بين عامَي 1955 و1976، روَّع القاتل المتسلسل يواكيم كرول أنحاء ألمانيا الغربية بارتكاب أبشع جرائم يمكن تصورها، ما بين قتل أكثر من 14 ضحية، واغتصاب عدد آخر من الضحايا، بعدما عانى عدة مشاكل نفسية، كان أهمها العزلة والتنمر.
ولكن الأكثر ترويعاً بين جرائم يواكيم كرول؛ كان أكل لحم ضحاياه؛ وهو ما أكسبه اللقب المرعب: صائد البشر. هذه هي قصة السفاح وآكل البشر والقاتل المتسلسل يواكيم كرول.
من هو القاتل المتسلسل يواكيم كرول؟
اضطراب الطفولة.. نشأة يواكيم كرول
وُلد يواكيم كرول عام 1933 في بولندا، لأب يكسب رزقه عاملاً بالمحاجر في مقاطعة هندنبرغ الألمانية، وكان يواكيم الابن الثامن لوالديه، ونظراً إلى الحالة الاقتصادية، والمادية المتواضعة لم يتلقَّ يواكيم سوى تعليم ابتدائي متواضع بدوره.
عانى يواكيم كرول وهو طفل، تنمُّر أقرانه في مجتمعه الصغير؛ نظراً إلى ضعف بنيته، وافتقاره إلى مهارات التواصل بشكل سليم، وهو ما أثَّر فيه وبدأ يعاني تبولاً لا إرادياً، وعزلة اجتماعية إجبارية، خاصة بعد انتقال الأسرة إلى مقاطعة سليسيا في أطراف غربي ألمانيا.
وزاد من شعوره بالحرج والغرابة وقوعُ أبيه سجيناً بيد القوات الروسية في أثناء الحرب العالمية الثانية، التي اشتد أوجها بين الألمان والروس في بداية الأربعينيات.
المراهقة.. التنمر والارتباك تجاه النساء
وفي نشأته عانى يواكيم كرول نفسياً وبشدة في تبادل الحديث مع النساء، ولم يستطع طوال مراهقته وشبابه تبادل حديث طبيعي واحد مع أنثى، وكان يشعر بارتباك وأعراض هلع عندما يقترب من فتاة أو امرأة؛ حتى شقيقاته الفتيات، وبالتبعية لم تعيره أسرته وأشقاؤه أية أهمية، فازدادت عزلته النفسية.
وظل حبيس منزله، يعمل بوظائف متواضعة كراعٍ للحظائر في المزارع، وعندما كان رؤساؤه وأصحاب المزارع التي كان يعمل بها يعتبرونه شخصاً (غريباً) أو (مجنوناً) كانوا يتعاملون معه بعنفٍ وتعالٍ، حتى إنه كان يتعرض للضرب من رؤسائه عندما يخطئ أو حتى من دون أسباب مقنعة.
وفي محاولات بائسة منه للتغلب على خجله من النساء، بدأ كرول التحرش بزميلاته في المزرعة بطريقة غير ملائمة، وكان دائماً ما يقابَل بالصد أو التعنيف، أو الشجار، وهو ما كان آخر مسمار في نعش عودته إلى مسار الحياة السوية.
الدم واللحم.. هكذا استيقظت غريزة القتل
في أثناء عمل يواكيم بأكثر من مزرعة، تطوَّر لديه اعتياد مشاهد الذبح وتقطيع اللحوم، وكان أحياناً يساعد القصَّابين في أنشطة الذبح والسلخ والتي كانت وقتها عشوائية ودموية وفوضوية غير منظمة ولا تراعى فيها أي أمور صحية أو إنسانية. وهنا يمكننا بسهولةٍ إدراك الخيط المخيف بين شخصيةٍ مثل يواكيم كرول بكل تعقيداتها؛ وهذه الأنشطة (الدموية).
وبينما كان يواكيم يشاهد أول عملية ذبح قاسية لخنزير في المزرعة؛ كانت هناك مجموعة من الأفكار الشاذة تدور برأسه، وطوَّر رد فعل يشبه النشوة، والشعور بالقوة المسلوبة، وبالطبع كثيراً من الغضب المكبوت من جراء فشله، والأذى الذي يتعرض له منذ أن كان طفلاً، فبدأ يمارس العنف والقتل تجاه الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب، وبدأ انشطة مريبة، فكان يجمع الدمى الجنسية، ويُلبسها ملابس نسائية، ثم يشنقها في غرفته المنعزلة بالمزرعة.
الشهادة المزعجة التي كشفت أمر يواكيم
وبعد أن صار التواصل معه من قِبل أي شخص في عمله -حتى الرجال- أمراً صعباً، عاد يواكيم كرول إلى منزله ذات يوم في عام 1955، ليخبره الجميع بأن أمه قد توفيت، رحل من منزل عائلته وانتقل إلى مدينة دويزبرغ Duisburg للعيش بمفرده، فازدادت لديه المشاعر المتراكمة بشكل كبير.
وارتكب أولى جرائمه التي امتدت على مدى 21 عاماً، والتي روعت ألمانيا الغربية بأكملها فترة طويلة، عنما اغتصب فتاة تبلغ من العمر 19 عاماً، ثم قتلها طعناً وتخلص من جثتها في إحدى القرى النائية.
بعد هذا الحادث بعقدين تقريباً، وفي عام 1976، اختفت فتاة صغرة تبلغ من العمر 4 سنوات فقط؛ فانتشرت في جميع أرجاء مدينة دويزبرغ Duisburg غربي ألمانيا أخبار الفتاة وتكثف البحث عنها، ومع استجواب الشرطة للجيران في الشارع الذي تقطن فيه الفتاة، بدأ أحد الجيران يخبر الشرطة بمعلومات مزعجة ومقلقة.
أخبر الجار الشرطة بأن جارهم الصموت المريب (يواكيم كرول) أخبره ذات مرة بشكل عابر، بألا يستخدم المرحاض في حمام شقته بالبناية نفسها، ولما سأل الجار يواكيم: لمَ؟ ردَّ يواكيم الرد المرعب: "لأن المراحيض مسدودة.. بالأمعاء!".
اعتقال كرول.. اعترافات مروعة
بعد هذه المعلومة المروعة توجهت الشرطة لاعتقال كرول واستجوابه فوراً، وبعد قليل من الضغط والحصار في الاستجواب؛ انهال سيل من الاعترافات من فم يواكيم كرول، بتفاصيل عديد من الجرائم البشعة التي تضمنت الاغتصاب، والقتل، وأكل اللحم البشري على مدى 21 عاماً بدأها في 1955.
ونظراً إلى طبيعة الجرائم البشعة لم يرِد رجال الشرطة أن تتجه القضية إلى (جنون المتهم)؛ ومن ثَمَّ لا يعاقَب كرول على جرائمه؛ فرتَّبت الشرطة الألمانية لأخذ اعترافات دقيقة عن "رغبة" كرول في القتل و "نيته" تجاه الضحايا من خلال محقق تظاهر بأنه "خبير نفسي".
وبعد عامين تقريباً من الاعترافات والبيروقراطية في إجراءات المحاكمة، أُدين يواكيم كرول بقتل 14 ضحية، وحُكم عليه بالسجن في 9 أحكام بالسجن المؤبد. وبعد 9 سنوات فقط من سجنه، عام 1991، توفى يواكيم كرول إثر أزمة قلبية في أثناء قضائه فترة العقوبة.