ظل المراهق أسمر البشرة، العاري والمستمر في الأنين فيما كان بنطاله مُنزَّلاً حتى كاحليه، ينتفض وينتحب من الألم أثناء تعرُّضه للجَلد بكابل كهربائي.
وحسب صحيفة The Guardian البريطانية، يسأله أحد جلَّاديه في الفيديو: "هل ستعود؟". أجاب الشاب بهز رأسه إشارةً للنفي، وذلك لعدم قدرته على الكلام لأنَّه كان مُكمَّماً.
وحتى وفق معايير العنصرية والوحشية البرازيلية، فإنَّ جَلد الفتى، بعد الإمساك به وهو يسرق أربعة ألواح من الشيكولاتة من أحد المتاجر بمدينة ساو باولو، قد سبَّب صدمةً عميقة.
انتشر مقطع فيديو مُصوَّر بهاتفٍ محمول لواقعة تعذيب الصبي على نطاقٍ واسع، وعقد الكثيرون –بمن فيهم المحقق المسؤول عن التحقيق في القضية- مقارناتٍ بين الواقعة والمعاملة التي كان يلقاها السود في البلاد خلال القرون الثلاث التي استمرت فيها العبودية هناك.
فيديولمشهد يعود لقرون مضت
قال المحقق بيدرو لويس دي سوزا: "الأمر أشبه بمشهد يعود إلى قرون مضت"، واصِفاً الضحية بأنَّه "رجل أسود مُشرَّد عديم الحيلة. إنَّه في رأيي ضحية المجتمع".
تُعَد مشاهد تقييد اللصوص –الذين غالباً ما يكونون مراهقين ورجال سُمر البشرة- وتعذيبهم، بل وحتى قتلهم، شائعة في البرازيل.
مع ذلك، قال دي سوزا إنَّه "صُدِم بشدة" حين أرسل إليه أحد الصحفيين مقطع الفيديو بعد ظهيرة يوم الإثنين 2 سبتمبر/أيلول. ففتح تحقيقاً، واستجوب الضحية وحدَّد هوية الحارسين الأمنيين.
وقال الشاب إنَّ الحارسين، اللذين وجدا أنَّه سرق الشيكولاتة، أوقفاه بعد مغادرته المتجر. وقال دي سوزا: "قيَّداه وجَلَداه حتى تعهَّد بعدم فعلها ثانيةً"، مُضيفاً أنَّ جريمة التعذيب يُعاقَب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 8 سنوات.
وصرَّح الشاب لقناة TV Globo بأنَّ الحارسين هدَّداه.
فقال: "قالا إنَّهما سيقتلانني إن تحدثتُ إلى أي شخص"، مُضيفاً أنَّها كانت المرة الثالثة التي يتعرَّض فيها للاعتداء من نفس الحارسين الأمنيين بعد السرقة من المتجر.
وأكد متجر Ricoy في بيانٍ أنَّ الحارسين القادمين من شركة مُتعاقَد معها بالباطن لم يعودا يعملان بالمتجر. وأضاف في البيان: "لقد صُدِمنا من التعذيب غير المُبرَّر وغير المفهوم لضحية مراهق. سنُقدِّم كل الدعم اللازم".
تجذر العنصرية في البرازيل
قال البرازيليون أصحاب البشرة السمراء إنَّ المشهد في الفيديو أظهر مدى عمق تجذُّر العنصرية في البرازيل، حيث يُوصَف أكثر من نصف السكان بأنَّهم سُود البشرة أو مختلطي الأعراق.
فقال أومبرتو آدامي، وهو محام أسود البشرة من ريو دي جانيرو ورئيس لجنة حقيقة العبودية السوداء في نقابة المحامين البرازيلية، إنَّ الأمر "كان كما لو أنَّ بوابات الجحيم فُتِحَت وخرجت شياطين هاديس في موكبٍ علني. إنَّها ليست حادثة فردية. لكن (المختلف) أنَّها صُوِّرَت". (هاديس هو إله العالم السفلي أو عالم الموتى وفق الأساطير الإغريقية).
ويُظهِر تصوير الحارسين لعملية التعذيب مدى تأكدهم من أنَّهما لن يُمسَك بهما، وقال آدامي: "كل هذا مرتبط بماضي العبودية في البرازيل، حيث كان السُّود يُجلَدون ليلاً ونهاراً".
وقالت جميلة ريبيرو، وهي كاتبة سمراء البشرة وفيلسوفة ومذيعة تلفزيونية، إنَّ الفيديو أظهر مدى تمأسس العنصرية في البرازيل. ففي عام 2017، كان 75% من ضحايا القتل البالغ عددهم 65 ألفاً في البرازيل من السود أو مُختلطي الأعراق.
وأضافت: "لا تزال البرازيل دولة بعقلية الاستعباد، دولة استعمارية. نحن بحاجة لمناقشة النزعة الاستعمارية في البرازيل. إنَّ البرازيل في الواقع دولة بالغة العنف بالنسبة للسكان السُّود".