أجرينا غالبية اللقاءات الرسمية وحتى الاجتماعية عبر اتصالات الفيديو وتطبيقات مثل Zoom خلال فترة جائحة كورونا، وقد ساعد ذلك الكثير من الأشخاص على تجاوز المحنة، إلا أنها عرضت آخرين لشعور بالغ بالإجهاد النفسي والبدني بعد إجرائها دون سبب واضح.
بحثت دراسة علمية أجرتها جامعة ستانفورد فبراير/شباط 2021 وراء أسباب هذا الإجهاد، وتوصلت إلى أنه يحدث نتيجة لعدة أسباب، أهمها التواصل البصري مع الآخرين عن قرب شديد، ورؤية الشخص لنفسه على الشاشة، والإدراك المفرط لتعبيرات الوجه أثناء الحديث، وانخفاض القدرة على الحركة والتعبير الجسدي، بالإضافة إلى العمل بجهد مضاعف لإرسال واستقبال الإشارات والتعبيرات أثناء الحديث.
الإدراك المفرط لملامحنا على الشاشة أثناء اجتماعات Zoom
تشير أبحاث علم النفس على مدى عقود إلى أنه عندما ننظر إلى أنفسنا في المرآة لفترات طويلة، فإننا ندقق في أنفسنا ونقيّمها وننتقدها ونحكُم عليها، ومع مرور الوقت يسبب ذلك فيضاً من التوتر والمشاعر السلبية.
وفي دراسة إيطالية نشرتها مجلة علم النفس Frontiers in Psychology، يمكن أن يكون تركيزنا المتزايد على تعبيرات وجوهنا أثناء اختبار مشاعر مختلفة بمثابة عامل ضغط ومفاجأة بالنسبة لنا.
واتضح أيضاً أنه يمكن عند رؤيتنا لتعبيرات وجهنا السلبية مثل الغضب والاشمئزاز، نشعر بمشاعر أقوى وأكثر حدة مما يحدث عند مشاهدة تعبيرات وجه مماثلة لدى الآخرين.
لماذا قد يضعف تواصلنا؟
ليس من المفترض أن تعتمد اللقاءات الجماعية على تبادل المعرفة والمعلومات فقط، بل تعد أحد الطقوس المهمة في المكاتب والمدارس وبيئات العمل المختلفة لدورها في بناء العلاقات والحفاظ عليها. وتعد الاجتماعات الشخصية وجهاً لوجه آلية مهمة لتوصيل الرأي والمشاعر بين شركاء العمل.
ولكن لأن أدمغتنا يمكنها القيام بعدد محدود من الأشياء بوعي في وقت واحد، يتم في لقاءات الفيديو الافتراضية الاستعاضة عن التفاهم والتواصل مع الآخرين بالجانب المعلوماتي البحت، وبالتالي تزيد الاجتماعات عبر الإنترنت من العبء المعرفي لدينا لأن العديد من ميزاته تستهلك قدراً كبيراً من قدرتنا الواعية.
وبين Google Meet و Skype و Zoom، هناك الكثير مما يحدث عندما نسجل الدخول إلى مكالمة فيديو. ويحاول دماغنا استيعاب اتصالنا الرقمي أثناء معالجة ما نراه ونتلقاه من الآخرين عبر الشاشة، الأمر الذي يصيبنا بالتشتت وعدم القدرة على التوفيق بين تلك المهام المتعددة.
وقد تم ربط محاولة القيام بمهام متعددة بأضرار عديدة مثل إضعاف الذاكرة طويلة الأمد وزيادة الاكتئاب والقلق، لذلك لا عجب أن البعض يشعر بقلة الإنتاجية والتركيز عند كل اجتماع فيديو.
أين اختفت لغة الجسد؟
يعتمد تواصلنا مع الآخرين على قدر كبير من التعبير عن المشاعر والأفكار من خلال إشارات غير لفظية، مثل تعابير الوجه ونبرة الصوت والإيماءات وطريقة الوقوف والمسافة بيننا وبين الطرف الآخر.
في الاجتماعات الواقعية وجهاً لوجه، نقوم بهذه العمليات تلقائياً بينما نستمع إلى المتحدث في نفس الوقت ونستوعب المعلومات التي يشاركنا بها.
ولكن في محادثات الفيديو، نحتاج إلى العمل بجد أكبر لمعالجة الإشارات غير اللفظية. إيلاء المزيد من الاهتمام لهذه التفاصيل يستهلك الكثير من الطاقة، لذلك تكون عقولنا حاضرة ومنتبهة بينما تكون أجسادنا غير حاضرة في النقاش. وهذا التنافر الذي يسبب للناس مشاعر متضاربة، أمر مرهق.
أيضاً في الاجتماعات الواقعية، نعتمد على لغة الجسد والعلامات غير اللفظية التي يقوم بها الآخرون لفهمهم عاطفياً، مثل تقييم ما إذا كانت معلومات المبيعات ومستقبل الشركة إيجابي أم سلبي، بالنظر إلى اهتزاز ساق المدير أثناء حديثه، أو بمتابعة حركات يده. لذلك يصيبنا الاعتماد على المعلومات اللفظية فقط لاستنتاج المشاعر والمعلومات بالإرهاق الشديد.
وبخلاف التحديق في رؤوس عملاقة أمامك، يمكن أن تشعرنا الاتصالات المرئية بالعزلة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعتمدون في تعديل صحتهم النفسية على التواصل المباشر مع الآخرين.
هل تسمعني؟!
لحظات الصمت التي نتبادلها عند القيام بمحادثات واقعية يكون لها دور هام في خلق إيقاع نقاش مريح وطبيعي. لكننا في مكالمات الفيديو، نشعر بالتوتر عند وقوع لحظات الصمت، ويصيبنا القلق فوراً من وقوع عطل ما في اتصالنا بالإنترنت.
في دراسة نشرتها مجلة Science Direct العلمية عام 2014، اتضح أن تأخر المتحدث لمدة 1.2 ثانية في الاستجابة على سؤال عبر الإنترنت جعل الناس ينظرون إليه على أنه أقل ودية أو تركيزاً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن شعورنا بالإحباط من قيام الأشخاص بتشغيل وإيقاف ميكروفوناتهم وكاميراتهم أثناء النقاش، أو تأخر ردودهم، أو حدوث ضوضاء خلفية لدى أحد المشاركين، كلها تمنع الاجتماع الرقمي من التدفق بسلاسة دون إثارة مشاعرنا بالضيق والتوتر ونفاد الصبر.
كيف نتجنب إرهاق اجتماعات الفيديو؟
تنصح الدراسات السالف ذكرها باتباع بعض التعليمات عند إجراء الاجتماعات الافتراضية عبر الإنترنت لتقليل الشعور بالإجهاد والتشتت، وأولها محاولة تقصير مكالمات الفيديو وحصرها على الضرورية بقدر المستطاع.
بالإضافة لذلك يمكن إيقاف استخدام الكاميرا إذا ما كان اختيارياً، وبشكل عام يجب أن يكون هناك فهم أكبر أنه ليس من الضروري دائماً تشغيل الكاميرات طوال كل اجتماع.
واتضح أنه بوضع الشاشة في زاوية جانبية عوضاً عن وضعها أمامنا مباشرة، يمكن أن نشعر بمزيد من التركيز، خاصة في اللقاء والاجتماعات الجماعية. لأن ذلك يشعرنا وكأن الآخرين في غرفة مجاورة لنا، وهو ما قد يكون أقل إرهاقاً.
وفي بعض الحالات، يكون الحل بالتفكير في البدائل الأخرى، لأن الفيديوهات لا تكون دائماً هي الخيار الأكثر فاعلية. عندما يتعلق الأمر بالعمل مثلاً وتبادل المعلومات، هناك تطبيقات لتبادل الملفات المشتركة والملاحظات، ما قد يكون خياراً أفضل لتجنب الانغمار الزائد بالمعلومات.
كما يمكن تخصيص بعض الوقت أثناء الاجتماعات للدردشة الودية لتسهيل مشاعر الألفة والتواصل بين الأفراد، وللحفاظ على الثقة المتبادلة وتقليل مشاعر التعب والقلق.
وأخيراً يمكن أن تساعد فترات الراحة بين اجتماعات الفيديو في إنعاشنا. وخلالها يُنصح بالتمدد أو تناول مشروب أو القيام ببعض التمارين أو المشي في الخارج لبضع دقائق.