يعتقد الباحثون أن الجنرال البولندي الشهير الذي شارك في حرب استقلال أمريكا وكان من رجالات جورج واشنطن، ربما كان امرأةً أو ثنائي الجنس.
وحسب صحيفة The Guardian البريطانية، تطرَّق فيلمٌ وثائقي حديث من إنتاج شبكة Smithsonian Channel الأمريكية إلى تاريخ كازيمير بولاسكي، الفارس البولندي الذي أصبح من رجال جورج واشنطن خلال حرب استقلال أمريكا .
ومن المنتظر أن يُبَثَّ الفيلم الوثائقي عن بولاسكي يوم الإثنين 15 أبريل/نيسان 2019.
وبدأ الباحثون عملهم إثر صدور قرارٍ بإزالة النصب التذكاري الخاص بالجنرال بطل حرب استقلال أمريكا في مدينة سافانا بولاية جورجيا. وحُفِظَت عظام بولاسكي داخل صندوقٍ معدني أسفل النصب منذ تشييده عام 1854.
هيكل عظمي لامرأة في نصب تذكاري لـ"رجل"!
وقال تشارلز ميربس، عالم أنثروبولوجيا الطب الشرعي بجامعة ولاية أريزونا، الذي شارك في العمل على هذه القضية، إن ذلك القرار سمح للباحثين باستخراج الهيكل العظمي من أجل دراسته.
وأضاف ميربس لموقع ASU Now الأمريكي: "لم أستطع الإفصاح عن الأمور التي اكتشفتها قبل صدور التقرير النهائي". وتعاون ميربس خلال عمله مع كارين بيرنز، عالمة الأنثروبولوجيا العضوية بجامعة جورجيا، وغيرها من الخبراء.
وتابع ميربس قائلاً: "قالت كارين قبل دخولي: "ادخل ولا تخرج صارخاً". وطلبت مني فحص الهيكل العظمي بحرصٍ ودقة شديدة، قبل أن أجلس معها لمُناقشة ما توصَّلت إليه. وبمُجرد دخولي فهمت ما كانت تقصده على الفور؛ إذ بدا الهيكل العظمي شديد الشبه بجسد المرأة".
وصرَّحت فرجينيا هوتون إستابروك، أستاذة الأنثروبولوجيا بجامعة جورجيا الجنوبية وواحدةٌ من أعضاء الفريق، لشبكة NBC News الأمريكية قائلةً: "تختلف الهياكل العظمية للرجال والنساء في شكل الحوض. إذ يتميَّز تجويف حوض المرأة بشكلٍ بيضاوي. في حين يبدو تجويف الحوض لدى الرجال أشبه بشكل القلب. ومن الواضح أن حوض بولاسكي يبدو أنثوياً للغاية".
فهل كان أحد "رجالات" استقلال أمريكا امرأة؟
وتبادر إلى ذهن الباحثين على الفور تساؤلٌ عمّا إذا كان الهيكل العظمي هو هيكل بولاسكي بطل حرب استقلال أمريكا فعلاً. إذ فشل الباحثون السابقون في التأكد من هوية صاحب العظام، نتيجة عدم وجود عينةٍ من الحمض النووي لبولاسكي.
وأضافت فرجينيا: "من اللافت أن الإرادة لمواصلة هذا المشروع استمرَّت لفترةٍ تتخطى العشر سنواتٍ، رغم إعلان فريقٍ من الخبراء أن هذه هي أقصى نتيجةٍ يُمكن الوصول إليها".
لكن الباحثين نجحوا هذه المرة في التأكُّد من أن صاحب الهيكل العظمي هو بولاسكي فعلاً، عن طريق مُقارنة الهيكل بالحمض النووي المُتَقَدِّرِيّ الخاص بأحفاد إخوته، إلى جانب الإصابات والصفات الجسدية المعروفة عنه. وموَّلت مؤسسة Smithsonian Institution الأمريكية هذا البحث.
ونشأ بولاسكي بطل حرب استقلال أمريكا بوصفه رجلاً عادياً وسط عائلة أرستقراطية كاثوليكية من بولندا، وتعلم فنون القتال والفروسية. ثم اختبر مهاراته تلك ضد الغُزاة الروس، قبل أن يُغادر بولندا عام 1772 مُتجِّهاً إلى باريس.
وأورد الفيلم الوثائقي أن البعثة الدبلوماسية الأمريكية في باريس أرسلته ليعبر المحيط الأطلنطي حاملاً خطاب توصيةٍ من بنجامين فرانكلين، السفير الأمريكي آنذاك.
وانضم بولاسكي إلى القوات الأمريكية ليُقاتل ضد القوات البريطانية في معركة براندي واين بجنوب ولاية فيلاديلفيا، يوم 11 سبتمبر/أيلول عام 1777، ويُرجَّح أنه أنقذ واشنطن في حرب استقلال أمريكا من السقوط في الأسر إثر هزيمةٍ ساحقة. وشرع الفارس البولندي بعدها في إضفاء طابعٍ رسمي على سلاح الفرسان الأمريكي، مطالباً بتحسين الموارد والتدريب.
وتعرَّض بولاسكي لإصابةٍ خطيرة خلال حصار مدينة سافانا، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1779، ليلفظ أنفاسه الأخيرة على متن إحدى السفن بعدها بأيام.
خاصة أنه كان شخصية منعزلة ولم يتزوج قط
ويقول الباحثون إن الروايات المعاصرة حول الجنرال بطل حرب استقلال أمريكا رسمته في صورة شخصية منعزلة لها دوافعها العميقة، إلى جانب أنه مقاتل شرس وفارس ماهر. ولم يتزوج بولاسكي أو يُنجب أي أطفال.
يقول ميربس: "لا أعتقد أنه ظن أنه امرأة، في أي لحظةٍ من لحظات حياته. أعتقد أنه ظن أنه مُجرد رجل يُعاني مشكلةً ما".
وتصل نسبة الأطفال الذين يولدون ثنائيي الجنس إلى 2%، وفقاً لإحصائيةٍ أوردها منشورٌ علميٌ أصدرته جامعة براون. مما يعني أن الطفل قد يولد بأعضاء تناسلية أو كروموسومات أو هرمونات ذات خصائص تضعه خارج "المفهوم الأفلاطوني الذي يرى أن كل جنس يتميَّز بمسار نمو وشكل نهائي واحد مُتوافق عليها عالمياً".
ويُعَدُّ بولاسكي بطلاً بولندياً-أمريكياً، ويحظى بتكريمٍ سنوي في موكب يوم كازيمير بولاسكي بمدينة نيويورك. ويحمل جسر بولاسكي سكاي واي في مدينة نيوجيرسي اسم الجنرال الشهير، بالإضافة إلى حصن بولاسكي الوطني التذكاري بولاية جورجيا.
وقال ريتشارد زاوسني، رئيس موكب يوم بولاسكي بمدينة نيويورك، لشبكة NBC الأمريكية إنه "فوجئ نوعاً ما" بخبر أن بولاسكي ربما كان امرأةً أو ثنائي الجنس. وأضاف: "لا أعتقد أن غالبية الناس سيهمُّهم الأمر في يومنا هذا وفي العصر الذي نعيشه".