يسجل التاريخ أن أول مراحيض عامة حُفرت كانت في بلاد ما بين النهرين، وتميزت بالبساطة والبدائية، إذ كانت تُحفر في صفوف متوازية، وبداخلها أسطوانات مجوفة من السيراميك لمنع التسريب.
ووفقاً لعالمة الآثار في جامعة كامبريدج "أوجوستا ماكماهون"، لاحظ العلماء أن المراحيض العامة قديماً كانت تُستخدم بصورة جماعية، كما توصلوا إلى أنها كانت تشهد تفاعلات اجتماعية؛ نظراً إلى ما وجدوه من ألعاب عالقة فيها.
ويبدو أن للتمييز بين الجنسين دوراً في زيادة عدد المراحيض للرجال.
فقد أوضحت البروفيسورة كلارا غريد، الأستاذة بجامعة غرب إنجلترا في بريستول، أن عدم وجود مراحيض عامة خاصة بالنساء في بدايات العصر الفيكتوري ببريطانيا كان الغرض منه إقصاء النساء عن الأماكن العامة، وإلزامهن البقاء في المنازل.
ونظراً إلى أهمية المراحيض عالمياً، وللوصول لأهداف التنمية المستدامة 2030، أُنشئ يوم المرحاض العالمي، فدعونا نتعرف على أهدافه، وشعاره لهذا العام.
اليوم العالمي للمراحيض
في عام 2001، أنشأت المنظمة العالمية للمرحاض يوماً عالمياً للمراحيض، ويُحتفل به في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، وأصبح يوماً رسمياً للأمم المتحدة في عام 2013.
يدور اليوم العالمي للمراحيض حول العمل الملهم لمعالجة أزمة الصرف الصحي العالمية والمساعدة في تحقيق هدف التنمية المستدامة، الذي يعِد بتوفير الصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030، وإيلاء احتياجات النساء والفتيات اهتماماً خاصاً.
تقود الأمم المتحدة فريق عمل من الوكالات الدولية للقيام بحملات حول شعار معين كل عام.
يوجه اليوم العالمي للمرحاض 2019 الانتباه إلى أولئك الأشخاص الذين تُركوا دون صرف صحي، والعواقب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المترتبة على ذلك.
المراحيض من حق الجميع.. هذا ما يعنيه شعار العام
وشعار العام الحالي يحمل عنوان "لا تترك أحداً".
فالمرحاض ليس مجرد مرحاض، إنما منقذ للحياة وحامٍ للكرامة وصانع للفرص.
ورغم أن الصرف الصحي حق طبيعي للإنسان أينما كان، فإن هناك نحو 4.2 مليار شخص (أكثر من نصف سكان العالم) من دون خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان.
لذا تأمل الأمم المتحدة توسيع الوصول إلى المراحيض، وعدم ترك أي شخص دون خدمات الصرف الصحي.
المياه الملوثة بالمخلفات البشرية تؤدي إلى الوفاة
ووفقاً للإحصاءات الرسمية، فإن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات والذين يعيشون في البلدان المتأثرة بالنزاع الطويل، يكونون في المتوسط أكثر عرضة للوفاة بنحو 20 مرة، من أمراض الإسهال الناجمة عن نقص المياه المأمونة والمرافق الصحية والنظافة الصحية مقارنة بالعنف المباشر.
وتشير التقديرات إلى أن الصرف الصحي غير الكافي يُسبب 432 ألف حالة وفاة، نتيجة الإسهال كل عام، كما أن عدم وجود الصرف الصحي يعد عاملاً رئيسياً في بعض الأمراض مثل الديدان المعوية والتراخوما.
يمكن أن يسبب هذا أمراضاً مثل الكوليرا والدوسنتاريا التي تقتل مئات الآلاف من الأشخاص كل عام.
وعلى الصعيد العالمي، يستخدم ما لا يقل عن ملياري شخص مصدر مياه الشرب الملوث بالبراز.
أكثر من 200 مليون دولار لأبحاث المراحيض
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي (2018)، ساعد مؤسس مايكروسوفت، بيل غيتس، على إطلاق عرض لتكنولوجيا المراحيض الحديثة في الصين.
تم عرض 20 منتجاً للصرف الصحي المتطور، تهدف إلى تدمير البكتيريا الضارة ومنع الأمراض.
وكانت مؤسسة بيل غيتس قد أنفقت أكثر من 200 مليون دولار على البحث في هذا المجال على مدار 7 سنوات.
تهدف المنتجات المعروضة إلى إحداث ثورة في تقنية الصرف الصحي8 من خلال فصل النفايات السائلة والصلبة وإزالة المنتجات الثانوية الضارة.
وكان غيتس دخل العرض حاملاً بين يديه جرة من البراز، وأشار إلى أنها قد تحتوي على ما يصل إلى 200 تريليون فيروس روتا، و20 مليار بكتيريا شيجيلا، و100 ألف بيضة دودة طفيلية!
تجارب عالمية رائدة في تطوير المراحيض العامة
برزت عديد من التجارب العالمية في تطوير المراحيض العامة حتى أصبحت نموذجاً يُحتذى به ومنها:
– الصين
في أعقاب العرض التكنولوجي المشار إليه بالأعلى، قال بعض المتخصصين بالصحة العامة إن الصين لديها القدرة على قيادة تحديث عالمي للمراحيض الصحية، فقد تم عرض جيل جديد من تقنيات المراحيض وأنظمة إدارتها.
وكانت الصين قد أطلقت حملة ثورة المرحاض في عام 2015، ومنذ ذلك الحين تم تجديد أكثر من نصف المراحيض في المناطق الريفية، وقد تم افتتاح أكثر من 87000 مرحاض تم إنشاؤها أو تجديدها في مناطق الجذب السياحي.
– الهند
لجأت مدينة لكنؤ، عاصمة ولاية أوتار براديش الهندية، إلى طريقة جديدة للحفاظ على نظافة مراحيضها العامة.
وفي سبيل ذلك، استخدمت نظام تسجيل المواطنين لآرائهم عبر الضغط على أزرار ملونة؛ الأخضر يعني "نظيف"، و "الأصفر" لا بأس به، أما "الأحمر" فيعني "قذر".
وقد زودت المدينة بعض مراحيضها بتلك الأجهزة للتصويت، وكل جهاز مزود بنظام GPS لتحديد مكانه بالضبط.
– اليابان
تعد اليابان من رواد المراحيض العامة عالمياً، فالمراحيض مزودة بكحول للتعقيم، وخراطيم لضخ المياه بدرجات حرارة متفاوتة يعقبها هواء للتجفيف.
وعند إغلاق المرحاض، تندفع المياه وحدها لتنظيفه تلقائياً.