة باسم الإندورفين.
ويمكن أن تساعد هذه المواد الكيميائية المريحة في تخفيف الآلام الجسدية والعاطفية.
وبمجرد إطلاق الإندورفين، يدخل الجسم في حالة من حالات التخدير. كما يمكن أن تمنح تحفّز مادة الأوكسيتوسين الشعور بالهدوء والسكينة، ما يثبت فاعلية البكاء في تحقيق الهدوء والاسترخاء وراحة الأعصاب، وفقاً لموقع "Healthline".
وإلى جانب المساعدة على تخفيف الألم، قد يساعد البكاء، وخاصة النحيب، في رفع المعنويات.
يحدث ذلك لأنه عندما يبكي الشخص، يقوم بأخذ أنفاس سريعة من الهواء البارد مقارنة مع حرارة الجسم والدماغ. ويمكن أن يساعد استنشاق الهواء بهذه الصورة في تنظيم درجة حرارة الدماغ وحتى تبريده.
ويعد الدماغ الأكثر برودة وأقل حرارة، أفيد وأمتع للجسم وأكثر قدرة على توازن هرمونات ووظائف الأعضاء المختلفة، ما يحسّن المزاج بشكل عام بعد نوبة من البكاء العميق.
البكاء يحقق التوازن العاطفي
لا يحدث البكاء فقط كرد فعل على حدث حزين، فقد يبكي الكثيرون عند الشعور بالسعادة الشديدة أو الخوف أو التوتر.
ووفقاً لبحث أجرته جامعة ييل في عام 2015، اتضح أن البكاء بهذه الطريقة قد يساعد في استعادة التوازن العاطفي للمشاعر.
وعندما يبكي الشخص نتيجة شعوره بمشاعر بالغة القوة كالمفاجأة أو السعادة أو الخوف أو التوتر، يسهم البكاء في تهدئة هذا الفوران من المشاعر، ويكون بمثابة طريقة الجسم في التعافي من تجربة مثل هذه المشاعر القوية.
فوائد بكاء الأطفال
تعتبر صرخة الطفل الأولى بعد الخروج من الرحم هي أهم عملية بكاء يمارسها الإنسان في حياته. وهي تسهم في تلقي الطفل لحاجته من الأوكسجين من الهواء، بعد التغيير القوي الذي يواجهه عند ترك الرحم وانفصاله عن الحبل السري الذي كان يمثل مصدر الهواء والغذاء له.
وبمجرد ولادة الطفل، يجب أن يبدأ الجسم في التنفس من تلقاء نفسه، لذلك يساعد البكاء الأول رئتي الطفل على التكيف مع الحياة الجديدة في العالم الخارجي.
كما يساعد البكاء أيضاً على تحفيز حالة من النوم الأعمق لدى الأطفال خلال الليل.
ففي دراسة حول نوم الرضع أجرتها مجلة "Pediatrics" لطب الأطفال، تُرك الأطفال يبكون لعدد محدد من الدقائق قبل تدخل والديهم لتنويمهم.
وأدى البكاء لبضع دقائق إلى زيادة مدد نوم الطفل، وتقليل عدد مرات استيقاظ الرضّع أثناء الليل.