في الولايات المتحدة الأمريكية انتشر التمييز العنصري في أربعينيات القرن الماضي بشكل متعاظم
في السادس عشر من يوليو/تموز 1949 قال زوجان إنهما تعرّضا لهجوم من قبل أربعة شبان أمريكيين من أصل إفريقي في غروفلاند.
هجوم أسفر عنه حادث اغتصاب وفق ما ادعت الفتاة نورما بادجيت البالغة من العمر 17 عاماً آنذاك، في جريمة هزت أرجاء المدينة ودفعت أهلها للانتقام.
كان حادث "رباعي جروفلاند" من أكثر حوادث العنصري بين البيض والسود في أمريكا، نظراً للتفاصيل التي ألقي بها القبض على المتهمين وتعذيب أحدهم حتى الموت
لكن اليوم و بعد 70 عاماً على الواقعة تبرأهم المحكمة وتقول إنه وفقاً للأدلة فإن كل ما نسب إليهم باطلاً.
المحاكمة التي استغرقت 4 ساعات، حصلت بمشاركة رئيس ولاية فلوريدا وأبناء "المتوفين" وضحية الاغتصاب نفسها. وتم في الجلسة تقديم أدلة واضحة على براءة كل الرجال الأربعة.
العنصرية بين البيض والسود في المجتمع الأمريكي
القضية برمتها كانت قضية عنصرية، بطلها قائد شرطة المدينة ويليس ماكال، الذي كان يصرح بعنصريته ويحرص على فرض الفصل العنصري بصرامة شديدة.
ألقى القبض على الرجلين الإفريقيين صامويل شيبرد ووالتر إرفين، وكلاهما كان عمره 22 سنة، وعرضهما لضرب مبرح للحصول على اعترافات تحت التعذيب بأنهما ارتكبا الجريمة.
وبالفعل تمكّن من إلصاق التهمة بهما، وأضاف لهما تشارلز جرينلي الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 16 عاماً، وإرنست توماس "صديق تشارلز جرينلي".
الذي طارده رجال المدينة لمدة 10 أيام قبل أن يعثروا عليه ويقتلوه بطريقة بشعة، إذ وجدت في جسمه آثار أكثر من 400 طلقة رصاص.
قُتل إرنست من السكان، وأصدرت المحكمة آنذاك حكمها بالإعدام على اثنين من المتهمين، بينما حكم متهم ثالث بالسجن المؤبد.
لكن هذا الحادث كان زريعة لأعمال شغب ارتكبها سكان أمريكيون في الأحياء التي يقطنها أمريكيون من أصول إفريقية وأحرقوا عدداً من منازلهم .
آثار العنصرية على الأطفال
القضية بدورها تسلط الضوء على حزمة من الأزمات التي توضح آثار العنصرية على الأطفال السود بداية من دخولهم مراحل التعليم الأساسية، وما قد يلاقونه من عنصرية تؤثر على طفولتهم وتمنعهم من أن يعيشوا حياتهم ببراءة.
أظهرت نتائج مجموعة دراسات أن التفرقة على أساس اللون قد تأخذ أشكالاً غير متوقعة، وقد تظهر في سن مبكرة جداً، بعد أن بحثت في التصورات التي يحملها أطفال في مراحل عمرية صغيرة من البيض عن زملائهم السود.
أجرى مركز "جورج تاون" للقانون المعني بدراسات الفقر وعدم المساواة أن المجتمع الأمريكي كنموذج ينظر إلى الأطفال من ذوي الأصول الأمريكية سن أربع سنوات إلى 14 عاماً
باعتبارهن أقل براءةً وأكثر نضجاً من عمرهن الحقيقي، حسبما أظهر استطلاع رأي شمل 325 مواطناً.
وأن التعاطف مع الأطفال يختلف بحسب العرق الذي ينتمي إليه الطفل سواء كان من البيض أو السود.
كان المشاركون في الدراسة أكثر اقتناعاً بأن الفتيات ذوات الأصول الإفريقية أقل حاجةً إلى التغذية والحماية والدعم والراحة، لأنهن أكثر استقلالية ولديهن معرفة أكبر بشؤون الكبار والجنس.
هذه المفاهيم بدورها تؤذي الأطفال بشكل كبير لأنها تؤثر على طفولتهم وبراءتهم، وقد تحول أخطاءهم الصغيرة إلى جرائم كبيرة ومتعمدة.
هذه النتائج ووفقاً لصحيفة لوموند الفرنسية أصابت الباحثين أنفسهم بالصدمة لأنها أظهرت انحيازاً كبيراً ضد الأطفال من ذوي البشرة السوداء
وفقاً للبيض المشاركين في هذه الدراسة والاستطلاعات، دفعت أحدهم للقول: "لم تكن نتائج أبحاثي في أي وقت مضى مقززةً إلى هذه الدرجة".
الحرية الشكلية للسود في المجتمع الأمريكي
ظل نضال السود من أجل الحصول على حريتهم ممتداً على مدار عقود طويلة ما دفع البعض للقول إن المعادلة كانت قد بدأت في طريقها للتغير منذ عام 2009
حين تولى الرئيس السابق باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة وهو أول رئيس أسود في تاريخ البلاد.
يسوق مؤيّدو هذا الادّعاء إثباتات أخرى على أقوالهم، مثل التمثيل العالي نسبياً للسود في الوظائف الهامّة بالإدارة الأمريكية وفي الجامعات
أو وجود شخصيات بارزة من السود في المجالات الثقافية وفي الموسيقى والتلفزيون والرياضة، التي تشكّل نموذجاً للتقليد بالنسبة للكثير من الشباب في أنحاء العالم.
لكنّ الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين البيض والسود في المجتمع الأمريكي ما زالت كبيرة.
ولا تزال حوادث العنف خاصة تلك المتعلقة بالشرطة تلقي بظلالها على المجتمع الأمريكي ما يدفعنا للقول إن سلسلة الفروقات ما زالت واسعة.