بينما يتعاظم مجال استخدام تقنية التعرف على الوجه أو بصمة الوجه لأسباب تجارية وأمنية، يطرح سؤال التعدي على خصوصية مواطني الدول التي تستخدم هذه التقنية من دون قوانين منظمة تحمي المواطنين الآمنين.
كيف تعمل تقنية التعرف على الوجه؟
تسمى هذه التقنية بـFacial Recognition Technology (أو FRT)، والهدف منها التعرف على شخص أو التحقق من هويته من خلال مقارنة وتحليل ملامح وجهه ومطابقتها بالمعلومات الموجودة في قاعدة البيانات الرسمية.
ببساطة، لكل شخص بنية فريدة لوجهه ومعالمه التي تشكلها مرتفعات الوجه ومنخفضاته، ويحدد الجهاز هذه المعالم كنقاطٍ عقديةٍ.
وفي وجه كل إنسان توجد 80 نقطة عقدية على الأقل، ومن العُقد التي يقوم البرنامج بقياسها المسافة بين العينين، وعرض الأنف، وعمق تجويف العينين، وشكل عظام الخدّين، وطول خط الفك.
بعد ذلك تتم ترجمة تحليل الوجه إلى صيغة رياضية، بحيث تصبح معالم الوجه أرقاماً في معادلة أو شيفرة رقمية تُسمى بصمة الوجه faceprint.
تستخدم تطبيقات تقنية التعرف على الوجه بغرض حماية البيانات، وذلك لأن كلمة المرور الآمنة لا يمكنها حماية الحسابات والمعلومات من المتسللين الماهرين.
والاتجاه الجديد في برنامج بصمة الوجه يستخدم النموذج ثلاثي الأبعاد.
في الماضي كانت تقنية التعرف على الوجه تعتمد على الصور الثنائيّة 2D للمُقارنة مع صورة أخرى ثنائية البعد من قاعدة البيانات.
وحتى يتم الأمر بدقة لا بد من أن ينظر الشخص بشكل مباشر إلى الكاميرا.
تجعل هذه الطريقة من السهل على الأجهزة قراءة ملامح الوجه دون أي تعقيدات، إلا أن لها عيوبها التي قد تتأثر بالإضاءة أو الاتجاه.
التصوير ثنائي الأبعاد يعتمد على الطيف الضوئي (Visible spectrum)، هذا يعني أن الكاميرا لن تستطيع التعرف على الوجه بالأماكن المُظلمة أو في ظروف الإضاءة الخافتة.
كما تلتقط الكاميرات الصور ثنائية الأبعاد دون أي تعمُّق في معرفة المميزات التي تمنحها الدقة في التعرف على الوجه.
إذ يمكن أن يحدد معالج الكاميرا مسافة البعد الحدقي للعين، وكذلك عرض الفم، ولكن لا يستطيع معرفة طول الأنف أو بروز الجبهة.
لذلك، يكون من السهل خداع هذه الأجهزة بصورة مسطحة أو صورة على شاشة الكمبيوتر للشخص المالك للهاتف.
لذلك يستخدم الاتجاه الناشئ حديثاً في برنامج التعرف على الوجه نموذجاً ثلاثي الأبعاد يزعم أنه يوفر مزيداً من الدقة، ويتغلب على أوجه القصور في التقنية السابقة.
استخدامات متعددة لتقنية التعرف على الوجه
الهواتف الذكية: تستخدم عدة أنواع من الهواتف الذكية الحديثة تقنية التعرف على الوجه؛ من أجل الدخول إلى مكنونات الهاتف أو أجهزة الكمبيوتر باستخدام بصمة الوجه Face ID.
المرافق الحدودية: تستخدم مكاتب الجمارك نظام التعرف على الوجه؛ لإبعاد الزوار غير المرغوب فيهم عن بلد ما، وتستخدم هذه التقنية أيضاً للتحقق من حاملي جواز السفر عند عبور الحدود.
مكافحة الاتجار بالبشر: ويُستخدم نظام التعرف على الوجه للعثور على الأطفال المفقودين وضحايا الاتجار بالبشر، وذلك لتنبيه الجهات المسؤولة بمجرد التعرف على الأشخاص سواء أكان الشخص موجوداً في المطار أم السوبرماركت أم أي مكان عام.
في الهند مثلاً تم اكتشاف نحو 3000 طفل مفقود في غضون أربعة أيام باستخدام تقنية التعرف على الوجه.
اكتشاف الأمراض: وتُستخدم التقنية أيضاً في تشخيص الأمراض التي تسبب تغيرات يمكن اكتشافها في المظهر؛ على سبيل المثال، يستخدم المعهد الوطني لبحوث الجينوم البشري نظام التعرف على الوجه للكشف عن مرض نادر يدعى متلازمة دي جورج.
مواقع التواصل الاجتماعي: يستخدم فيسبوك هذه التقنية للتعرف تلقائياً على أعضاء فيسبوك من الصور وتقديم الاقتراحات للمستخدمين.
تسجيل حضور الطلاب: تستخدم هذه التقنية أيضاً في تتبّع الحضور المدرسي؛ لضمان عدم غياب الطلاب عن الصف، إذ بإمكان الطلاب التوقيع بدلاً من زملائهم في أوراق التفقد، إلا أن استخدام التعرف على الوجوه يمنعهم من ذلك.
لوائح السفر: وتستخدم شركات الطيران مثل Delta وJetBlue التعرف على الوجه للتعرف على المسافرين. يعد تقنية مسح الوجه البيومترية أمراً اختيارياً، ولكنها تسمح لأولئك الذين يسافرون باستخدام وجوههم كتذكرة خاصة بهم، وهو ما يوفر الوقت ويمنع متاعب تتبع البطاقة.
دقة النظام موضع تساؤل
لا يؤيد الجميع هذه التقنية، إذ يبدي ناشطون مخاوف بشأن أخطاء في التعرف على البيانات وخصوصيتها وإساءة استخدامها.
فتقنية التعرف على الوجه غير قادرة على مطابقة بصمات الوجه بدقة مع قاعدة البيانات بشكل صحيح طوال الوقت، وتحديداً ذوي البشرة الداكنة.
وتحدث الأخطاء عادة بسبب الصور الرديئة أو نقص المعلومات في قاعدة البيانات، كما يمكن أن يؤدي ضعف الإضاءة أو جودة الصورة المنخفضة إلى صعوبة تحليل نقاط العقدة الشخصية بدقة.
وعندما يتم إخفاء زوايا الوجه يؤدي هذا إلى إنشاء خطأ في البصمة، يجعل من المستحيل مطابقة البيانات الصحيحة بقاعدة البيانات.
التعدي على الخصوصية
تعد عملية انتهاكات البيانات شائعة جداً هذه الأيام، والمعلومات الشخصية التي يجمعها برنامج التعرف على الوجه ليست محصنة.
وقد وجد مركز بيو للأبحاث أن 56% من الأمريكيين يثقون بتطبيق القانون لاستخدام التعرف على الوجه بطريقة مسؤولة، في حين لا يثق آخرون بأن البيانات ستُستخدم بطريقة أخلاقية أو حتى قد تقع تحت أيدي مجرمين.
واستخدم نشطاء من دعاة الخصوصية التعرف على الوجه من أمازون لمسح آلاف من الوجوه العشوائية حول منطقة الكابيتول هيل في واشنطن العاصمة، لتسليط الضوء على مخاطر هذه التقنيات وقدراتها في المراقبة التكنولوجية.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإنه خلال التجول والاحتجاج على استخدام هذه التقنية، وجد الفريق أن التعرف على الوجه حدد أحد أعضاء الكونغرس، وكذلك ادعى أنه تعرف على الفنان روي أوربيسون، وهو مغنٍّ أمريكي توفي في عام 1988، وهو ما فجَّر مشكلة جديدة تتعلق بمدى دقة هذه التقنية.
وكانت المظاهرة بمثابة رسالة إلى الكونغرس لحظر هذه التقنية، خاصة أنه لا يوجد قانون يمنع الأشخاص من مسح الوجه دون الموافقة الشخصية في الأماكن العامة.
الصين تتعقب كل تنقلات مواطنيها
ويزداد الأمر خطورة في الدول التي لا تعتمد الشفافية في سن القوانين كالصين مثلاً.
إذ أنشأت شركة "سينسيتايم"، وهى واحدة من أنجح شركات الذكاء الاصطناعى فى الصين، كاميرات ذكية للحكومة يمكنها تتبع المواطنين وتحليل سلوكهم فى الشارع.
والسبب هو رغبة الحكومة في تقييم مواقف مختلفة للمواطنين يمكّن الحكومة من منح كل مواطن "درجة شخصية".
تتغير هذه الدرجة استناداً إلى مجموعة من السلوكيات الإيجابية والسلبية، مثل ما إذا كنت تسير في الشوارع دون مراعاة القوانين العامة، أو تشتري بضائع صينية الصنع أو تحب ألعاب الفيديو.
إذا كانت درجاتك منخفضة جداً، فيمكن حظر الشخص من شراء تذكرة طائرة أو استئجار منزل أو الدخول إلى الإنترنت عالي السرعة أو الحصول على قرض!
ويشترط على كل مواطن صيني يستخدم جهازاً جديداً أو يشتري خط هاتف جديداً، أن يجري مسحاً للوجه؛ للتحقق من مطابقته مع وجه المستخدم.
وكانت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات أصدرت هذا القرار، حتى تضمن للحكومة التعرف على جميع مستخدمي الهواتف الذكية، إذ يستخدم معظم الصينيين الإنترنت عبر الهواتف الذكية.
وقال جيفري دينغ، الباحث في الذكاء الاصطناعي الصيني بجامعة أوكسفورد، إن أحد الدوافع التي تحرك الصين في اتجاه التخلص من أرقام الهواتف وحسابات الإنترنت المجهولة هو تعزيز الأمن الإلكتروني والتقليل من عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.
سوق ضخم بلا قوانين
أما في أمريكا مثلاً، فإن مصدر القلق الرئيسي آخر استخدام التعرف على الوجه من قبل الجهات الأمنية من دون قوانين فيدرالية منظمة.
إذ بدأت عديد من إدارات الشرطة في الولايات المتحدة باستخدام هذه التكنولوجيا.
ووفقاً لتقرير نُشر بصحيفة Forbes في مايو/أيار 2018، يملك مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI قاعدة بيانات مكونة من 412 مليون صورة وجه، علماً أن عدد سكان أمريكا يبلغ 328 مليون نسمة.
وينمو سوق هذه التكنولوجيا بشكل كبير، وفقاً لتقرير بحثي بعنوان "سوق التعرف على الوجه"، الصادر عن مؤسسة Component.
ومن المتوقع أن تنمو صناعة التعرف على الوجه 3.2 مليار دولار في عام 2019 إلى 7.0 مليارات دولار بحلول عام 2024 في الولايات المتحدة وحدها.