قوبِل خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في اجتماعات الأمم المتحدة بضحكٍ واسع، وأكَّد دبلوماسيون أنَّ وفودهم كانت تضحك على الرئيس نفسه، وليس معه.
ونقل موقع BuzzFeed الأميركي، الخميس 26 سبتمبر/أيلول 2018 عن أحد دبلوماسيي أميركا اللاتينية، قوله: "في بعض الأحيان، عندما نرى سلوكاً أو نستمع إلى جدلية أو فكرة تبدو شاردة، أو غير منطقية، أو جنونية، يظهر الضحك كرد فعل طبيعي".
وأضاف الدبلوماسي الذي تحدث، شريطة عدم ذكر اسمه: "هذا ليس ضحكاً على مُزحة جيدة، لكنَّه ضحك يتسم بالتوتر، أو على مزحة سيئة أصبحت مضحكة تحديداً؛ لأنَّ الذي يقولها لا يعي مدى قبح مزحته".
وملأ الضحك قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء 25 سبتمبر/أيلول 2018، بعدما قال ترمب إنَّ إدارته "أنجزت أكثر مما أنجزته أي إدارة أخرى في تاريخ بلادنا".
ترمب يدافع عن نفسه
وفي يوم الأربعاء 26 سبتمبر/أيلول، جادل ترمب في مؤتمر صحفي بأنَّ ما حدث هو "أنَّهم لم يكونوا يضحكون عليّ، بل يضحكون معي".
وقال ترمب: "كنا مستمتعين. لم يكن هذا سخرية منّي؛ لأنَّ الأخبار الكاذبة قالت إنَّ الحضور ضحكوا على الرئيس ترمب. لم يضحكوا عليّ، بل قضى الحضور وقتاً ممتعاً معي. كنا نفعل هذا معاً، وحظينا بوقتٍ ممتع".
وجاءت تعليقات ترمب بعدما قالت نيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في لقاءٍ سابق لها يوم الأربعاء، إنَّ الحضور كانوا يضحكون؛ لأنَّهم "أحبّوا صدقه"، وشدَّدت على أنَّ المجتمع الدبلوماسي يحترم الرئيس. وأضافت لقناة Fox News الأميركية: "إنَّه بارع جداً في معرفة جمهوره".
لكنّ الدبلوماسيين أنفسهم وصفوا الخطاب بأنَّه خطاب "أخرق وغير مناسب"، فكتب أحد الدبلوماسيين الأوروبيين في رسالة: "كان الجزء الافتتاحي من الخطاب مُوجَّهاً بكل وضوح للجمهور المحلي"، وأشار إلى أنَّ زعماء العالم الآخرين يفعلون نفس الشيء.
وأضاف: "لكنَّ ترمب فعل هذا بطريقة ترمبية (التباهي بسخافة بكون إدارته من بين الأفضل في التاريخ) وتفاعل الحضور على النحو الذي رأيتموه. هذه الكلمات التي كانت ستصبح رنانة في تجمُّع سياسي أميركي بدت غير ملائمة قليلاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة".
واستغل ترمب خطابه أيضاً للإشادة بأهمية السيادة على حساب العمل متعدد الأطراف، وكذلك لانتقاد تلك الدول التي قد تقف في طريقه، وكل هذا يناسب ويجتذب جمهوره من الناخبين الأميركيين.
وقال أحد الدبلوماسيين الآسيويين: "لا يوجد لديه أي مفهوم عن الدبلوماسية"، ولو أنَّه أضاف أنَّ دبلوماسية ترمب غير الدبلوماسية "نجحت في التعامل مع كوريا الشمالية بصورة جيدة".
ولم تُقابل رئاسة ترمب لاجتماعٍ لمجلس الأمن صباح الأربعاء بالضحك، بل بارتباك؛ إذ ناقش الرئيس الأميركي بالفعل الموضوع الظاهري للاجتماع، الذي يمس اتفاقية إيران النووية وكوريا الشمالية.
كلمة ترمب أزعجت الصين
لكنَّه انحرف بوضوح إلى موضوعات ليست لها علاقة بعدم الانتشار النووي، مُتهماً الصين بالتدخل في انتخابات التجديد النصفي القادمة دون تقديم أي دليل.
فقال: "إنَّهم لا يردونني أو يريدوننا أن نفوز؛ لأنَّني أول رئيس يتحدى الصين في التجارة". وأضاف: "ونحن نفوز على الصعيد التجاري. نفوز على كل الأصعدة".
كان هذا الانحراف سيبدو عادياً تماماً في مؤتمرٍ انتخابي لترمب. لكن في مجلس الأمن الذي يلتزم كثيراً بالنص، فكان الأمر في غير موضعه بوضوح، إذ سُلِّطَت الكاميرا على الوفد الصيني، الذي بدا الاستهجان على أعضائه، وفقاً لموقع BuzzFeed.
ولم ترد السفارة الصينية في واشنطن فوراً على طلبٍ للتعليق على ما قاله ترمب في خطابه، أو لتوضيح ما إذا كان الاستهجان رداً مقصوداً من جانبهم، بيد أنَّ الاستهجان الصيني لخَّص توتراً برز طوال هذا الأسبوع في الوقت الذي اجتمع فيه كبار مسؤولي الدول الأعضاء لمناقشة الأحداث العالمية.
ولم تعتد الأمم المتحدة، معقل الدبلوماسية واللياقة، على هذا النوع من الصراخ المتبجح الذي يعتبر عادياً ومتماشياً مع أسلوب ترمب.
وعندما ركَّز ترمب جزءاً من خطابه يوم الثلاثاء على ألمانيا وحذَّر من أنَّ "ألمانيا ستصبح معتمدة تماماً على الطاقة الروسية إذا لم تُغيِّر مسارها على الفور"، ظَهَرَ الوفد الألماني وأعضاؤه يتكلَّفون الابتسامة.
وقال ريتشارد غوان، وهو زميل بارز في جامعة الأمم المتحدة، إنَّ هذه كانت "ضحكة تتسم بالازدراء، وليست ضحكة تتسم بالتوتر. لكنْ هناك أمر أعمق هنا: اكتشف زعماء العالم أنَّ محاولة التفاهم مع ترمب لن تُجدي نفعاً. ومحاولة الهجوم عليه عادة ما تأتي بعكس المرجو منها. لكن الضحك أو السخرية منه يمكن أن تهدئ من هجماته".
ولم ترد البعثة الألمانية في الأمم المتحدة ولا السفارة الألمانية في واشنطن على طلبٍ للتعليق على المسألة، وفقاً لما ذكره الموقع الأميركي.