ربما بمجرد قراءة كلمات مثل "صافرات الإنذار" و"أبواق السيارات والمحركات في زحمة السير"، قد نشعر بالانزعاج والطنين والرغبة في سد آذاننا بأيدينا لتجنب الضجيج. إذ تمتلك الضوضاء قدرة هائلة على التأثير في جسم الإنسان وسلامته النفسية والجسدية على حد سواء.
وعلاوة على كونها من مصادر الإزعاج الأكثر قدرة على أن تفقدنا أعصابنا، يمكن للضوضاء الشديدة أن تعرضنا للسكتات الدماغية والجلطات وقصور القلب.
الأضرار الصحية للضجيج المستمر
تبين أن التعرض للضوضاء الحادة بشكل متكرر قد يسبب مجموعة من المشاكل الصحية تتراوح من الإجهاد، إلى ضعف التركيز، وعدم القدرة على الإنجاز والتعلُّم، وصعوبات التواصل، والإرهاق، وقلة النوم. وصولاً إلى مشاكل أكثر خطورة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والضعف الإدراكي وطنين الأذن وفقدان السمع.
وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) في عام 2011 تقريراً بعنوان "أعباء الأمراض النابعة من الضوضاء البيئية"، وجمعت فيه بيانات من مختلف الدراسات الوبائية واسعة النطاق للضوضاء البيئية في أوروبا الغربية على مدى 10 سنوات.
ووجد البحث وفاة ما لا يقل عن مليون نسمة كل عام في أوروبا وحدها بسبب التلوث الضوضائي، وهذا الرقم لا يشمل الضوضاء الصادرة عن أماكن العمل الصناعية. توصّل البحث أيضاً إلى أن هناك "أدلة دامغة على أن التعرض للضوضاء البيئية له آثار ضارة على صحة السكان". وصنّفت المنظمة ضوضاء المرور في المرتبة الثانية بعد تلوث الهواء بين التهديدات البيئية للصحة العامة.
قد يسبب عدم انتظام دقات القلب والوفاة
في دراسة أجرتها جامعة ماينز الألمانية عام 2018، اتضح أن الضَّجيج قادر على أن يغير من إيقاع نبضات القلب ويؤدي لعدم انتظامه (الرجفان)، ما يهدد حياة الإنسان وقد يسبب الوفاة.
وتوضح الطبيبة الأمريكية شيلبي أغاروال لمجلة Healthline الصحية، أن أي شيء يمكن أن يشعرنا بالتحفُّز وتغيُّرات في ضغط الدم يمكن أن يصيبنا بالرجفان.
وبطبيعة أجسادنا التي تحاول تحديد المخاطر من حولنا، فإن حاسة السمع تعمل بشكلٍ متواصل في أدمغتنا، حتى أثناء النوم. فعلى سبيل المثال، إذا انطلقت صافرة مقطورة في الشارع أثناء نومنا، سيفرز الجسم بشكل تلقائي هرمون الكورتيزول – وهو هرمون القلق – حتى وإن لم نستيقظ أو نقلق من النوم.
الضوضاء قد تسبب فقدان السمع والخرف
تشرح أخصائية طبّ الأنف والأذن والحنجرة آنا كيم: "يمكن أن يؤدي التعرض للضوضاء إلى إتلاف أو تدمير شعيرات الخلايا الدقيقة الموجودة داخل أعضائنا السمعية"، وهناك نحو 10 آلاف شعيرة من الخلايا الصغيرة داخل آذاننا مسؤولة عن تحويل كل صوت نسمعه إلى إشارات كهربائية للمخ. ويتم نقل هذه الإشارات إلى مراكز السمع في أدمغتنا التي تسمح لنا بتقدير الصوت والكلام والموسيقى والتفريق بينها، وتساعدنا في تقليل أي ضوضاء غير ضرورية في الخلفية.
وبالتعرض المستمر للضوضاء، نفقد تلك الشعيرات الموجودة في قوقعة الأذن (التجويف الحلزوني للأذن الداخلية) ما يؤدي إلى فقدان سماع الأصوات عالية التردد، وبالتالي عدم القدرة على فهم الكلام المنطوق وسماعه بشكل طبيعي، وصولاً إلى مشكلات الصمم الكامل.
وقد يتسبب التعرض المستمر للأصوات الحادة في تلف النهايات العصبية الدقيقة في الدماغ، ما يؤدي لحدوث تفاعلات التهابية داخل الدماغ نفسه". نتيجة لذلك، هناك أدلة متزايدة على أن فقدان السمع قد يكون مرتبطاً بفقدان مصدر الإدراك نفسه في المخ، ما يؤدي لأمراض مثل الزهايمر أو الخرف.
قد تصيبنا الضوضاء بضعف المناعة والأمراض المزمنة
وبشكل غير مباشر، قد تتأثر جودة حياة الإنسان بشكل عام إثر التعرض المستمر للضجيج المرتفع، ما يؤثر على رفاهية وسلامة الأشخاص. على سبيل المثال، عندما يرتفع هرمون التوتر عند سماع الأصوات الحادة بشكل متواصل، يرتفع ضغط وسكر الدم بالتبعية، وهي الأمور التي تُضعف مناعة الجسم بشكل عام.
واتضح بحسب دراسات عديدة في تأثيرات التلوث السمعي، وجود صلة بين التعرض للضوضاء وزيادة حالات العدوى ونزلات البرد وحدوث المشكلات الصحية المزمنة مثل مرض السكري وقرحة المعدة نتيجة زيادة معدلات القلق والتوتر والإجهاد العام.
الإرهاق وضعف التركيز وصعوبة النوم
ووجدت دراسة سويدية عام 2011 أن الأشخاص الذين عملوا في مكتب موقعها صاخب مثل الواقعة في الطوابق الأرضية المفتوحة، كانوا يتذكرون عدد كلمات أقل عند إجراء اختبار بسيط للذاكرة. كما اتضح أنهم كانوا أكثر إرهاقاً وأقل حماسةً للعمل من أولئك الذين استمعوا إلى أصوات خرير مياه مُهدئة للأعصاب في مكاتبهم.
وبطبيعة الحال، يسبب التعرض المفرط للضوضاء لتشتت الانتباه وصعوبة التركيز، ما يجعل الشعور بالاسترخاء الكافي والنوم أمراً في غاية الصعوبة.
وتعيق الضوضاء الخارجية جودة النوم وتصيب الشخص بالأرق والنوم غير العميق. وهي الأمور التي لها عواقب صحية طويلة المدى مثل مرض السكري والسمنة وأمراض القلب.
هل سماعات الموسيقى الصاخبة تلوث سمعي أيضاً؟!
أكدت منظمة الصحة العالمية أن الأشخاص الذين يستمعون إلى الموسيقى الصاخبة باستخدام سماعات الرأس "يفسدون حياتهم بأيديهم"، لأن ذلك بالفعل تلوث سمعي وضجيج خطير على سلامة الإنسان.
وبالإضافة لأصوات المصانع والزحام المروري ومعدات البناء وغيرها، جاءت ضوضاء الرفاهية وفقاً للمنظمة لتشمل درجات الموسيقى الصاخبة في الأماكن العامة أو السيارة وصالات الحفلات أو في سماعات الرأس والأذن.وتشير الإرشادات المختصة في التلوث السمعي ودرجاته، إلى أن الالتزام بأقصى مستويات التعرض الموصى بها للضوضاء الترفيهية – 70 ديسيبل في المتوسط على مدار عام كامل، لكي لا يعاني الناس من الآثار الصحية الضارة، مثل ضعف السمع. وتكون هذه الإرشادات موضحة في معظم كتيبات أجهزة السماعات أو مشغلات الموسيقى والهواتف الذكية، لكي لا يتم تجاوزها والتعرض لخطر الإصابة بتبعات الصوت الحاد.