يحدث أحياناً أن تستيقظ بمزاجٍ سيئ، لا تقوى على النهوض من سريرك، وتسأل: هل منحني الرب يوماً إضافياً سيعبر بسلام، أم سيكون كعادة الأيام الماضية التي تكتشف من خلالها رصيداً جديداً من الأوجاع والآلام التي تضاف إليك؟
في الصباح وأنت تنهض من سريرك تحمل معك الكثير من الأفكار والأحلام المؤجلة، في اللحظةِ التي نحمل ونجرّ فيها أجسادنا إلى دورة المياه كيّ نتمكن من الاستيقاظ، ثم نبدأ بالتمسّك بكوب من القهوة أو الشاي لنضمن ثباتنا العقلي واستقرارنا العاطفي.
نظرت إلى ساعة هاتفي حتى لا أتأخر عن الذهاب إلى العمل، وما الفائدة من العمل؟ ماذا لو لم أذهب إليهِ اليوم؟ هل سيتوقف ما أفعله هناك، هل سيشعرون بنقص في حالةِ عدم حضوري أو غيابي عنهم اليوم؟ لا أظن، فدائماً ما يخبرني رئيسي في العمل أن العمل لا يتوقف على أحد، حقاً لن يتوقف، وحركة الأرض ستستمر بالدوران.. إذاً لن أذهب إلى العمل اليوم.
أرسلت لهم رسالة نصية عبر الواتساب أُخبرهم بعدم حضوري لأنّي أشعر بالتعب، وجلست مُتمدّداً على السرير أتطلع في سقفِ الغرفةِ وكأنها سماء سحيقة، مُحدّقاً إلى النجوم الصغيرة التي أعلّقها في غرفتي، ماذا لو كانت هذه النجوم خريطة للهروب من العالم؟ وقلت لنفسي: لماذا في صباح كلّ يوم لا نذهب إلى الفضاء بدلاً من الذهاب إلى العمل؟
كنتُ صغيراً عندما قرأتُ لأول مرة ألّا أحد يمكنه سماع صوت صراخك وأنت في الفضاء، فالأمواج الصوتية لا تستطيع التنقل في الفراغ، هذا الصراخ الذي أريد أن أصرخ به في وجه العالم البائس، كبرت وازادت الرغبة لديّ في اكتشاف هذا الفضاء الفسيح، تلك المساحات اللانهائية من الظلام الدامس المرصع بالنجوم، لطالما حلمت أن يأتي يوم يمكنني فيه أن أعبر سماء غرفتي مسافراً إلى الفضاء، أنظر إلى تلك الكرة الزرقاء من الأعلى، كثيراً ما أحببت ما تبدو عليه من أعلى، كما أشاهدها في أفلام السينما التي تتحدث عن محاولات البحث عن مكان آخر غير الأرض يصلح للعيش فيه داخل مجرتنا الشاسعة.
يزعم العلماء الآن وجود حيوات أخرى في الزمكان "الثقب الأسود" لا نعلم ما يُخفيه حتى الآن، اليوم وبعد أكثر من مئة عام يؤكد العلماء هذا من خلال أول صورة تم التقاطها لثُقب يمكنّنا من خلاله أن نعبر إلى عوالم أخرى، ونبدأ من جديد، بعيداً عن كلِّ الخذلان الذي مررنا به، بعيداً عن كل التجارب التي استهلكتنا، وكل العطب الذي أصاب صميمَ الفؤاد، وكل هؤلاء الذين تركوا بصمةً سيئةً داخل أرواحنا وتركونا تائهين، بعيداً عن الحروب ومافيا السلام.
طبعاً لا يمكن للخيال الآن وضع هذا الأمر وفق مسطرة المنطق، فهل سيكون من الممكن استعادة ذكرياتنا الجميلة هناك؟ دعني أتخيل معك أنه يمكننا فعل هذا، هذا يعني أنه يمكنني أن أكون بصحبة من أحبهم هناك، ونحنُ نكتشف معاً عالمنا الجديد، حينذاك يمكنني أن أقصَّ عليكم كل حكاياتي الجميلة التي أومن بها، وحدثت في حياتنا القديمة التي تركناها، أحكي لكم عن محمود درويش وريتا وحديثهما معاً قبل سفره الأول إلى المنفى، رسائل كافكا إلى ميلينا، وما قاله غسان كنفاني عن غادة السمان، وما كتبه جبران خليل جبران في مي زيادة، وحكايات أمل دنقل وحبه لعبلة الرويني، سأخبرك بهم جميعاً، وأعدك أننا سنخلق معاً قصتنا التي سأكتب فيها كل ما أريد أخباركم به، حتى تصبح كلماتي دليلاً لكل من سيعبر بعدي هذا الثقب، سأخلق عالماً تكون فيه كل الأشياء الجميلة حاضرة.
الفكرة مُفزعة، أقصد أن يُتاح لنا أن نسافر عبر هذا الثقب، لأن العلماء لم يكتشفوا بعد ما وراء هذه الجاذبية القوية جداً، بحيث لا يمكن لأي شيء الإفلات منها، هذا يعني أنه من الممكن أن نتلاشى تماماً في اللاشيء، دون الوصول إلى ما نطمح إليه، لكنه سيكون أمراً جيداً بالنسبة لي لأنّي سأبتعد أكثر، أعدو على القمر، أقفز من كوكب إلى آخر، وربما أستريح قليلاً على أحد النجوم، وأغفو على حلقات زحل، أخطو خطوات لم يخْطُها أحد من قبل.
هل جرَّبت.. هل تريد العودة إلى الأرض بعد ذلك، أم تريد البقاء هنا وسط هذا الظلام اللامع؟
المكان في الأعلى ظريف.. تعلم لماذا أحب الفضاء؟ يمكنك أن تسبح في الملكوت بعيداً عن كل هذا الصخب الذي يسكن الأرض، كل ما عليك فعله هو أن تغلق عينيك، ولا تكترث بأي شخص هناك على الأرض، ولا يمكن لأي شخص أن يصل إليك ويؤذيك، استرح، واستمتع بالرحلة، يجب أن تهدأ روحك وتعرف قيمتك الحقيقة، لكي تبدأ بعيش حياتك.
ولذا، ارفضوا الانطفاء، كونوا كنجوم سرمدية قُدّر لها أن تضيء إلى الأبد.. فقط كل ما عليك فعله هو النظر إلى النجوم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.