عكس ما يعتقده البعض، لا يتعمّد الشخص المُعتاد على أن يكون متأخراً في مواعيده، مضايقة مَن حوله.
وبحسب المؤلفة الأمريكية ديانا ديلونزور، صاحبة كتاب "لا تتأخر أبداً"، يجب على الناس ألا يأخذوا تأخُّر زميلهم أو صديقهم عن المواعيد المُتفق عليها على محمل شخصي؛ فالأمر لا يتعلق عادة بتقديره لهؤلاء الأشخاص ولقيمة وقتهم، كما لا يكون بسبب رغبته في الحصول على دخول درامي للمكان بعدهم. الأمر هو أن الشخص كثير التأخُّر عن مواعيده يعاني بالفعل لكي يتمكن من تخطيط وقته بشكل سليم.
وبعد عدد من الأبحاث حول التأخير وأسبابه القهرية في سيكولوجيات الإنسان، اتضح أن مشكلة التأخُّر في المواعيد قد تكون نابعة كلياً من تركيبتهم الشخصية.
أدرينالين اللحظات الأخيرة!
ووفقاً للكتاب الذي تناولته صحيفة نيويورك تايمز، يمكن تقسيم العديد من الأشخاص المتأخرين إلى فئتين. أولاً: هناك الشخصية التي تنجذب دون وعي إلى فورة الأدرينالين عند ترك المهام إلى اللحظات الأخيرة. وهناك الشخصية التي تبالغ في تقدير قدراتها، وتحاول إنجاز أكبر قدر ممكن من المهام في أقل وقت ممكن.
مقاومة التغيير وعدم الواقعية
ويميل الشخص المُتأخر إلى أن يكون متفائلاً وغير واقعي على الأغلب، وهذا يؤثر في تصوُّره وتقديره للوقت؛ إذ يعتقد فعلاً أنه يمكنه اللحاق بمواعيده، وإنجاز عدة مهام في غضون ساعة ضيقة من الوقت، دون تقدير واقعي لقدراته أو للظروف الخارجة عن سيطرته والتي قد تعطّله.
يحدث التأخير أيضاً عندما تكون لدى الشخص مقاومة تجاه التغيير، وقدرة متواضعة من المرونة النفسية في أداء المهمات؛ إذ يميل المتأخِّر على الدوام إلى الانخراط في نشاط واحد بشكل عميق، ويعاني في اتخاذ قرار تأجيله إذا لم يقم بإنهائه، للبدء في نشاط آخر له وقت وساعة محددلن.
نمط الشخصية قد يكون عاملاً مؤثراً
وتوضح المُعالجة النفسية فيليبا بيري لصحيفة الغارديان، أن إيقاف شيء نشعُر بالانغماس فيه للقيام بشيء آخر، قد يكون أمراً مزعجاً للغاية فعلاً؛ فهو يتطلب قدراً من قوة الإرادة لتنفيذه. ولكن إذا لم نتخذ القرار في الوقت المناسب، فقد نفقد موعد دخول امتحان أو لحاق بالطائرة، أو على أقل تقدير قد نخسر احترام الآخرين.
ولطالما عرَّف علماء النفس "الدقّة في المواعيد" على أنها سمة من سمات الأشخاص الذين لديهم نمط الشخصية (أ)، وهي الشخصية التي تميل إلى تحمُّل المسؤولية والحصول على السيطرة والرغبة في الكمالية وإنهاء المهام للشعور بالإنجاز الذاتي.
وبالتالي تعتبر رغبتهم في الالتزام بالدقة في المواعيد نابعة من شعورهم بـ"إلحاح مستمر" لملائمة كثير من الأمور في وقت قصير، وهو ما تشير الأبحاث إلى أنه يجعل الشخص أقل احتمالية أن يتأخر عن مواعيده.
وفي بحث لجامعة واشنطن نشرته مجلة APA PsycNet العلمية عام 2016، حول ما يجعل بعض الأشخاص أفضل في تقدير الوقت الذي تستغرقه المهام وإدارة الوقت، تم التوصُّل إلى شيء واحد يشترك فيه الأشخاص الدقيقون في المواعيد، وهو أنهم يميلون إلى التحقُّق من الساعة أكثر من أولئك الذين يميلون إلى التأخُّر.
التأخير "نفسي وعقلي" أيضاً
قد تكون مشكلة التأخير عن المواعيد باستمرارٍ نابعةً من "عُطل ميكانيكي" في طريقة عمل عقلك وأفكارك، وأن مهارات الشخص في إدارة الوقت "ليست فعّالة".
وتوضح جولي مورجنسترن، مستشارة إدارة الوقت والإنتاجية ومؤلفة كتاب "إدارة الوقت من الداخل إلى الخارج" لـNBCnews: "إذا كنت كثير التأخير فأنت ببساطة لست جيداً في تقدير المدة الزمنية التي تستغرقها الأشياء لكي تنتهي، أو قد تميل إلى الانغماس المُبالغ في مهماتك التي تنخرط فيها، فتفقد الإحساس بالزمن".
وتابعت مورجنسترن أنه إذا كان الشخص يميل إلى التأخُّر بالقدر نفسه من الوقت، في عدة مناسبات وبشكل دوري، فمن المرجح أن يكون لديه نوع من الخوف أو القلق الوسواسي المتعلق بالمهمة التي من المفترض أن يقوم بها.
العامل الثقافي للتأخير
أما عن العامل الثقافي والنفسي للتأخير، فيشرح روبرت ليفين، أستاذ علم النفس وعلم النفس الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب "جغرافيا الزمن"، لـNBCnews، أن ثقافة الوقت قد تختلف وفقاً للمُعتارف عليه في المجتمعات.
على سبيل المثال، إذا تم الإعلان عن اجتماع في الساعة الثانية مساءً بالولايات المتحدة، فهذا يعني أنه من المفترض أن يبدأ في تمام الساعة الثانية مساءً، ولا يعني أن يبدأ الناس الحضور في هذا التوقيت وإلا تم اعتبارهم "متأخرين". في حين تتبع الثقافات الأخرى ما يُعرف باسم "وقت الحدث"؛ إذ تبدأ الفعاليات وتنتهي عادة عندما يظهر الجميع، ويكون هناك إجماع متبادل على أن الشيء يجب أن يبدأ أو ينتهي في مواقيت معينة في حينها.
ما الذي يجب علينا فعله إذن؟
التأخير عادة يصعب التغلب عليها، على الرغم من أنها تضر بشكل كبير بحياة الشخص المُصاب بها. وتوصي المؤلفة ديانا ديلونزور، صاحبة كتاب "لا تتأخر أبداً"، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، بعدد من التوصيات التي من شأنها تسهيل اكتساب عادة الدقة في المواعيد:
1- ضع استراتيجية لحل معضلة المواعيد: التزم بالعمل على حل مشكلة الالتزام بالمواعيد كل يوم لمدة شهر على الأقل، وبالاستمرار يتم تدريب دقة المواعيد لديك مثل العضلات.
2- أعِد تعلُّم الوقت من جديد: إذ يميل الأشخاص المتأخرون بشكل متكرر إلى الاستهانة بالمدة الزمنية التي من المفترض أن تستهلكها المهمات والأنشطة المختلفة، ويقدّرونها بشكل أقل بنسبة ما بين 25% و30%، على حد قول الكاتبة. ومن الممكن علاج تلك النقطة من خلال كتابة الأنشطة كافة خلال اليوم، وتحديد الوقت الذي استغرقه كل منها للانتهاء.
3- لا تخطِّط أبداً للوصول على الوقت المحدد: بدلاً من ذلك، خطِّط لأن تكون مبكراً عن موعدك؛ إذ يخصص الأشخاص الذين يتسمون بالمواعيد الدقيقة وقتاً إضافياً لمهامهم، لأنهم يعلمون أنه يمكن حدوث تأخيرات وتعطيلات غير متوقعة.
4- استمتع بالانتظار أفضل من أن تأتي متأخراً: أحضِر مجلة أو كتاباً أو قم بتحميل بعض الحلقات التثقيفية أو الترفيهية على هاتفك، واستغل وقت الانتظار في ممارسة ما يمكنك الاستمتاع به أو الاستفادة منه. وفي نهاية المطاف ستكون من الأشخاص الذي يحرصون على توفير وقت انتظار طويل خصوصاً للاستمتاع بتلك النشاطات.