مع بداية الأمل بانحسار آلام جائحة كورونا بفضل اللقاح، يتوقع سكان الأرض أن يكون صيف العام 2021 أفضل بكثير من صيف العام الذي سبقه، وبالتأكيد خسائر بشرية ومالية أقل من الشتاء الذي شهد موجة ثانية في منتهى القسوة لناحية الأرقام والضحايا.
ورغم ذلك، يظل ارتداء القناع وتفادي التجمعات الداخلية هما السلاحين الأبرز لمقاومة هذه الجائحة، فما الذي يتوقعه الخبراء في العام الثاني من الوباء؟
توقعات العام الثاني من الوباء
مجلة The Atlantic أجرت لقاءات مع 30 خبيراً من علماء الأوبئة والأطباء وعلماء المناعة وعلماء الاجتماع والمؤرخين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تحطيم كل الأرقام القياسية خلال أزمة كورونا.
نهاية درب اللقاح
الحصول على اللقاحات ليس هو نفسه تحقيق التطعيمات. أولاً، تحتاج شركات الأدوية إنتاج جرعات كافية. يعتبر تصنيع لقاحات Pfizer-BioNTech و Moderna عملية حساسة، تنطوي على سلاسل إمداد هشة.
يجب أن تكون مراقبة الجودة صارمة، ويمكن أن تتسبب الثغرات الصغيرة في تعطل خطوط إنتاج اللقاح الثابتة.
فاللقاحات هي "مواد بيولوجية هشة"، وفق ما وصفتها كيلي مور من جامعة فاندربيلت، التي تدرس سياسة التحصين، "إنها ليست قمصاناً".
ومع ذلك، فإن المزيد من اللقاحات المعتمدة قد يعني توفير إمدادات أكثر مرونة.
بعد ذلك، يجب توزيع اللقاحات، ويمكن تخزين لقاح موديرنا في المجمدات العادية، ولكن تتطلب شركة فايزر تخزيناً شديد البرودة مثل الثلج الجاف.
كلاهما يتطلب جرعتين، وسيكون تتبع هذه التحديات أمراً صعباً بالنسبة للدول التي ليست لديها سجلات تطعيم وطنية أو حكومية شاملة.
وحتى لو تم توصيل اللقاحات إلى سائر دول الأرض، فلا بد أن ترغب الشعوب في تلقيها، وهناك نسبة لا يستهان بها ترفض تلقي اللقاح، في أمريكا مثلاً قال 27% من دراسة أعدت في ديسمبر/كانون الأول 2020، إنهم يرفضون تلقي اللقاح حتى لو كان مجانياً.
الثغرة الجديدة
أحد الأمور المؤكدة بشأن اللقاحات هو أنه سيتم نشرها بشكل غير متساوٍ؛ تماماً كما تسبب الفيروس في خلق خليط من العدوى في عام 2020، ستخلق اللقاحات خليطاً من المناعة في عام 2021.
على الصعيد العالمي، لن تتمكن العديد من البلدان الفقيرة من بدء عملية التطعيم، لأن الدول الغنية لديها جرعات مكتظة.
حتى داخل الولايات المتحدة، ستكون هناك أشهر صعبة عندما تقوم بعض الولايات بتلقيح جميع مواطنيها بينما لا يزال البعض الآخر يعمل من خلال مجموعات ذات أولوية، مثل العمال الأساسيين وكبار السن.
يمكن أن تسبق المناطق الحضرية المناطق الريفية، حيث لا يوجد عدد كافٍ من العيادات والطواقم الطبية.
وكثيراً ما يساء فهم مناعة القطيع، فهو ليس مجال قوة. لا يزال من الممكن أن يبدأ تفشي المرض في المجتمعات التي تتمتع بمناعة القطيع إذا قام شخص ما بإدخال الفيروس، لكن سرعان ما ينتهي أمر التفشي فكل شخص غير محصن محاط بعدد كافٍ من الأشخاص المحصنين بحيث يكافح الفيروس للوصول إلى مضيفين جدد.
ثانياً، لن يتناثر الأشخاص غير الملقحين بشكل عشوائي حول المجتمع. وبدلاً من ذلك، سوف يشكلون مجموعات، لأن اللقاحات يتم توزيعها بشكل غير متساوٍ، أو لأن الشك ينتشر بين الأصدقاء والعائلات.
ستكون هذه التجمعات مثل الشقوق في الجدار، والتي يمكن أن تتسرب من خلالها بعض المياه أثناء العاصفة.
وقالت عالمة بيئة الأمراض بجامعة جورج تاون، شويتا بانسال: "إن نقاط الضعف هذه ستكون أكبر المشاكل"، ما يعني أنه حتى عندما تصل بعض المجتمعات إلى عتبة 70%، لا يزال من الممكن انتشار العدوى داخلها.
خطوة الفيروس التالية
حتى عندما تتضاءل اللقاحات ويتلاشى الفيروس، فإن SARS-CoV-2 سوف يستمر. الأدوية التي تمنع الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية موجودة منذ سنوات، لكن 1.7 مليون شخص ما زالوا يصابون بالفيروس كل عام.
تم ابتكار لقاحات شلل الأطفال لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي، ولكن شلل الأطفال- على الرغم من قرب القضاء عليه- لا يزال موجوداً. وكذلك الحال بالنسبة لمعظم الأمراض الأخرى التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، وضمن ذلك الحصبة والسل وسرطان عنق الرحم.
يعتمد ما يحدث بعد ذلك مع فيروس كورونا SARS-CoV-2 على كيفية تفاعل أجهزتنا المناعية مع اللقاحات، وما إذا كان الفيروس يتطور استجابةً لذلك.
من الصعب التنبؤ بكلا العاملين، لأن جهاز المناعة (كما يحب علماء المناعة تذكير الناس) معقد للغاية، والتطور (كما يلاحظ علماء الأحياء غالباً) في غاية الذكاء.
تدوم المناعة مدى الحياة لبعض الأمراض الفيروسية، مثل جدري الماء والحصبة، ولكنها تزول في وقت مبكر بالنسبة للآخرين، حسبما ذكرت مجلة Nature.
هناك أربعة فيروسات كورونا خفيفة تسبب نزلات البرد، والجهاز المناعي يتذكر فقط كيفية التعامل معها لمدة تقل عن عام. على النقيض من ذلك، فإن المناعة ضد فيروسات كورونا الفتاكة وراء متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والسارس تستمر لعدة سنوات.
من المحتمل أن يقع SARS-CoV-2 بمكان ما في المنتصف. ويبدو أن معظم الإصابات تحفز ذاكرة مناعية تستمر لمدة 6 أشهر على الأقل، على الرغم من إصابة عدد قليل من الأشخاص بالعدوى مرة أخرى.
ولكن يظل تحوُّل الفيروس موضوع قلق الخبراء؛ خوفاً من أن تتمكن إحدى السلسلات من مقاومة اللقاح، وهو أمر سينكشف مع مرور الأيام.
الندوب الأبدية
ستعمل الدول على مداواة نفسها بنفسها مع عودة الحياة إلى الطبيعة شيئاً فشيئاً، ولكن بعض الجراح لن تندمل وأخرى قد تلتهب.
فالعاملون في قطاع الصحة تعرضوا لتجربة استنفدت كل إمكاناتهم وطاقاتهم، وتم تأجيل العديد من الجراحات والعمليات الطبية التي قد يدفع ثمنها الملايين حول العالم بعد انقضاء العام الثاني من الوباء.
كشفت الجائحة وهن الأنظمة الصحية وعدم قدرتها على مكافحة الأزمات، فضلاً عن موجة من الأزمات النفسية على وشك أن تجتاح من نجا جسده من الجائحة دون صحته النفسية!
اتساع الفجوات
عندما تسببت أزمة كورونا في إقفال المدارس كان أمام الأمهات خياران: إما إرسال الأولاد إلى المدرسة والمغامرة بالعدوى وإما ترك العمل والبقاء في المنزل معهم ليتعلموا عن بعد.
الكثير من الأمهات فضّلن الخيار الثاني، وهو ما يعني انتشار البطالة بين النساء على وجد التحديد، واتساع الفجوة في سوق العمل بين المرأة والرجل، حسبما نشرت مجلة The Economist.
حتى إقفال المدارس وسّع الهوة بين المدارس الرسمية والخاصة ومدارس الأحياء الفقيرة والأخرى الغنية؛ وهذا أمر سيتسبب في فجوات اجتماعية داخل الجيل الواحد فيما بعد.
لجان تحقيق
ستشهد السنوات المقبلة لجان تحقيق بالجملة للنظر في أداء الحكومات وطريقة إدارة الأزمات والتعلم من أخطاء الماضي، لتفاديها مستقبلاً.
ورغم أن توثيق هذه الأزمة تم بشكل كافٍ ووافٍ، فإن الطاقم الطبي الذي كان يعمل على مدار الساعة داخل العيادات والمستشفيات لم يتمكن من تدوين كل المشاكل وإلقاء الضوء عليها، وهذا ما سنكشف ألمه لاحقاً.
لن تكون أزمة كورونا أسوأ أزمة صحية عرفها الإنسان، ولا حتى آخرها، ولكنها تحولت لدرس قاسٍ جداً يحث على التأمل في الماضي تحضراً للمستقبل.
كشف الوباء أن أمريكا والدول الغربية لم تكن أكثر كفاءة في معالجة الأزمة من دول آسيوية وإفريقية شهدت في الماضي أكثر من أزمة صحية، واستطاعت بفضل تجاربها وخبرتها السابقة أن تتعامل بكفاءة مع الأمر.