زُرع القنب الهندي "الحشيش" منذ آلاف السنين، ولكن لم يكن هناك إلا القليل من الأدلة التاريخية أو الأثرية التي تُظهر متى بدأ الإنسان في استخدام النبات للغرض المتعارف عليه اليوم: "الانتشاء".
إلى أن كشف التنقيب عن مقبرة في غرب الصين، ترجع إلى 2,500 عام مضت، عن أول دليل يوضح استخدام البشر القنب الهندي لخصائصه النفسية، وفق ما ذكرته شبكة CNN الأمريكية.
الصينيون القدامى استعملوا القنب الهندي للتواصل مع الأرواح
أوضحت الشبكة الأمريكية أن العلماء من الصين وألمانيا حلّلوا الشظايا الخشبية والأحجار المحترقة من الأواني داخل المقابر، وأظهرت النتائج تطابقاً تاماً مع التوقيع الكيميائي للقنب الهندي، خاصة من النوع الذي يحتوي على كمية كبيرة من رباعي هيدرو كانابينول (THC)، ومع المكون الأكثر فاعلية من حيث التأثير النفسي في النبات.
واقترح مؤلفو الدراسة، والتي نشرت الأربعاء 12 يونيو/حزيران 2019، في مجلة Science Advances، إمكانية استخدام القنب الهندي قديماً خلال مراسم الدفن، أو للتواصل مع الأرواح والموتى.
ولا يعتقدون أن القنب الهندي كان يُدخَّن بنفس الطريقة التي نعرفها اليوم، بل الاحتمال الأكبر أنه كان يُحرق مثل البخور في مكان مغلق لإطلاق الأبخرة.
قالت نيكول بوافن، مديرة معهد ماكس بلانك لعلوم تاريخ الإنسان، وكاتبة التقرير، إنَّ البشر كانوا يحرقون القنب الهندي على أحجار ساخنة داخل مبخرة خشبية.
وأضافت: "كانت هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة لتدخين القنب الهندي قبل تقنية الغليون، التي لم يحتج البشر إلى وقت طويل للتوصل إليها".
عُثر على 10 مباخر في مقبرة جيرزانكال بجبال بامير، بالقرب من الحدود الصينية مع باكستان.
لكن هل كُشف الغموض؟
وفقاً للدراسة، ظلَّ الغموض يحيط فترة طويلة بمعرفة متى وأين عرف البشر الأنواع المختلفة من القنب الهندي ذات المستويات العالية من المكونات ذات التأثير النفسي، وبدأوا في استخدامها.
ترجع زراعة نباتات القنب الهندي في شرق آسيا للاستفادة من بذورها الزيتية وأليافها إلى عام 4000 قبل الميلاد على الأقل. إلا أنَّ مؤلفي الدراسة يشيرون إلى أن الأنواع الأولى من القنب الهندي، فضلاً عن معظم المجموعات البرية، تحتوي على مستويات منخفضة من رباعي هيدرو كانابينول والمكونات الأخرى ذات التأثيرات النفسية.
أرجع العديد من المؤرخين أصول تدخين القنب الهندي إلى سهول آسيا الوسطى القديمة، ولكن هذا الرأي لم يعتمد إلا مقطعاً من نصٍّ وحيد للمؤرخ اليوناني هيرودوت، يرجع إلى أواخر الألفية الأولى قبل الميلاد.
وتقدم الدراسة أول دليل واضح وقوي على تدخين القنب الهندي في تلك المنطقة، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح إن كان الأشخاص المدفونون في مقبرة جيرزانكال يزرعون القنب الهندي بشكل مقصود، أم يبحثون فقط عن أي نباتات تحتوي على نسب عالية من رباعي هيدرو كانابينول.
تقول بوافن: "البحث عن دليل على استخدام مخدر قديم يشبه البحث عن إبرة في كوم قش، لأن هذا النوع من الأدلة نادر جداً، بسبب تضاؤل فرص إمكانية حفظ آثار وبقايا أنشطة استخدام المخدرات على المدى الطويل، حيث إنها سريعة الزوال، ولا تترك الكثير من الأدلة المادية".
ولهذا السبب اكتشفت في المناطق المرتفعة
وقال مؤلفو الدراسة إن نباتات القنب الهندي تنتج كميات أكبر من المكونات النشطة عند زراعتها في المناطق المرتفعة، وقد يكون هذا هو السبب وراء اكتشاف النباتات الأكثر قوة وتأثيراً، واستخدامها لأول مرة، من قبل الأشخاص الذين يعيشون في مناطق جبلية مرتفعة مثل جبال بامير.
قد تكون تلك المنطقة بعيدة جداً اليوم، ولكنها في وقت ما كانت على طريق الحرير، المسار الرئيسي لحركة التجارة العالمية قديماً.
وقال روبرت سبينغلر، عالم الآثار الرئيسي للدراسة، الذي يعمل أيضاً بمعهد ماكس بلانك لعلوم تاريخ الإنسان، في بيان له: "تشير دراستنا إلى أن معرفة تدخين القنب الهندي ومعرفة الأنواع المعينة من النبات التي تنتج مواد كيميائية أعلى، كانت من بين التقاليد الثقافية التي انتشرت عبر تلك المسارات التجارية الرئيسية".
وأضاف: "قد تختلف وجهات النظر الحديثة عن نبات القنب الهندي بشكل كبير بين الثقافات المختلفة، ولكن من الواضح أن هذا النبات له تاريخ طويل من الاستخدام البشري لآلاف السنين؛ طبياً أو في الطقوس العقائدية أو للترفيه والانتشاء".