يخطف الأولاد في عيد الميلاد الهولندي.. بيتر الأسود شخصية تقليدية ولكن عنصرية فهل ما زالت حية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/29 الساعة 21:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/30 الساعة 12:37 بتوقيت غرينتش
بيتر الأسود- مساعد سينتر كلاس في رحلاته وفي تغليف الهدايا وإنجاز المهام/ Shuttershock

تتضمّن احتفالات عيد الميلاد الهولندية شخصيةً تقليدية ذات بشرةٍ سوداء تُدعى "زوارتي بييت"- الذي يُترجم حرفياً إلى "بيتر الأسود"، وهي مستوحاةٌ من عروض موسيقية منذ القرن الـ19.

وفي كل عام يصطف الآلاف في شوارع هولندا للاحتفال بمهرجان القديس نيكولاس (بابا نويل)، أو كما يُعرف هناك باسم "سينتر كلاس"، بحسب مجلة Time.

ويُحتفى بقصة سينتر كلاس في كافة أنحاء أوروبا منذ العصور الوسطى. فهو رجلٌ ذو لحيةٍ بيضاء، ويزور الأطفال المهذبين في 25 ديسمبر/كانون الأول ليُغدق عليهم بالهدايا والحلويات.

ولكن وفقاً لقصة سينتر كلاس، يُصادف الأطفال المشاغبين بيتر الأسود- مساعد سينتر كلاس في رحلاته وفي تغليف الهدايا وإنجاز المهام، لكنه يُعاقب الأطفال غير المهذبين أيضاً.

ويرتدي العديد من الهولنديين أزياء زوارتي بييت للاحتفال بالعيد عن طريق وضع شعر مستعار مجعد، وأقراط ذهبية كبيرة، وأحمر شفاه، وتلوين الوجه باللون الأسود.

لكن هذه الممارسة أثارت انتقادات متزايدة بسبب تصويرها العنصري لذوي البشرة السوداء، بحسب ما نشر موقع All That's Interesting.

بيتر الأسود
رغم عدم تصويره على أنّه مرعب أو من عالمٍ آخر، لكن بيتر الأسود يمتلك سمعةً مخيفة مماثلة بين الأطفال الهولنديين/ Shuttershock

من هو بيتر الأسود؟

في شمالي أوروبا كان القديس نيكولاس يُعرف باسم سينتر كلاس، وهو رجلٌ يمتطي حصاناً رمادياً يُدعى أميريغو، ويمنح الهدايا في عيد ميلاده يوم 25 ديسمبر/كانون الأول. 

لكن سينتر كلاس يمنح الهدايا فقط للأطفال اللطفاء، بينما يحصل الأطفال المشاغبون على زيارةٍ من كرامبوس أو بيلسنيكل، وهي شياطين شريرة تعاقب جميع الأطفال السيئين.

وتضرب تلك الشياطين الأطفال غير المهذبين بالعصي، وتأكلهم، وتخطفهم لترسلهم إلى الجحيم. 

وتُشكّل أساطير تلك الغيلان المرعبة جزءاً كبيراً من تقاليد الشتاء في بلدان أوروبية مثل ألمانيا والنمسا والتشيك.

لكن قصة سينتر كلاس في هولندا مختلفةٌ بعض الشيء. فوفقاً للتقاليد الهولندية، يقوم سينتر كلاس بجولات منح الهدايا بمرافقة مساعده زوارتي بييت، أو بيتر الأسود.

وفي الرسوم التوضيحية لقصة سينتر كلاس الهولندي من القرن الـ19، يمتلك زوارتي بييت بشرةً سوداء، وشفاهاً حمراء كبيرة، وشعراً مجعداً. ويرتدي زياً ملوناً يشبه المهرجين، وأقراطاً ذهبية كبيرة.

ورغم عدم تصويره على أنّه مرعب أو من عالمٍ آخر، لكن بيتر الأسود يمتلك سمعةً مخيفة مماثلة بين الأطفال الهولنديين. وحين يُصادف أطفالاً مشاغبين، يُقال إنّ زوارتي بييت يضعهم في كيس ألعابه الفارغ ويختطفهم.

أصول التقليد المثير للجدل

لا يُعرف على وجه التحديد الأصول المحددة لشخصية بيتر الأسود، لكن يُعتقد أنّه مستوحى من كتاب للأطفال صدر أوائل القرن الـ19.

إذ ورد ذكر مساعد سينتر كلاس للمرة الأولى عام 1800، رغم عدم وصفه مظهره الجسدي. وبحلول عشرينيات القرن الـ19، كانت الشخصية تُوصف باسم "الزنجي مجعد الشعر" ثم باتت تعرف لاحقاً باسم زوارتي بييت.

وظهر أول رسم توضيحي لهذا المساعد ذي البشرة السوداء في كتاب للأطفال حول سينتر كلاس عام 1850، من تأليف جان شينكمان، على أنه من قبيلة مور في إسبانيا.

ووفقاً لعالمة العلوم السياسية جوك هيرميز، فربما كانت فكرة شينكمان عن مساعد سينتر كلاس ذي البشرة السوداء والشعر المجعد مستوحاةً من لقائه بالعبيد السود للعائلة الملكية.

احتفاء تاريخي في الثقافة الهولندية

في نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، تُقام المسيرات في جميع أنحاء هولندا احتفالاً بسينتر كلاس. ويتنكر الأشخاص البيض عادةً في شخصية زوارتي بييت مرتدين أزياءً غريبة، وشعراً مستعاراً مجعداً، ويضعون أحمر الشفاه.

ويطلون وجوههم باللون الأسود حتى تتناسب مع الشخصية. كما يتحدّث منتحلو شخصية زوارتي بييت بلكنات إفريقية وكاريبية، للتأكيد أكثر على مدى عنصرية الشخصية.

وتعرّض التقليد لانتقادات شديدة في السنوات الأخيرة، وازدادت الحركة المطالبة بالتخلّص من تقليد الوجه الأسود "زوارتي بييت" قوةً في عام 2011. 

ففي ذلك العام، تعرّض المحتجون للاعتقال بشكلٍ وحشي على يد الشرطة في أعقاب احتجاجات سلمية داخل عددٍ من البلدات.

وبحلول عام 2019، كانت هناك احتجاجات مناهضة لبيتر الأسود في 18 مدينة حول هولندا قبل بدء مهرجان سينتر كلاس.

لكن تقليد زوارتي بييت متجذرٌ بعمق في المجتمع الهولندي. ويجادل بعض الهولنديين بأنّ الشخصية لا يجب إلغاؤها لأنّها تمثل جزءاً من تقليد هولندي قديم مرتبط بسينتر كلاس. ويرون فيها احتفالاً مقدساً للأطفال. لكن منتقدي زوارتي بييت يختلفون معهم بشدة.

وبالطبع، أظهرت الدراسات أنّ تصاوير الوجه الأسود لبيتر الأسود ضررها أكبر من نفعها، لأن الأطفال الهولنديين ذوي البشرة السوداء يتعرضون لإهانات عنصرية مصدرها شخصية زوارتي بييت.

وفي العام 2015، وجد تقريرٌ من لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري أنّ شخصية زوارتي بييت "صُوِّرت في بعض الأحيان بطريقةٍ تعكس الصور النمطية السلبية عن الأشخاص ذوي الأصول الإفريقية، والتي يُعاني منها العديد على أنّها من بقايا العبودية".

ودعا التقرير الحكومة الهولندية إلى القضاء على هذه الممارسة بوصفها شكلاً من أشكال التنميط العنصري، بحسب ما نشرت مجلة National Geographic.

والأكثر إثارةً للقلق هو أنّه كانت هناك وقائع استغل فيها دعاة التفوّق الأبيض الحركة المؤيدة لزوارتي بييت من أجل التعبير عن قوميتهم الإثنية. وارتفعت في السنوات الأخيرة التقارير حول هجوم المتشددين على المحتجين المناهضين لزوارتي بييت، وتوزيع ملصقات الحزب اليميني على الأطفال، وتأدية التحية النازية في التجمعات.

تعديلات طفيفة بعدما انقسم البلد

ورغم أنّ تقليد زوارتي بييت لم يختف تماماً، ولكنّه شهد بعض التغييرات. إذ عدّل بعض منظمي المسيرات الشخصية بتقديم عارضين لديهم لطخات خفيفة من اللون الأسود على وجوههم- ليعكسوا فكرة أنّ وجه زوارتي بييت أسود اللون بسبب سخام المدخنة وليس لأنّه لون بشرته الحقيقي.

ويبدو أن احتجاجات جورج فلويد وما تلاها من مظاهرات Black Lives Matter في هولندا في العام 2020 كان لها تأثير كبير على قبول ظهور بييت الأسود التقليدي. وشهد استطلاع في يونيو/حزيران 2020 انخفاضاً في تأييد ترك مظهر الشخصية دون تغيير؛ 47% مقارنة 

بـ71% في استطلاع مماثل أُجري في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

لكن هذه التقاليد لا تزال متجذرةً بعمق في الثقافة الهولندية. وعلى غرار الكثير من الدول حول العالم، ما زال أمام هولندا شوطٌ كبير لتقطعه من أجل التوفيق بين ماضيها المقلق وبين حاضرها المتنوع.

تحميل المزيد