سنروي لكم قصة عمرها 360 مليون عام، عندما لم يكن هناك وجود لأوروبا أو القارات الأمريكية الثلاث أو آسيا أو إفريقيا.. عندما كان العالم كله كتلة واحدة تدعى "بانجيا".
بانجيا.. القارة الأم
يقدر العلماء أن اليابسة كانت عبارة عن كتلة عملاقة واحدة قبل 360 مليون سنة، ويطلق على هذه الكتلة اسم Pangaea "بانجيا" التي تعني "الكل"، كما تعني "الأرض" باللغة الإغريقية.
وقبل حوالي 200 مليون عام خلت، بدأت "بانجيا" بالتكسر لتشكل لاحقاً القارات السبعة التي نعرفها اليوم.
سنتناول في هذا التقرير قصة ظهور "بانجيا" والعوامل التي أدت إلى تكسرها وتكوين شكل مختلف للعالم:
كيف ظهرت نظرية "بانجيا" للمرة الأولى؟
كان العالم الألماني ألفريد فاجنر أول من اقترح مصطلح "بانجيا" عام 1912، مستنداً إلى نظرية شاملة قام بتطويرها تدعى "نظرية الانجراف القاري".
وفقاً لتلك النظرية التي تسمى أيضاً "نظرية زحف القارات" فإن النشاط الجيولوجي الذي تقوم به الصفائح التكتونية المكونة لغلاف الأرض، من تباعد أو تقارب أو احتكاك يؤدي في النهاية إلى زحزحة اليابسة من مكانها.
لكن فاجنر ليس أول من اقترح أن القارات قد تكون "تتزحزح" عن بعضها البعض فقد سبقه إلى ذلك أبراهام أورتيليوس عام 1596.
ما هي الأدلة على وجود بانجيا؟
استند فاجنر في نظريته إلى عاملين أساسين:
1. تطابق الحواف الخارجية للقارات
تدل جيولوجيا القارات وأشكالها على أنها كانت متصلة يوماً ما.
لاحظ فاجنر وجود تطابق بين الحواف الخارجية لبعض القارات، على سبيل المثال، هناك تشابه ما بين سواحل شرق أمريكا الجنوبية وغرب إفريقيا وقد كان هذا التطابق مذهلاً لدرجة تبدو معها أن أمريكا الجنوبية وغرب إفريقيا كانتا قطعة واحدة كسرت يوماً ما وتباعد طرفاها عن بعضهما البعض ليفصل بينهما المحيط الأطلسي.
تتطابق كذلك أطراف أمريكا الشمالية وأوروبا ما يشير إلى أنهما كانتا كتلة يابسة واحدة، وفقاً لما ورد في موقع Britannica.
بمعنى آخر، إذا أعدنا تركيب القارات السبع الموجودة حالياً ستنطبق على بعضها البعض وكأنها قطع "بازل" متناثرة كانت يوماً ما كتلة واحدة، أعطاها فاجنر اسم "بانجيا".
2. نفس المستحاثات والجيومورفولوجيا
لا تنطبق الحواف الخارجية للقارات مع بعضها البعض فحسب، بل نلاحظ كذلك وجود مستحاثات متشابهة في قارات بعيدة عن بعضها البعض في وقتنا الحالي.
على سبيل المثال، تم العثور على مستحاثات لحيوانات ونباتات عمرها ملايين السنين في أمريكا الجنوبية وقد كانت مطابقة لمستحاثات وجدت غرب إفريقيا، ووفقاً لفاجنر، لو كانت القارات آنذاك شبيهة بالشكل الحالي، لاستحال على هذه الأنواع أن تتواجد في هاتين المنطقتين البعيدتين عن بعضهما جغرافياً ويفصل بينهما محيط كامل.
لذا لا بد وأن أمريكا الجنوبية كانت متصلة بغرب إفريقيا وقد عاشت على تلك الأرض حيوانات ونباتات معينة قبل أن تنفصل القارتان عن بعضهما.
يلاحظ فاجنر أيضاً أن المنطقتان تمتلكان جيومورفولوجيا (أي تمتلكان نفس أنواع الصخور والتضاريس).
نظرية فاجنر قوبلت بالرفض
بالرغم من الأدلة التي قدمها فاجنر فإن المجتمع العلمي رفض الاقتناع بنظريته، فحتى لو تمكن العالم الألماني من إثبات اتصال القارات ببعضها يوماً ما، إلا أنه لم يستطع تقديم أدلة دامغة تفسر الأسباب التي دفعت القارات للانفصال.
فقد فسّر فاجنر القوى الدافعة التي سببت حركة الصفائح الأرضية بكونها ناتجة عن قوى السحب التي خلقت الانتفاخ الاستوائي للأرض أو أنها ناتجة عن جاذبية القمر. وقد تم دحض كلا التفسيرين في ذلك الوقت.
مع ذلك تابع علماء آخرون مثل الجيولوجي الجنوب إفريقي ألكسندر دو تويت دراسة الأسباب التي أدت إلى انفصال القارات عن بعضها البعض.
ومن سوء حظ فاجنر، لم يتم البرهنة على صحة نظريته إلا بعد وفاته بعشرات السنين.
العلم الحديث يثبت وجود "بانجيا"
بسبب التقنيات الحديثة تبين أخيراً أن نظرية فاجنر صحيحة، فقد أثبت العلم وجود تكوينات صخرية متطابقة في أجزاء من القارات المنفصلة عن بعضها مثل شرق أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وشمال غرب إفريقيا.
كما تبين أن رواسب الفحم الموجودة في بعض الأماكن مثل ولاية بنسلفانيا لها تركيبة وعمر مماثلين لتلك التي تمتد عبر بولندا وبريطانيا العظمى وألمانيا.
وخلال القرن العشرين برهن العلماء أن انفصال القارات عن بعضها كان بسبب الحمل الحراري للوشاح (وهو طبقة من طبقات الأرض تقع فوقها القشرة الأرضية)، حيث يرتفع الوشاح الساخن من باطن الأرض إلى السطح لتفكيك الصفائح التكتونية في اتجاهين متعاكسين ما يؤدي إلى الانفصال.
مع ذلك لم يتوصل العلماء حتى اليوم إلى فهم كاف حول آلية عمل الحمل الحراري.
قارات سبقت "بانجيا" بمئات ملايين السنين
لم تظهر الجيولوجيا الحديثة أن بانجيا كانت موجودة بالفعل فحسب، بل لاحظ الجيولوجيون كذلك وجود قارات عملاقة أخرى شبيهة سبقت بنجانيا، بما في ذلك رودينيا (منذ حوالي مليار سنة) وبانوتيا (منذ حوالي 600 مليون سنة)، أما بانجيا فقد بدأ ظهورها قبل حوالي 360 مليون سنة كما سبق وذكرنا.
ووفقاً لما ورد في موقع Live Science، فقد بدأت قارة بانجيا العظمى بالتفكك منذ حوالي 200 مليون سنة.
وانقسمت في البداية إلى غندوانا (والتي تشكل ما يعرف اليوم بإفريقيا وأمريكا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية والهند وأستراليا) ولوراسيا (أوراسيا وأمريكا الشمالية).
ثم منذ حوالي 150 مليون سنة ، تفككت غندوانا كذلك، وانفصلت الهند عن القارة القطبية الجنوبية، وتصدعت إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
بعد ذلك، ومنذ حوالي 60 مليون سنة، انفصلت أمريكا الشمالية عن أوراسيا.
اليوم، تستمر الصفائح التكتونية للأرض في التحرك، لكن حركاتها هذه المرة تجمع القارات ببطء مرة أخرى.
وفي غضون الـ250 مليون سنة القادمة، ستندمج إفريقيا والأمريكتان مع أوراسيا لتشكيل قارة عملاقة. وقد أطلق على هذه التجمعات للكتل الأرضية في العالم اسم "دورة فاجنر" تكريماً للعالم الألماني.