نال مراقبٌ مراقب حركة جوية إشادة باعتباره بطلاً، بعدما ضحَّى بحياته لضمان إقلاع طائرة ركابٍ تحمل عشرات الأشخاص في أثناء وقوع زلزالٍ بإندونيسيا.
ففي حين لاذ زملاؤه بالفرار من مطار موتيارا سيس الجفري، قرب مدينة بالو، الواقعة بمقاطعة سولاوسي الوسطى، وفق تقرير صحيفة The Independent البريطانية، ظلَّ أنثونيوس غوناوان أغونغ، صاحب الـ21 عاماً، في مكانه حين وقع الزلزال الذي بلغت قوته 7.5 درجة ريختر.
وكان قد صرَّح لتوِّه بإقلاع الرحلة "باتيك إير-Batik Air" رقم 6231 عندما بدأت الأرض تهتزُّ، لكن عوضاً عن الهروب والنجاة بحياته، انتظر حتى صارت الطائرة في الجو قبل أن يهم بمغادرة برج المراقبة الجوية أخيراً.
ولما وجد نفسه عالقاً في أثناء محاولة الفرار، أُرغِمَ أغونغ على القفز من الطابق الرابع من البرج بعدما اشتدَّت قوة الاهتزازات.
عانى أغونغ كسراً في الساق وإصاباتٍ داخليةً، ورغم نقله إلى المستشفى، فإنَّه تُوفي في أثناء انتظار المروحية التي كانت ستُقِلُّه إلى مستشفىً آخر لأجل العناية المتخصصة.
وصرَّح يوهانيس سيرايت، المتحدث الرسمي باسم هيئة الملاحة الجوية في إندونيسيا بأنَّ قرار أغونغ البقاء في مركزه كلَّفه حياته، لكنَّه ربما أنقذ جميع الركاب على متن الطائرة؛ إذ اجتاحت موجات تسونامي المدينة في وقتٍ لاحقٍ.
قبل أن يُتوفى.. كُرِّم وتمّت ترقيته لتفانيه الاستثنائي
كان أغونغ سيبلغ الـ22 من عمره في الـ24 من أكتوبر/تشرين الأول 2018، ونال ترقيةً في رتبته بدرجتين؛ تكريماً لـ"تفانيه الاستثنائي".
وحمل الجنود جثمانه في أثناء نقله إلى موقع الدفن.
وبعد الزلزال، اجتاحت موجات تسونامي بارتفاع 3 أمتارٍ تقريباً المباني، وأسفرت عن مقتل قرابة 900 شخصٍ على الأقل، في جزيرة سولاوسي الواقعة وسط البلاد.
وتعرَّضت مدينة دونغالا وبلدة ماموجو القريبتان كذلك للاجتياح، لكن لم تكن المساعدات قد وصلت إليهم بعدُ حتى السبت 29 سبتمبر/أيلول 2018؛ بسبب الطرق المُدَمَّرة وانقطاع وسائل الاتصال.
وتابع نوغروهو قائلاً إنَّ ما يتراوح بين "عشراتٍ ومئاتٍ" من الأشخاص كانوا يشاركون في مهرجانٍ شاطئيٍّ في بالو عندما ضربت موجات التسونامي اليابسة وقت الغسق يوم الجمعة 28 سبتمبر/ أيلول 2018. ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن.
بلغ ارتفاع المياه في بعض المناطق 6 أمتارٍ. ويُغطِّي الحطام الناتج عن المباني المتهدمة المشهد في مدينة بالو، التي يصل تعدادها السكاني إلى 380 ألف نسمةٍ، إلى جانب أنَّ أحد المساجد تعرَّض لأضرارٍ جسيمةٍ وغرق نصفه تحت المياه، وتحوَّل أحد مراكز التسوُّق إلى مجرَّد كومةٍ من الحطام.
وانهار جسرٌ كبيرٌ ذو أقواسٍ صفراء، وفوقه كانت الجثث الهامدة مُغَطَّاةً جزئياً بقطعٍ من القماش المشمَّع المقاوم للمياه، وشُوهِد رجلٌ يحمل طفلاً ميتاً أخرجه من تحت الأنقاض.
والمدينة مبنيّة حول خليجٍ ضيّقٍ، بدا أنَّه ضاعف من قوة موجات التسونامي عند اندفاعها نحو مدخل الخليج الضيق.
وكان من الصعب التواصل مع المنطقة؛ بسبب انقطاع الكهرباء ووسائل الاتصال، ما عطَّل عمليات البحث والإنقاذ.
وأضاف نوغروهو في تصريحاته: "نأمل أن تمرَّ أقمارٌ اصطناعيةٌ دوليةٌ فوق إندونيسيا، بإمكانها التقاط صورٍ وإرسالها إلينا؛ لكي نستفيد من الصور في تجهيز المساعدات الإنسانية".
وتضم إندونيسيا ما يزيد على 17 ألف جزيرةٍ، وهي موطن لـ260 مليون نسمة.
البنية التحتية ليست مؤهلة لعملية الإنقاذ
وتتسم الطرق والبنية التحتية بحالتها المتردية في كثيرٍ من المناطق، ما يجعل الوصول إليها صعباً على أقلِّ تقديرٍ.
وذكرت وكالة مكافحة الكوارث أنَّ الطائرات الضرورية يمكنها الهبوط في مطار بالو، مع أنَّ هيئة الملاحة الجوية المشرفة على حركة الطائرات قد أفادت بأن المهبط متصدِّعٌ، وأنَّ برج المراقبة تعرَّض لأضرارٍ.
سجناء فرّوا
هذا وقد هرب أكثر من نصف السجناء الـ560 في سجن بالو بعدما انهارت أسواره في أثناء الزلزال، وفقاً لآمر السجن أدهي يان ريكوه.
وصرَّح لوكالة الأنباء الحكومية "أنتارا-Antara"، قائلاً: "كان من الصعب جداً على حرَّاس الأمن منع السجناء من الهروب؛ نظراً إلى حالة الفزع التي انتابتهم، واضطرارهم إلى إنقاذ أنفسهم أيضاً". وأردف الآمر بقوله إنَّه لا توجد خطةٌ عاجلةٌ للبحث عن السجناء؛ لأنَّ هيئة عاملي السجن والشرطة منهمكة في عمليات البحث والإنقاذ الجارية للمواطنين.
عدد القتلى يقترب من 1000
وارتفعت حصيلة الزلزال والتسونامي اللذين ضربا، الجمعة 28 سبتمبر/أيلول 2018، إندونيسيا إلى 832 قتيلاً، بحسب ما أعلنته الأحد 30 سبتمبر/أيلول 2018، الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث، التي حذَّرت من أن الحصيلة قد ترتفع.
وأعلنت الوكالة أن الوفيات أُحصيت كلها تقريباً في بالو، بعد يومين من اجتياح أمواج بارتفاع متر ونصف مترٍ، المدينةَ التي تضم 350 ألف نسمة في جزيرة سولاويسي، مشيرة إلى إحصاء 11 حالة وفاة في منطقة دونغالا شمال بالو.
يُذكَر أنَّ إندونيسيا كثيراً ما تتعرَّض للزلازل والثورانات البركانية وموجات التسونامي؛ بسبب وقوعها على "منطقة حزام النار"، وهي طوقٌ من البراكين وخطوط الصدع في حوض المحيط الهادئ.
وأدَّى زلزالٌ هائلٌ بقوة 9.1 درجة ريختر، في ديسمبر/كانون الأول من عام 2004، على حدود جزيرة سومطرة غرب إندونيسيا، إلى حدوث موجات تسونامي أسفرت عن مقتل 230 ألف شخصٍ في نحو 12 بلداً.