منذ اعتقاله في مايو/أيار 1997 بتهمة قتلٍ واحدة فقط: ضحيتها "كيمالا ديوي" البالغة من العمر 21 عاماً؛ قادت هذه الجريمة الواحدة إلى فكِّ خيوط واحدة من أبشع قضايا القتل في تاريخ إندونيسيا؛ والتي اتهم فيها أحمد سوراجي بقتل 42 امرأة بين أعمار 17 و40 عاماً بدافع أغرب من عدد الضحايا؛ ألا وهو امتلاك قوى سحرية خارقة.
الجريمة الأولى.. الخيط الذي فتح أبواب الجحيم
بحسب التحقيق الشامل الذي نُشر عام 2008 في شكل وثائقي باسم "ساحر من الجحيم – القاتل المتسلسل أحمد سوراجي" بدأت القصة الغريبة في أبريل/نيسان عام 1997 عندما عثر أحد مزارعي قصب السكر بقرية تابعة لمدينة "ميدان" في إندونيسيا على جثة امرأة مدفونة في حقل للقصب؛ فأبلغ الشرطة التي احتلت الحقل في سويعات قليلة، وعرّفت الجثة بأنها "كيمالا ديوي" من سكان القرية.
وفي أثناء التحقيق في مصرعها تقدم أحد سكان القرية الذي يعمل سائق مركبة أجرة إلى الشرطة، وأبلغ أنه كان آخر مَن تعامل مع الضحية؛ وأنه قام بتوصيلها لمنزل المدعو أحمد سوراجي، الذي كان وقتها أحد أشهر السحرة والمعالجين بالطقوس الروحانية في القرية، وأنها طلبت منه ألا يبوح لأحد بهذا الأمر.
ألقت السلطات القبض على سوراجي في مايو/أيار 1997؛ ووجهت له تهمة قتل كيمالا، ولكنه أنكر التهمة في البداية وادعى أنه حتى قام بتعزية أهل الضحية لمدة ثلاثة أيام كما تقتضي التقاليد، وهو ما أكده أهل الضحية.
وبعد أيام من التحقيق المكثف مع سوراجي، فوجئت السلطات بسيل مفزع من الاعترافات من قِبَل أحمد سوراجي، الذي أقر بأنه قتل كيمالا، وليس هي وحدها فهناك أكثر من 40 ضحية أيضاً.
الحفر ورفات الضحايا
بعد اعترافات سوراجي أمرت السلطات بالحفر في حقول القصب المجاورة لمنزل سوراجي، وبدأ الرفات في الظهور، وفي خلال أشهر قليلة استُخرج رفات 42 امرأة ما بين أعمار 17 و40 عاماً، بعدها توقف البحث وبدأت السلطات في استجواب سوراجي ومواجهته بنتائج البحث.
وفي اعترافاته بدأ سوراجي في سرد جرائمه كاملة، بشكل أثار الرعب في قلوب الجميع من السلطات أو وسائل الإعلام وقتها.
اعترف سوراجي بأنه كان يعمل بالسحر الأسود، خاصة أن زيارة السحرة والاستعانة بالمعالجين بالسحر كان أمراً شديد الشيوع في أطراف إندونيسيا وقتها بهدف التخلص من المشاكل أو تنفيذ أي رغبات من خلال ممارسة طقوس من تراث السحر الأسود، ولما سُئل عن سبب القتل تحديداً جاءت الصدمة التي جعلت من سوراجي واحداً من أبشع القتلة المتسلسلين حتى اليوم.
الرؤيا.. 70 امرأة يجعلنك ساحراً خارق القوى
اعترف سوراجي بأن والده كان يعمل ساحراً أيضاً، وأنه هو من أوحى إليه ببدء ممارساته الشريرة، وتحديداً عام 1988 عندما زراه شبح والده في أحد أحلامه وقال له إنه في سبيل أن يكون أقوى ساحر عرفته البلاد يجب عليه أن يمتص لُعاب 70 امرأة ميتة!
وهو ما أقر سوراجي بأنه السبب الأساسي وراء قتله لكل ضحاياه؛ رغبة منه في امتلاك مزيد من القدرات في علوم السحر الأسود كي تساعده في عمل تعاويذ لزبائنه وتحقيق رغباتهم، كما اعترف سوراجي بأنه كان يتقاضى المال من ضحاياه قبل قتلهن؛ وأن زوجاته –ثلاث شقيقات- كن يساعدنه في ارتكاب جرائمه.
والتي كانت تتمثل في إيهام النساء بأنه يجب أن يدفنهن حتى الخصر في حفرة في حقل القصب أثناء الليل بمثابة جزء من تعويذه سحرية لتنفيذ المرغوب فيه؛ ثم يقتلهن خنقاً ويمتص لعابهن، ويدفنهن ورؤوسهن في اتجاه منزله بحسب ما أخبره شبح والده.
ساحر أم لص نصاب؟!
بعد الاعترافات أقيمت محاكمة لسوراجي وزوجاته الثلاث، ولكنه سرعان ما أنكر اعترافاته السابقة، وهو الأمر الذي زاد من تعقيد القضية، خاصة أن بقايا رفات الضحايا كانت في حالة تحلل شديد مما حال دون ربطها بأشخاص بعينهم، أي أن النظام الجنائي لم يستطِع توجيه التهم ببيانات حقيقية كاملة.
وحُكم عليهم جميعاً بالسجن مدى الحياة، ولكن الرأي العام الإندونيسي الغاضب اشتعل بمجرد معرفتهم بأن الساحر السفاح لن يُعدم مقابل جرائمه، وقاموا بحرق منزله انتقاماً منه.
وبحسب السلطات الإندونيسية فإن سوراجي اعترف في أثناء سجنه -أنكر سوراجي هذا الاعتراف- لأحد المساجين من رفاقه بأنه لم يمتلك أي قوى سحرية، وأن كل ما كان يقوم به من أعمال ما هي إلا ضرب من ضروب الدجل والشعوذة، وأن قتل الضحايا كان بهدف الاستيلاء على أموالهن.
وهو ما قد يكون صحيحاً ببساطة بالنظر إلى سجلات أحمد سوراجي في الشرطة الإندونيسية، إذ حكم على سوراجي بالسجن مرتين ولمُدد 10 سنوات و5 سنوات بتُهم تتراوح بين السرقة والاقتحام والنصب.
من وراء القضبان إلى شاشة السينما!
بعد إثارته للرأي العام في إندونيسيا في غضون أشهر قليلة، وحتى خارجها صارت قصة سوراجي المفزعة واحدة من أكثر الحوادث شهرة، وهو ما دفع المخرج الإندونيسي "جوكو سوبريونو" إلى عمل فيلم سينمائي يسرد فيه قصة سوراجي، ونجح بالفعل في الحصول على إذن بزيارة سوراجي أثناء التحقيق معه عام 1997، وحصل منه على تفاصيل كاملة لكل جرائمه.
وفي العام نفسه 1997 أخرج "جوكو سوبريونو" فيلماً بعنوان Misteri Kebun Tebu أو Dukun بحسب التسمية الإنجليزية، وتعني "الساحر".
10 سنوات حتى جاءت عدالة السماء
قضى سوراجي 10 سنوات منذ بدايات عام 1998 حتى 2008 في سجن مشدد الحراسة، قضاها بحسب الصحافة الإندونيسية وقتها في توبة وتقرب من الله، بل إنه كان يسدي النصائح الدينية إلى زملائه من المساجين، ولم ينكر أنه مَارس السحر الحقيقي وكان يقول في اعترافاته إن السحر الأسود علم جاءه من الله وإنه يطلب التوبة ليعيش.
ولكن بعد عدة استئنافات من قِبل السلطات الجنائية -باءت كلها بالفشل- بهدف تغيير الحكم على سوراجي من السجن المؤبد إلى الإعدام؛ نجحت أخيراً المحاولة عام 2008 بعدما استطاعت أم الضحية الاخيرة كيمالا التعرف على حقيبة كانت تملكها ابنتها كان قد عُثر عليها في منزل سوراجي وقت القبض عليه.
وبعد 10 سنوات من اعتقاله، وتحديداً في 11 يوليو/تموز عام 2008 وقف أحمد سوراجي -57 عاماً وقتها- في ساحة أحد سجون مدينة "ميدان" في اندونيسيا في انتظار فرقة الإعدام التابعة للشرطة، الذين سرعان ما أفرغوا دون تردد رصاصات بنادقهم في صدر سوراجي تنفيذاً لحكم الإعدام، والذي جاء متأخراً ما يقرب من 10 سنوات كاملة.
وبعد إعدامه رفض أهله أن يُدفن في مقابرهم، ورفض كل أهالي قريته أن يُدفن فيها بجوار ضحاياه، وانتهى به الأمر في مقبرة متطرفة على بُعد 50 كم من مدينة "ميدان" في إندونيسيا.