على غرار الكثير من المدن التي أصبحت تُشكِّل ما يُعرَف باسم "إسبانيا الفارغة"، تعاني مدينة باريخا الخلابة والغنية بالتراث من نزوح السكان، حيث يتركها الشباب بحثاً عن الوظائف وفرص أفضل لترحل معهم الأيدي العاملة والمهارات، وربما الأهم من ذلك الأطفال.
رحيلهم يحدث خللاً في التوازن الديموغرافي، مما يدفع بالقرى والمدن الصغيرة إلى مصير حتمي من التدهور؛ إذ تُغلِق المتاجر والمدارس أبوابها وتتوقف الخدمات لأنه لا يبقى إلا العجائز هناك، حسب تقرير صحيفة The Guardian البريطانية.
تتحدث الإحصائيات عن نفسها: 90% من المواطنين الإسبان -أي 42 مليون نسمة- يتكدسون في 1500 مدينة وبلدة تمثل 30% من مساحة إسبانيا. بينما نسبة الـ10% الباقية يسكنون على مساحة الـ70% الباقية؛ مما يعني أنَّ الكثافة السكانية تبلغ 15 شخصاً لكل كيلومتر مربع.
على مدى العقد الماضي، شهدت 80% من البلديات الإسبانية انخفاضاً في عدد السكان – وهو رقم يرتفع إلى 90% للبلدات، مثل باريخا، التي يقل عدد سكانها عن 1000 نسمة.
استجابت الحكومة الائتلافية الإسبانية بقيادة الاشتراكيين لذلك بإنشاء وزارة لما تسميه "التحدي الديموغرافي".
في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والإنسانية في فنزويلا، بدأت عائلات فنزويلية تهاجر إلى باريخا بمساعدة منظمة غير حكومية صغيرة حديثة النشأة، هي Towns with a Future Association، التي تعمل على التوفيق بين المناطق الخالية من السكان والمهاجرين بحثاً عن حياة جديدة في ريف كاستيا لا مانتشا، في وسط إسبانيا.
في حين أنَّ العديد من المهاجرين الذين تساعدهم المنظمة نازحون من فنزويلا، لكنها تساعد أيضاً أشخاصاً من كولومبيا وبيرو وهندوراس ونيكاراغوا وغواتيمالا وأوكرانيا ومالي ونيجيريا.
يقول أنخيل ماركيز: "الحياة هنا أهدأ بكثير من مدريد، والسكان مرحبون جداً. فقد منحونا ملاذاً هنا، وسنبقى هنا لنساعد في إعادة هذه البلديات للحياة".
أنخيل ماركيز وزوجته سييدا فارياز و3 من أبنائهما كانوا قد هاجروا من فنزويلا إلى مدريد في نوفمبر/تشرين الثاني في العام الماضي.
تأمل منظمة Towns with a Future Association أن يحذو الآخرون حذو رئيس بلدية باريخا، خافيير ديل ريو، ويفتحوا أذرعهم للوافدين الجدد. وأشار أحد مؤسسي الجمعية إلى أنَّ هناك منافع وفيرة تعود على الجانبين من هذه الترتيبات.
دوريس كاستي قالت: "الوضع بالنسبة للمهاجرين في مدريد، سواء كان لديهم الوثائق التي يحتاجونها أم لا، تساعدهم خطتنا على التوقف عن العيش على المعونات وهذا أمر أساسي: إذ يصبحون مستقلين مادياً. أضف لذلك أنَّ المشروع له تأثير اجتماعي كبير جداً لأنه يساعد العائلات والمدن".
لكن حرصت دوريس على التأكيد على الحاجة لحسن التخطيط لعملية مطابقة بين المهاجرين والمدن والتنفيذ بعناية.
وأوضحت: "لا يمكنك الشروع في جلب عدد أشخاص أكثر مما يمكن أن تستوعبه بلدة أو مدينة، حتى وإن كانت خالية من السكان، عليك أن تفكر في المدينة والناس هناك. لكن شيئاً فشيئاً، يتعرف الناس في هذه المدن على الأشخاص الجدد وينظرون إليهم على أنهم مجرد أشخاص، وليسوا لاجئين من بلد معين. ويبدأون بالاحتكاك والعمل معاً بطريقة طبيعية".
وحتى حدود اللحظة، كانت ردود الفعل في باريخا مُشجِعة.
وأعرب أنطونيو ريدريغو، سائق شاحنة متقاعد عاش في البلدة طوال حياته، عن سعادته برؤية الوافدين الجدد، وخاصة الصغار منهم.
وقال وهو ينظر إلى الميدان الرئيسي في البلدة: "نحن بحاجة لأناسٍ هنا، وتحديداً من الشباب؛ لأنه لا يوجد أطفال هنا تقريباً".
"إذا لم يكن هناك أطفال، فسنضطر لإغلاق المدارس، وستتحول إلى بلدة ميتة. إذا لم يكن لديك شباب، فأنت ليس لديك شيء".