أطلقت روسيا المركبة الفضائية Kosmos 2543، في 25 نوفمبر/تشرين الأول 2019، كقمر صناعي صغير "مفتش"، مصمم للتحقق من الأقمار الصناعية الخاصة بها. ولكن في غضون أسبوعين من إطلاقها، انفصلت عن سفينتها الأم، وفي يناير/كانون الثاني، نبَّه مراقبو الفضاء المدنيون العالم إلى أن كلتا المركبتين الفضائيتين قد انطلقتا إلى نفس مدار القمر الصناعي الاستطلاعي الأمريكي USA 245.
كان مايكل طومسون، طالب دراسات عليا في الديناميكا الفلكية في جامعة بوردو، من أوائل المدنيين الذين اكتشفوا المناورة في البيانات المدارية المنشورة على الإنترنت.
غرّد على تويتر في 30 يناير/كانون الثاني 2020: "شيء يحتمل مراقبته، هذه كلها أدلة ظرفية، لكن هناك الكثير من الظروف التي تجعل الأمر يبدو وكأن قمراً صناعياً روسياً يتفقد حالياً قمراً صناعياً أمريكياً للتجسس".
وفي 15 يوليو/تموز 2020، نفذ كوزموس 2543 الروسي خدعته التالية، بإطلاق جسم بدا وكأنه ينفث بعيداً عنه، ثم يمر على بعد بضعة كيلومترات من قمر صناعي روسي آخر كان يراقبه، أو لعله استهدفه!
وقال عالم الفيزياء الفلكية ومراقب السماء في مركز هارفارد سميثسونيان جوناثان ماكدويل عبر موقعه على تويتر: "لم يكن هناك تغيير ملحوظ في مدار القمر الصناعي الأصلي، أظن أن الجسم كان يحمل محركاً صاروخياً خاصاً به، لذلك تم إطلاقه برفق، ثم تم تشغيل المحرك".
كانت طلقة صامتة، لكنها سُمعت في جميع أنحاء العالم، إذ وصفت الحكومة الأمريكية الجسم الجديد رسمياً بأنه "سلاح مضاد للأقمار الصناعية"، واحتجت عبر تصريحات عامة صارمة.
لم يكن الاختبار بحاجة إلى تحقيق أي شيء ليكون نجاحاً تقنياً. كانت البيانات المتعلقة بالاستهداف والنشر وأداء المحرك كافية لتطوير التكنولوجيا. في الواقع يُفضل الاختبار غير المدمر، لأنه لا ينتج عنه أي حطام ويوفر إنكاراً مباشراً، لكون كوزموس 2543 مصمماً في الواقع كسلاح.
كان من الممكن أن تكون هذه المناورة الفضائية الروسية بمثابة رسالة دبلوماسية. ويقول مدير مشروع أمن الفضاء الجوي في مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية (CSIS)، تود هاريسون، من الممكن أنها رسالة مفادها: "مرحباً، نحن نخبرك، قبل أن نجلس للتحدث، بأن لدينا بندقية جاهزة موجهة على رأسك".
وبينما كان كل هذا "الأكشن" يدور في الفضاء، فإن هذا النوع من التهديد هو بالضبط سبب إنشاء القوة الفضائية الأمريكية العسكرية، في ديسمبر/كانون الأول 2019، بحسب ما نشرت مجلة Air and Space الأمريكية.
وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لها، قال رئيس عمليات الفضاء الجنرال جون جاي ريموند: "إحدى أفضل الحجج لإنشاء القوة الفضائية الأمريكية هي الحالة الملحة التي خلقها المنافسون".
قبل توليه هذا المنصب الجديد، ترأس ريموند قيادة الفضاء الأمريكية في قاعدة بيترسون الجوية في كولورادو. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان مديراً لقوات الفضاء للحرب في أفغانستان.
ومثل رئيسها، يأتي معظم الأشخاص في الكتيبة الجديدة من أقسام أخرى من الجيش، رغم أن العديد منهم كانوا يعملون بالفعل في معترك الفضاء.
يبلغ عدد قوات هذه الكتيبة نحو ألفي عنصر، على أن يصل عدادها إلى 16 ألف عنصر، لتشكل أصغر قوة عسكرية في الجيش الأمريكي.
في المقابل، تضم قوات خفر السواحل 40 ألف عضو، وغالبية أفراد القوة الفضائية انضموا إليها من سلاح الجو. في المقابل من المتوقع أن تفقد البحرية أقل من 100 شخص في عمليات النقل الدائمة للقوة الفضائية.
وتروج القوة إعلاناتها على المواقع الإلكترونية والتلفزيون، يبدو فيها شابات وشبان ينظرون بتأمل للسماء، بينما يتحدث صوت عن النجوم والاستكشاف دون أي ذكر للحرب الإلكترونية أو التجارية أو أي نوع من التجسس والمواجهة.
ما هي مهام القوة الفضائية الأمريكية؟
أمضت القوة السنة الأولى من تكوينها في الدفاع عن وجودها ضد السخرية (بما في ذلك المسلسل الهزلي على Netflix)، ووضع المخطط التنظيمي.
سيتم تخصيص العام 2021 لرعاية معظم برامج الفضاء العسكرية المتبقية، ولكن ليس كلها، لتحقيق استقرارها وتوسيع نطاق وصولها.
يقول ريموند: "يتعلق العام الثاني باستعراض عضلاتنا كخدمة مستقلة".
من ضمن مهام القوة مثلاً، تنفي مناورات وتدريبات لتهديدات محتملة، وبالفعل يوجد مجموعة تسمى "المعتدون" أو Vaders.
مهمة المعتدين هي التدريب لمواجهة فضائية في عصرنا الحالي وبعد 20 عاماً من الآن.
تقول الكولونيل جينيفر هودجز، قائدة الكتبية 527، "بينما نمضي قدماً سنستمر في التطور على الجانب المداري"، مشيرةً إلى أنها ستتحضر لمحاكاة المزيد من المعارك المدارية بين المركبات الفضائية التي تخوض معركة صامتة على جبهة بعيد جداً.
ولعل أكثر الهجمات المستمرة حالياً هي الهجمات الإلكترونية الأرضية على إشارات واتصالات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
على أساس منتظم، يشارك الأمريكيون المنتشرون في الخارج في مبارزات غير مرئية مع أعداء يجلسون خلف لوحات تحكم. تتراوح الهجمات بين إشارات التشويش البسيطة مثل توليد ضوضاء بيضاء كهرومغناطيسية، أو أخرى معقدة مثل إدخال بيانات خاطئة في إشارات التوجيه العسكرية.
وتم بالفعل التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والانتحال ضد القوات الأمريكية وقوات الناتو في سوريا والقطب الشمالي وأوروبا الشرقية.
وتتزايد مخاطر هذا النوع من المواجهات، مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا تصنع وتبيع أجهزة تشويش GPS، مثبتة على المركبات بمدى يصل إلى مئات الكيلومترات.
ومن شأن أجهزة التشويش المركبة على مركبة فضائية أن تزيد المشكلة سوءاً من خلال إغراق الإشارات من المصدر، مع ترك القمر الصناعي نفسه دون أن يصاب بأذى.
مناورات وتدريبات
ومنذ عام 2017، يُجري الجيش أيضاً 5 تمرينات تسمى Space Flag أو "أعلام الفضاء"، حيث تكون السيناريوهات أكثر تعقيداً وتفصيلاً ومخصصة للفضاء.
تحرض المناورات المحاكاة على مهاجمين في المدار (أي مركبة فضائية معادية) ضد مشغلي الأقمار الصناعية الأمريكيين، الذين يتعين عليهم مواجهة الهجوم أو التحكم في الضرر.
قد يعني ذلك مناورة مراوغة أو رفع مستويات الطاقة لتعزيز الإشارات أو إعادة توجيه مركبة فضائية لحماية أجهزة استشعارها.
هذا إلى جانب تمارين التخرج لدورة مدرب الأسلحة في مدرسة سلاح الجو، وفي كل مرة تقدم تحديات متطورة، بحيث يطبق المعتدون غالباً ما تعلّموه للتو في ساحة المعركة الافتراضية على سيناريو التدريب التالي.
وتبقى معظم الخطط التكتيكية للقوة الفضائية لمواجهة هذه التهديدات سرية.
يمكن أن يكون هناك نوع جديد من الحماية لأجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء الفضائية، على سبيل المثال لن يعرفها الأمريكيون أبداً، كما يؤكد مسؤولو القوة الفضائية دون تقديم تفاصيل.
بدوره قال الجنرال دايفيد طومسون للجنة الفرعية للدفاع عن مخصصات مجلس النواب خلال جلسة استماع مفتوحة، في مارس/آذار 2020: "بدأنا في وضع النماذج الأولية والتوضيح والاستعداد لما سأسميه قدرات لحماية أصولنا والدفاع عنها، وقد فعلنا ذلك على نطاق واسع في ميزانية 2020".
أياً كان ما تعمل عليه قوة الفضاء، فهي بلا شك -على الأقل في الوقت الحالي- القيادة العليا للجيش لجميع الأشياء خارج الغلاف الجوي. يقول تود هاريسون من CSIS: "آخر شيء نريده هو وجود ثلاث أو أربع قوى فضائية مختلفة ضمن الجيش".
لكن الأمر لا يخلو من خلافات داخلية وعيون تراقب المناورات البيروقراطية في أروقة البنتاغون من أجل ضم المزيد من العتاد والموارد تحت لواء هذه القوة؛ لذا في عامها الثاني ستجد القوة الفضائية جبهة القتال في واشنطن لا تقل أهمية عن تلك الموجودة في مدار الأرض.