منذ ظهور شخصية الغوريلا العملاقة "كينغ كونغ" لأول مرة على شاشات السينما عام 1933، تعرّف البشر على إحدى أبرز اللغات الجسدية للحيوان، وهي الضرب على الصدر والصرخة المدوّية في السماء.
وفي مشهد يشبه إلى حد كبير قتال الديوك أو عراك البشر مع بعضهم البعض في فورة من الأدرينالين، تنفث قردة الغوريلا أنفاسها وهي تُصدر صيحات حادة أثناء الضرب على صدورها، في محاولة لإظهار الهيمنة والقوة، إلا أن لذكر الغوريلا أغراضاً متعددة من هذه العملية.
لغة لتحديد القدرات والقوة الجسدية
تعيش الغوريلا الجبلية في مجموعات عائلية متماسكة، يقودها ذكور ذوو ظهور فضية، ويتحدى سلطة هؤلاء القادة باستمرار ذكور آخرون.
لكن من خلال الإعلان عن حجمها واستعدادها للتزاوج، وقدرتها القتالية عبر الأصوات التي يمكن أن تسافر لمسافات طويلة عبر الغابات المطيرة الكثيفة، تكشف هذه الحيوانات الفضية عن منافسين محتملين يفكرون بشكل أفضل قبل بدء المشاجرة.
وتوصّل الباحثون في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية، إلى ما يعتقدون أنه التفسير الدقيق لقيام ذكور الغوريلا بالوقوف على قدمين واستخدام قبضات اليدين في نمط متناوب من الضرب على الصدر.
وبينما يبدو أن ضربات صدر الغوريلا تشير إلى العدوانية، أظهر البحث أن السلوك قد يمنع في الواقع العنف بين الحيوانات الضخمة، التي يمكن أن يصل وزن البالغ منها إلى ما يقرب من 500 رطل.
ترهيب للذكور ولنيل إعجاب الإناث
وفي نتائج الدراسة التي نُشرت في مجلة Scientific Reports، يوم 8 أبريل/نيسان الجاري، رجّح العلماء أن الغوريلا تستخدم ضربات الصدر هذه مع الصرخات المصاحبة لها، كتواصل غير صوتي لجذب الإناث، ولترهيب المنافسين المحتملين من الذكور. ومن المُمكن سماعها من على بُعد أكثر من كيلومتر.
ومع ذلك، قد تضرب ذكور الغوريلا الأصغر سناً على صدورها لممارسة واكتساب ردود فعل اجتماعية من القطيع، كما لوحظ أيضاً قيام الرضّع الذين لا تقل أعمارهم عن سنة واحدة بالضرب بنفس الطريقة على صدورهم أثناء اللعب والاحتكاك الاجتماعي، وفقاً للدراسة.
وتوّصل الباحثون إلى هذه الاستنتاجات أثناء استخدام تقنية تسمى القياس التصويري، والتي سمحت لهم بقياس حجم جسم ذكور الغوريلا الجبلية البرية البالغة التي تم رصدها في حديقة البراكين الوطنية في رواندا.
الضرب على الصدر ينقل معلومات عن حجم الحيوان
ووجد العلماء أن الذكور الأكبر حجماً تصدر ضربات صدرية لها ترددات أقل من الذكور الأصغر سناً. وبغض النظر عن كينغ كونغ، اتضح أن الضرب على الصدر ينقل معلومات حول حجم الجسم، وبالتالي يتمتع الذكور الأكبر سناً وحجماً بمعدل نجاح أعلى في التزاوج، فضلاً عن تحقيق هيمنة اجتماعية أكبر بين الأقران، وفقاً لـمجلة Scientific Reports.
وعلى الرغم من ندرة وقوع المعارك الجسدية بين ذكور الغوريلا، فإن الذكور المتنافسة تستخدم تلك المعلومات الناجمة عن ترددات الضرب على الصدر، لتحديد القدرة التنافسية، ومعرفة ما إذا كان عليها البدء في إظهار سلوكيات عدوانية مع الآخر لتجنُّب التعرُّض للأذى، أو للتصعيد.
الإناث يخترن الزوج وفقاً لترددات ضربة الصدر
في الوقت ذاته، ليس من المستغرب أن تستخدم الإناث هذه الترددات الصوتية كذلك لتحديد ما إذا كان الغوريلا الضارب على صدره مرشحاً جيداً للزواج، وفقاً للباحثين.
ونظراً لأن الغوريلا تعيش في مجموعات اجتماعية يهيمن عليها ذكر واحد وعدة إناث، فغالباً ما تكون هناك منافسة عالية بين الذكور والإناث.
ومع ذلك، فإن الإناث غير محصورات في مجموعة واحدة، وقد تتجول بين المجموعات الاجتماعية الأخرى، وبالتالي تنال الإناث خيار اختيار الأزواج.
ووفقاً لبحث مجلة Scientific Reports، اتضح أيضاً تبايناً كبيراً بين عدد ومدة دقات الصدر التي يقوم بها كل ذكر غوريلا وآخر، ما يشير إلى أنها تُمثّل بديلاً عن بصمات الأصابع البشرية، ولدى كل غوريلا توقيع فريد وفردي منها.
معلومات السينما الخاطئة
ورغم أن ضربات الصدر أمر شائع في الأفلام عن الغوريلات، فإن هناك الكثير من المعلومات التي نخطئ في فهمها بشأن هذا السلوك.
ووفقاً لـ ناشيونال جيوغرافيك، لا تضرب الغوريلا صدورها بقبضات قوية، بدلاً من ذلك تجعل أيديها في صورة كوب نسبياً، ما يضخم الصوت الناجم عن الضربة.
كما أن الغوريلا تقوم من وضعية الجلوس إلى وضعية الوقوف، وذلك ربما كطريقة لضمان سماع الضربات من على بُعد أكثر من نصف ميل، أو نحو كيلومتر تقريباً.
ولا تضرب الذكور صدورها بشكل متكرر وكأنه قرع على الطبول كما تُصوَّر في بعض الأفلام، بل غالباً ما تضرب الغوريلا صدرها عندما تدخل الإناث في مجموعتها في موسم التزاوج، بمعدل 3 ضربات فقط كل 20 ساعة تقريباً.