بالنسبة لعديد من الحيوانات يعد الربيع وقتاً مثالياً للولادة، حين يتسنى لصغارها النمو وتطوير مهارات البقاء على قيد الحياة، وهي الغريزة التي تسمح للثدييات بإيقاف الحمل أو تأجيله إلى موعد ولادة يناسب المواليد الحديثة!
على سبيل المثال، يتزاوج حيوان صنوبر الدلق (حيوان مفترس من الثدييات لديه فرو كبير) في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب، وتلد الأنثى في أواخر مارس/آذار وأبريل/نيسان، علماً أن فترة الحمل الفعلية هي 27 يوماً فقط!
وصنوبر الدلق واحد من بين 130 نوعاً من الثدييات التي تُظهر استراتيجية تناسلية تسمى"إيقاف الحمل المؤقت"، ومن الممكن أن تستمر فترة التوقف بين يومين و11 شهراً.
فما هذه الاستراتيجية؟ وما قواعدها؟
الغزلان مهدت الطريق لهذا الاكتشاف
في عام 1854، لاحظ الصيادون بأوروبا أنَّ حمل الغزلان يستمر فترة أطول من المعتاد. ومع تطور العلم والمعرفة بالحمل ومراحله، تمكن العلماء في عام 1950 من تأكيد ما لاحظه الصيادون قبل مئة عام.
المناخ قد يوقف الحمل اضطرارياً
يتزاوج حيوان "المنك" مع بداية شهر مارس/آذار، ولكنه يوقف نمو الأجنة مؤقتاً إلى ما بعد الاعتدال الربيعي (21 مارس/آذار)، لكي يولد صغاره في أجواء أفضل بفصل الربيع بدلاً من الشتاء.
نفهم من ذلك أن اختيار الوقت والموسم المناسبين للولادة يعد أحد أهم الأسباب الرئيسية التي قد تدفع الثدييات إلى إيقاف حملها مؤقتاً.
الدببة السوداء واحدة من أكثر الثدييات المعروفة التي تمارس إيقاف الحمل المؤقت.
تتزاوج في أوائل الصيف ويتوقف الحمل حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول، ثم يُستأنف الحمل لمدة 60-70 يوماً، حتى يولد الجنين في يناير/كانون الاثني أو فبراير/شباط.
وإذا لم يكن لدى الأنثى كمية كافية من الطعام في الصيف أو الخريف، فسيجهض جسمها الأجنَّة، بسبب عدم وجود احتياطيات كافية.
إيقاف الحمل وسيلة للحماية من الانقراض
تحمل بعض الحيوانات بعد أن تلد مباشرة، حرصاً منها على إنتاج أجيال جديدة تسهم في بقاء النوع ومنعه من الانقراض، بسبب تغير المناخ أو الهجرة أو تدخُّل الإنسان بالصيد.
لكن هذا -بلا شك- يُجهد الأم، التي لا تجد وقتاً كافياً للراحة بين الولادة والحمل الجديد.
كما يؤثر الأمر في رضاعة الصغار، ولذلك تلجأ تلك الحيوانات الثديية إلى الحمل، ثم تقوم بتجميده حتى تنتهي فترة فطام صغارها، ومن ثم تعاود استئنافه من جديد.
الآليات تختلف والهدف واحد
وعادةً ما يحدث التوقف الجنيني -أي تعليق الحمل– عندما يكون الجنين عبارة عن كُرة صغيرة تتكون من نحو 80 خلية، قبل أن تلتصق في جدار الرحم.
بمجرد إخصاب البويضة لتشكيل البنية الجنينية الأولية المعروفة باسم "الكيسة الأريمية"، يتم تعليق الحمل، حيث يطفو الجنين في رحم الأنثى حتى يعطي جسمها إشارة بانغراس البويضة المخصبة في جدار الرحم واستمرار النمو.
إلى الآن، لم يتوصل العلماء إلى الطريقة التي تتبعها هذه الحيوانات لإيقاف الحمل، كما أنه لا يبدو أن هناك آلية موحَّدة لإيقاف الحمل مؤقتاً؛ فهي تختلف من حيوان إلى آخر.
كما تختلف الهرمونات التي تؤثر في الرحم، وتتحكم في حدوث تلك العلمية بين الحيوانات.
لكنَّ فهم عملية التوقف الجنيني تساعدنا في فهم كيفية تكوين أجنَّة صحية، فالمرحلة التي يتوقف فيها الجنين عن الانقسام (التوقف الجنيني) في الحيوانات، تشبه المرحلة التي يتم عندها نقل الجنين إلى الرحم في عملية التلقيح الصناعي.
ولذلك فمن البديهي أنَّ فهم عملية التوقف الجنيني (Diapause) يمكن أن يساعد على تحسين طريقة زرع الأجنة، وفي كيفية التعرف على الجنين "الأفضل" المراد نقله.
ليس هذا فحسب، فمن الشائق معرفة أن أول خلايا جذعية تم عزلها على الإطلاق من قِبل العلماء، أتت من جنين فأر في فترة توقُّف الحمل، وهي المرحلة التي تكون فيها كل خلية جنينية خلية جذعية، والتي تتشابه هي الأخرى مع عديد من صفات الخلايا الجذعية السرطانية.
لذلك، قد يساعد التوقف الجنيني أيضاً على إيجاد علاجات جديدة للسرطان.
المرأة أيضاً يمكنها ذلك.. ولكن!
توصَّل العلماء إلى أن جسم الإنسان قادر على تطبيق الآلية نفسها وإن اختلف الأمر بعض الشيء والفترة الزمنية.
ففي بولندا، قام العلماء بإيقاف الأجنة مؤقتاً في الأغنام (التي لا يحدث فيها تعليق للحمل)، من خلال نقلها إلى رحم فئران، وإعادتها مرة أخرى إلى رحم الخراف التي وُلدت دون أن يسبب ذلك أية آثار سيئة.
وتشير نتائج هذه التجربة إلى أنه من الوارد حدوث الحمل في جميع الثدييات، وضمن ذلك البشر.
لكن لِيحدث ذلك في البشر، يجب أن يتم في غضون خمسة أيام من حدوث الحمل، وهو الوقت الذي تبدأ فيه معظم أنواع الحيوانات بتعليق حملها، عندما يكون الجنين عبارة عن كرة صغيرة تتكون من نحو 80 خلية.