ما الذي يجعل أحدنا أعسر أو أيمن، الجينات أم البيئة؟ وهل الشخص الأعسر أكثر إبداعاً وخيالاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/20 الساعة 12:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/20 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش

هل تساءلت يوماً لماذا تستخدم يدك اليمنى أو يدك اليسرى بشكل رئيسي؟ وما العامل الذي يحدد كون الشخص أعسر أو أيمن؟ في الحقيقة غالبية البشر يستخدمون اليد اليمنى وتتراوح نسبتهم بين 85 -90%. وقد يكون هذا أمراً منطقياً، فإن يدنا اليمنى يتحكم فيها نصف المخ الأيسر من الدماغ المسؤول عن الكلام والكتابة، بينما يتحكم النصف الأيمن من الدماغ في اليد اليسرى ويرتبط بالإبداع والخيال. هل هذا يعني أن الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى هم أكثر إبداعاً من الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى؟ إن ذلك ممكن علمياً. دعنا نتعمق أكثر في افتراضات وآراء العلماء والباحثين عن الأسباب التي تحدد استخدام إحدى اليدين.

الجينات قد تحدد كونك أعسر أم أيمن

أجرى العلماء في جامعة أكسفورد أبحاثاً حول كيفية توافق استخدام اليدين مع الشفرة الجينية. كشف بحثهم أن شبكة معينة من الجينات مرتبطة على الأرجح بتحديد ما إذا كان شخص ما سيكون أعسر أم أيمن، وأن هذا التحديد يحدث في الرحم قبل ولادة الطفل. قام العلماء بعزل الجين PCSK6، وهو جين مشارك بشكل وثيق في تحويل الخلايا المتساوية التوجه إلى جنين له جانبان يمين ويسار واضحان، وفقاً لمقال في موقع Time.

يبدو أن هذه التأثيرات تحدد أيضاً استخدام اليد، أو البراعة النسبية، على مستوى أكبر مما يمكن أن يحدث بمجرد الصدفة. وينوه الباحثون إلى أن الجينات قد تكون عنصراً واحداً فقط من عناصر البراعة هذه. قد يساهم السلوك والتدريب أيضاً في تحديد اليد التي يفضلها الطفل، وهو مثال آخر على المزيج الرائع بين دور الطبيعة والتنشئة.

تأثير طبيعة الدماغ على كون الشخص أعسر أو أيمن

تم تصميم أدمغتنا بطريقة غير متماثلة مما يعني أن الجانبين الأيمن والأيسر مسؤولان عن أشياء مختلفة. يتحكم النصف الأيمن من الدماغ في معظم الوظائف العاطفية وهو مسؤول عن الإبداع والخيال، ويدير النصف المخي الأيسر العديد من مهارات التفكير والمهارات الفكرية واللغة والكتابة.

كما ذكرنا أعلاه أن استخدام اليد اليسرى يتم التحكم فيه من خلال الجانب الأيمن من الدماغ المسؤول عن الحالات المزاجية والجانب العاطفي. وجدت إحدى الدراسات أن الشخص الأعسر قد يكون أكثر عرضة للاكتئاب والمشاعر السلبية لأن هذا الجانب من دماغه يتم تنشيطه بشكل منتظم.

عززت دراسة أخرى فكرة الترابط بين يدنا وعقلنا حيث طلب الباحثون في هذه الدراسة من مجموعة من المشاركين الذين يستخدمون اليد اليمنى شد قبضتهم اليمنى لتفعيل القسم اليساري من دماغهم قبل حفظ مجموعة من الكلمات. كان أداء هؤلاء المشاركين أفضل بشكل ملحوظ في تذكر الكلمات المحفوظة عن نظرائهم، أصحاب اليد اليمنى الذين شدوا قبضتهم اليسرى قبل الحفظ وبالتالي تفعل لديهم قسم الدماغ اليميني.

يشير أستاذ علم الوراثة البشرية دانيال جيشويند، أنه في حين أن غالبية الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى تتركز اللغة لديهم في نصف الكرة الأيسر، فإن الأشخاص العُسر لديهم توزيع متساو لمهارة  اللغة في نصفي أدمغتهم. هذا التوزيع قد تكون له فائدة صحية، فإذا أصيب شخص أعسر بسكتة دماغية في الجانب الأيسر من الدماغ (جانب معالجة اللغة)، فإنه يميل إلى التعافي بسرعة أكبر لأن مهارات معالجة اللغة لديه موزعة في قسمي الدماغ. ومع ذلك، إن امتلاك المزيد من القدرات اللغوية الموزعة على الأرجح يجعل النظام أكثر تعقيداً، لذلك قد يزيد من قابلية الإصابة باضطرابات النمو واضطرابات النمو العصبي.

يعتقد جيشويند أن اليد اليسرى هي علامة على كيفية تنظيم الدماغ بطريقة أكثر تناسقاً (عندما يكون الشخص أيمن)  أو طريقة أقل تناسقاً (عندما يكون الشخص أعسر والمهارات موزعة لديه في فصي الدماغ).

أبحاث تعود للعصر الحجري تعزز ارتباط الدماغ باستخدام إحدى اليدين

تشير الأبحاث أننا استخدمنا اليد اليمنى كخيار مهيمن لأكثر من 500000 عام. ومن المثير للاهتمام أن هذه الحقيقة حددتها أسنان رجال الكهوف، كما ورد في موقع Live Science.

تمت دراسة سجلات الأسنان لأسلافنا في عصور الصيد من قبل الباحثين. ولقد وجدوا أنه عندما كان يقوم أجدادنا العظماء بمعالجة جلود الحيوانات، فإنهم كانوا يحملون جانباً من الذبيحة في أيديهم والآخر في أفواههم. واستعرض العلماء الآثار والضرر على أسنان أسلافنا المتحجرة لتحديد اليد المهيمنة المستخدمة.

وفقاً للباحث ديفيد فراير: "كل ما تحتاجه هو سن واحدة، ويمكنك معرفة ما إذا كانت افتراضاتنا إذا كان الفرد يمينياً أو أعسر صحيحة". وقد أظهرت معظم السجلات أن اليد اليمنى هي المهيمنة منذ تلك العصور.

وجدت الأبحاث أن الثدييات الأخرى، بما في ذلك الغوريلا والشمبانزي تظهر استخدام اليد المهيمنة، حتى الكلاب لديها مخالب مفضلة! إذا أجبرت كلباً على الوصول إلى لعبة من خلال فتحة، فسوف يميل خلال العديد من التجارب إلى استخدام مخلب على الآخر.

يعود الأمر إلى النخاع الشوكي، وليس الدماغ فقط

وجدت الأبحاث منذ الثمانينيات أن تفضيلنا لليد اليسرى أو اليمنى يتحدد على الأرجح قبل الولادة. تشير فحوصات الموجات فوق الصوتية إلى أنه من الأسبوع الثالث عشر من الرحم، يميل الأطفال إلى مص إبهامهم الأيمن أو الأيسر.

وأشارت دراسة نُشرت عام 2018 في مجلة eLife وجدت أن السبب الذي يحدد استخدام إحدى اليدين أكثر من الثانية يمكن أن يكمن في النخاع الشوكي ويمكن أن يكون سبباً في كون الشخص أعسر أو أيمن.

تبدأ حركات الذراع واليد في الدماغ، في منطقة تسمى القشرة الحركية، والتي ترسل إشارة إلى النخاع الشوكي تتم ترجمتها إلى حركة. وجد الباحثون أنه أثناء نمو الجنين في الرحم، حتى حوالي 15 أسبوعاً، تكون القشرة الحركية والحبل الشوكي غير متصلين بعد ولكن الجنين قبل ذلك يكون إما أعسر أو أيمن عندما يبدأ بمص أحد إبهاميه قبل ذلك.

بمعنى آخر، يمكن للجنين أن يبدأ حركاته ويختار يده المفضلة قبل أن يبدأ الدماغ في السيطرة على الجسم.

حلل الباحثون التعبير الجيني في الحبل الشوكي في الأسبوع الثامن حتى الأسبوع الثاني عشر من الحمل. وقد وجدوا اختلافات كبيرة في الأجزاء اليمنى واليسرى من الحبل الشوكي التي تتحكم في حركة الذراع والساق. وخلصوا إلى أن الطبيعة غير المتكافئة للنخاع الشوكي يمكن أن تعود إلى ما يسمى علم التخلق، أو كيف تتأثر الكائنات الحية بالتغيرات في التعبير الجيني وليس في الجينات نفسها. غالباً ما تحدث هذه التغييرات بسبب التأثيرات البيئية ويمكن أن تؤثر على كيفية نمو الطفل.

الخلاصة:

لا تزال بحوث العلماء مستمرة لتحديد سبب تفضيلنا إحدى اليدين، ولكن حتى الآن تشير معظم الدراسات إلى أن التفضيل يبدأ منذ وجودنا في الرحم ويمكن أن يتعزز من خلال البيئة والسلوك. كما أن الأبحاث وجدت روابط مختلفة بين الجينات وتركيب الدماغ والتعابير الجينية في النخاع الشوكي وتفضيل إحدى اليدين.