لَطالما حظيت الخفافيش بسمعة سيئة، بسبب رمزيتها الثقافية وارتباطها بمصاصي الدماء، والظلام، والشر، والسحر، والموت، والآن أصبحت مرتبطة بجائحة كورونا كذلك.
لكن هناك العديد من الحقائق المدهشة المرتبطة بهذه الثدييات صغيرة الحجم، فبرازها على سبيل المثال يعتبر مصدراً هاماً لصنع السماد والمتفجرات كذلك! أما دماؤها فقد تساعد في علاج بعض الأمراض مثل السكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم، وفشل القلب، وأمراض الكلى.
فلنتعرف معاً على أبرز 5 حقائق قد تجهلها عن الخفافيش، وفق ما ورد في شبكة CNN الأمريكية.
حقائق لا تعرفها عن الخفافيش
في مارس/آذار 2020، نشر الباحثون دراسةً وجدت تشابهاً بين فيروس كورونا الذي يُسبّب كوفيد-19 وبين فيروس يُوجد لدى نوع من الخفافيش التي تكثر في مقاطعة يونان الصينية.
إذ تقع مقاطعة يونان على بُعد نحو 1600 كم عن مقاطعة هوبي، حيث تقع مدينة ووهان التي شهدت التفشّي المُبكّر للفيروس.
ومن المحتمل أنّ الفيروس قد انتقل من الحيوانات التي قد تكون مصابة إلى البشر، وقد كانت الخفافيش على رأس قائمة تلك الحيوانات.
ورغم ذلك فإنَّ هذه الثدييات الطائرة تُؤدِّي دوراً حيوياً في نظامنا البيئي، بحسب أندرسون كوبر، في CNN Special Report، وهناك العديد من الحقائق الفريدة التي لا يعرفها الشخص العادي على الأرجح عن الخفافيش، سنستعرضها معكم هنا:
تحمينا من البعوض
تُؤدّي الخفافيش دوراً حيوياً في نظامنا البيئي، عن طريق التحكّم في أعداد الحشرات، بحسب نانسي سيمونز، أمينة الثدييات بالمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي والمُؤلّفة المشاركة في كتاب "الخفافيش: عالمٌ من العلم والغموض Bats: A World of Science and Mystery".
ففي غضون ساعة، يستطيع الخفاش بالحجم الطبيعي التهام ما يتراوح بين 500 وألف بعوضة، وهي الحشرات التي يُمكن أن تحمل أمراضاً مثل فيروس زيكا أو حمى الضنك أو الملاريا.
كما أنّ عادة تناول الخفافيش لتلك الحشرات تُوفّر أموالاً طائلة في مجال الزراعة.
إذ قال دان ريسكين، عالم الأحياء التطوّري ومضيف البرامج التلفزيونية الكندي، إنّ الخفافيش تُقدّر بأكثر من مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي كل عام "من ناحية المبيدات الحشرية التي لا نستخدمها والطعام الإضافي الذي نحصل عليه".
حيث يلتهم الخفاش المكسيكي ذو الذيل الحر في تكساس أعداداً كبيرة من العث، ليحمي محاصيل الذرة في المنطقة.
واعيةٌ بيئياً وجوهرياً
ليست "مكافحة الآفات" هي الإسهامات الوحيدة التي تُقدّمها الخفافيش لنظامنا البيئي.
إذ إنّ فضلات الخفافيش آكلة الفاكهة -خاصةً في الغابات المطيرة- تنشر البذور، لتساعد في تجديد النباتات والأشجار التي تضرّرت أو قُطِعَت في السابق.
كما أنّ فضلاتها مليئةٌ بالنيتروجين، العنصر الحيوي للمحاصيل، لأنّه المُكوّن الرئيسي في الكلوروفيل، المركب الذي يُساعد النباتات في استخدام طاقة الشمس لإنتاج السكريات من الماء وثاني أكسيد الكربون.
وتُؤدّي هذه العملية، التي تُعرف بالتمثيل الضوئي، إلى توليد الأكسجين.
فضلاً عن أنَّ النيتروجين يُمثّل عنصراً حيوياً في الأحماض الأمينية التي تُمثّل اللبنة الأساسية للبروتينات.
وتاريخياً، كان يجري حصد كهوف الخفافيش من أجل الحصول على السماد، ثم المتفجرات، إبان الحرب الأهلية.
إذ ساعد محتوى النترات العالي في براز الخفافيش على توفير مُكوّن رئيسي في إنتاج البارود وسط نقص الإمدادات.
تكافح الأمراض التي يُصيبها البشر بها
بينما نُكافح فيروساً جاء من الخفافيش على الأرجح، تُكافح الخفافيش فطريات ربما انتقلت إليها منا.
ففي أمريكا الشمالية قبل 15 عاماً، أُصيبت مجموعات من نحو 12 نوعاً من الخفافيش بمرضٍ يُدعى "متلازمة الأنف الأبيض".
وفي بعض الحالات تراجعت أعداد الخفافيش بنسبةٍ وصلت إلى أكثر من 90%.
وقالت نانسي: "إنّها فطرياتٌ مُحبّة للبرودة تنمو فوق جسم الخفاش أثناء حالة السبات في فصل الشتاء. وتُمثّل تهديداً سيئاً للخفافيش. ومن المفارقات هنا أنّ البشر هم المسؤولون عن نقل هذا المرض إلى الخفافيش. والمرض مطابقٌ للفطريات التي تحدث بشكلٍ طبيعي في أوروبا. وبالتالي يُعتقد أنّه مرض جلبه البشر من أوروبا ونقلوه عن طريق الخطأ إلى كهوف الخفافيش".
تفتقر إلى الجينات المرتبطة بالأمراض
قالت كارا بروك، دكتورة في قسم الأحياء التكاملية بجامعة كاليفورنيا-بركلي، إنّ استجابتنا المناعية تُجنّد الخلايا المناعية في موقع الإصابة للقضاء على العدوى حين تُصاب خلايانا بأحد الفيروسات.
وتظهر الالتهابات عادةً حين تقوم خلايا غير مصابة بأجسادنا بتشغيل منظومتها الدفاعية، وتأتي الالتهابات لدى البشر على هيئة حُمّى أو تورّم يُساعد في مكافحة العدوى.
لكن أجهزة مناعة الخفافيش لا تستجيب بنفس الطريقة؛ إذ تستطيع تحمّل ردود الفعل المناعية القوية وتتمتّع باستجابة مضادة للالتهابات أيضاً.
إذ قال جوناثان إبستين، الطبيب البيطري وعالم بيئة الأمراض ونائب رئيس العلوم والتواصل في EcoHealth Alliance، إنّ بعض أنواع الخفافيش "تفتقر في الواقع إلى الجينات التي نمتلكها نحن والحيوانات الأخرى، والتي تُسبّب عملية الالتهاب".
ويُمكن لدراسة مناعة الخفافيش أن تُساعد في توفير رؤى بشأن العلاجات المُحتملة للجائحة الحالية، فضلاً عن أيّ جائحة مستقبلية لفيروس مرتبط بالخفافيش.
الخفافيش تُمهّد الطريق أمام الاكتشافات الطبية
تُسهم الخفافيش بالفعل في الأبحاث التي يُمكن أن تُساعد البشر يوماً ما.
إذ حلّل الباحثون الحمض النووي لغالبية أنواع الخفافيش المعروفة، في دراسةٍ نشرتها دورية Biology Letters العلمية عام 2019.
ووجدت الدراسة أربعة أنواع من الخفافيش (حدوة الفرس، وذات الآذان الطويلة، والعادية، وأذن الفأر) تعيش أربع مرات أكثر من الثدييات الأخرى بالحجم نفسه.
كما أن أعمارها تتجاوز متوسط عمر الإنسان العادي، إذا أخذنا فارق الحجم بعين الاعتبار.
وأُضيفت الدراسة إلى الأبحاث السابقة التي اقترحت البحث أكثر في الخفافيش بوصفها نماذج للشيخوخة الصحية، من أجل العثور على السمات والآليات المرتبطة بالعمر الطويل.
ويمتلك الخفاش مصاص الدماء تحديداً (نوعٌ نادر يعيش في أمريكا الوسطى والجنوبية ويتغذّى على دماء الطيور والخنازير والماشية) عوامل مضادة للتخثّر في لعابه، ليُساعد في سحب الدم المتدفّق من الضحية. وبحث العلماء في دماء تلك الخفافيش عما يُساعد في علاج البشر.
كما أشارت دراسات أخرى إلى أنّ دماء الخفاش مصاص الدماء قد تُفيد في علاجات بعض الحالات مثل السكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم، وفشل القلب، وأمراض الكلى.
وحالياً، يُمكن تطبيق دراسة مناعة الخفافيش وكيف تُمكِّنها من تحمّل مختلف أنواع الفيروسات ومسببات الأمراض، لتطوير أساليب وقاية وعلاج البشر.