في العقد نفسه الذي رصدت فيه موجات الجاذبية واندماج نجوم نيوترونية، رصد علماء الفلك الآن ما يعتقدون أنه أول اكتشاف لثقب أسود يبتلع نجماً نيوترونياً.
إذ رصدت أجهزة الكشف عن موجات الجاذبية في إيطاليا والولايات المتحدة، التي تسمى ليغو LIGO وفيرغو Virgo، ما يشير إلى حدوث تموجات في المكان والزمان، سببتها ظاهرة وقعت على بعد 8550 مليون تريليون كيلومتر من الأرض.
حسب موقع شبكة CNN الأمريكية يحلل علماء الفلك البيانات التي حصلوا عليها من هذا الكشف للتأكد من حجم الجسمين الذين أدى اندماجهما إلى تشكل مثل هذه التموجات الهائلة، لكن من المتوقع أن تكون هذه الظاهرة هي التهام ثقب أسود لنجم نيوتروني.
تقول سوزان سكوت، رئيسة مجموعة نظرية النسبية العامة وتحليل البيانات في الجامعة الوطنية الأسترالية وكبيرة الباحثين في مركز التفوق ARC لاكتشاف موجات الجاذبية: "منذ حوالي 900 مليون عام، التهم هذا الثقب الأسود نجماً شديد الكثافة، يُعرف بالنجم النيوتروني، ومثل باك مان- ربما قضى على النجم في الحال. واستجاب تليسكوب SkyMapper في الجامعة الوطنية الأسترالية للناقوس الذي دقه هذا الكشف ومسح المنطقة الفضائية التي يُحتمل أن هذه الظاهرة وقعت فيها، لكننا لم نعثر على أي تأكيد مرئي" .
أصغر النجوم حجماً في الكون
والنجوم النيوترونية هي أصغر النجوم حجماً في الكون، وتتخلف عن الانفجارات النجمية الهائلة. وأقطار هذه النجوم مماثلة لحجم مدينة مثل شيكاغو أو أتلانتا، لكن كثافتها هائلة، وكتلتها أكبر من كتلة شمسنا.
ومن المعروف أيضاً أنه حين تنهار النجوم العملاقة حين تنتهي حياتها، فإنها تُشكل منطقة تتسارع فيها قوة الجاذبية بدرجة هائلة لا يستطيع معها أي شيء، حتى الضوء، الإفلات منها.
ومثل الاكتشافات الرائدة الأخرى في هذا العقد، يمكن لهذا الاكتشاف الجديد أن يقدم لنا أدلة أكثر حيوية على الظواهر التي تحدث في الفضاء ولم نرَها من قبل.
وقالت سوزان: "لطالما كنا نؤمن بضرورة وجود أنظمة نجمية ثنائية تجمع بين ثقب أسود ونجم نيوتروني يدوران حول بعضهما في الفضاء، لذا إذا تأكدنا من حدوث هذه الظاهرة، فسيكون هذا أول دليل على وجود مثل هذه الأنظمة بالفعل، وأن بعضها تقترب أكثر فأكثر، حتى تنهار معاً في النهاية" .
إذا لم تكن كتلة النجم النيوتروني أصغر بكثير من كتلة الثقب الأسود، فسيتوقع علماء الفلك في هذه الحالة زيادة مدة دورانهما حتى يزداد تقاربهما. وقالت سوزان إن هذا من شأنه أن يمزق النجم النيوتروني، مما سيطلق إشارات كهرومغناطيسية يمكن التقاطها. ومن شأن هذه الإشارة أن توضح للفلكيين خصائص هذا النجم، وتعطينا فكرة عن تكوينها الغامض.
ولكن في حالة اختلاف كتلة الجسمين، فمن المحتمل أن يُبتلع النجم النيوتروني بالكامل وألا ينبعث منه أي إشعاعات. يعتقد الباحثون أن هذا هو السيناريو الذي حدث لأنه لم توجد إشارة في المنطقة التي حدثت فيها هذه الظاهرة.
ويريد علماء الفلك معرفة كتلة الجسمين. فإذا كانت كتلة الجسم أكبر من كتلة الشمس خمس مرات فهو يعتبر ثقب أسود. وإذا كانت كتلته أقل من كتلة الشمس ثلاث مرات، فهو نجم نيوتروني.
وقالت سوزان إن أحد الاحتمالات الضئيلة هو أن يكون الجسم الأصغر ثقباً أسود خفيفاً جداً، وهو ما يمكن اعتباره جائزة ترضية مثيرة أيضاً.
وقالت سوزان: "لا نعرف أي ثقوب سوداء في الكون تقل كتلتها عن خمسة أضعاف كتلة الشمس تقريباً. وهذا من شأنه أن يثير العديد من الأسئلة الجديدة مثل "كيف يتشكل مثل هذا الثقب الأسود الخفيف؟"" .
إذا تأكد كشف ابتلاع الثقب الأسود للنجم النيوتروني، فذلك من شأنه أن يكمل الإنجاز الثلاثي لأجهزة الكشف لهذا العقد، الذي يشمل موجات الجاذبية وتصادمات النجوم النيوترونية.
وموجات الجاذبية عبارة عن تموجات في المكان والزمان. وتصادم النجوم النيوترونية يطلق موجات الجاذبية والعناصر الخفيفة والثقيلة مثل الذهب.
في وقت سابق من هذا العام بعد أن بدأت أجهزة كشف موجات الجاذبية عملها في أبريل/نيسان، يعتقد العلماء أنهم ربما اكتشفوا التصادم بين النجم النيوتروني والثقب الأسود الذي لم يُرصد من قبل، وتصادم بين نجمين نيوترونيين وثلاث عمليات اندماج محتملة لثقوب سوداء. وما ترصده أجهزة الكشف يظل في عداد الاحتمالات إلى أن تؤكده المزيد من البيانات.
نجوم نيوترونية
إذا اكتمل هذا الكشف الثلاثي، يريد الباحثون اكتشاف المزيد من الأنظمة، بما في ذلك ؤ النيوترونية.
قالت سوزان: "يمكننا تقدير حجم أعداد هذه الأنظمة في الكون بشكل أفضل وأن نفهم بشكل أفضل أيضاً كيف "تلتقي" هذه الأنظمة في المقام الأول. في قائمة أمانينا الكبرى، نأمل أن نرصد قريباً انفجاراً نجمياً عملاقاً ينطلق في مكان قريب حتى نتمكن من التقاط موجات الجاذبية المتوقعة من هذا النوع من الظواهر وأن نقدم نموذجاً أفضل لظاهرة الانفجارات النجمية الهائلة" .
تعمل فرق الكشف أيضاً على تطوير طريقة لكشف النتيجة التي تنشأ عن تصادم نجمين نيوترونيين وهي تشكُّل نجم نيوتروني أكبر لفترة وجيزة. من المحتمل أن يكون هذا النجم النيوتروني الأكبر سريع الزوال، لكن أي اكتشاف منه قد يُساعد علماء الفلك على فهم عملية الاصطدام والنجوم النيوترونية وبنيتها.