انتشرت مؤخراً في الكويت، مجسمات ثلاثية الأبعاد على هيئة البشر، أحدثت سجالاً حاداً في البلاد تدخّل فيه دعاة وعلماء شريعة وسياسيون ونشطاء.
القضية انتشرت بشكل مكثّف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إثر تداول ناشطون، الأحد الماضي، أنباء تفيد بقيام محل في الكويت بصناعة مجسمات وتماثيل على هيئة البشر.
هذا المحل -وفق الناشطون- يستخدم تقنية عالية تخرج مجسمات ثلاثية الأبعاد لأي شخص للاحتفاظ بها كذكرى.
لكن منتقدون اعتبروا تلك التماثيل والمجسمات "أصنامًا"، ودعوا إلى حظرها، فيما رأى آخرون أن موقف المعارضين لتلك التقنية هو محاولة جديدة لقمع الحريات والإبداع.
"حرام شرعاً"
موجة استنكار أطلقها النائب البرلماني محمد هايف المطيري (إسلامي)، عبر حسابه على موقع تويتر.
المطيري، كتب أمس الأول الإثنين، أنه "لابد من منع صناعة هذه المجسمات والتماثيل، بعد غزوها جزيرة العرب، إذ وصل التساهل حد إنشاء معابد في بعض دول الخليج".
وأردف: "في الكويت يوجد (معرض مجسمات نسخة طبق الأصل للإنسان للذكرى)، وهي خطوات منكرة في بلاد التوحيد التي هُدِمت فيها الأوثان وحُرّمت، وما عودتها إلا من علامات الساعة، ويجب على وزير التجارة منعها".
وتبعه في اليوم نفسه الداعية عثمان الخميس (سلفي)، عبر ردّه على سؤال بخصوص هذه المجسمات، إذ كتب على تويتر أن "ما يفعله هذا المحل منكر، ويجب إغلاقه فوراً إذا كان – فعلاً – موجوداً".
وصعّد، الخميس، الأمر ليصفه بأنه "أخطر من محلات بيع الخمور؛ لأنه يحيي قضية الأصنام؛ ما قد يدفع بعض الأشخاص لصناعة أصنام لأولادهم، لذا يجب إغلاقه".
بدوره، اعتبر وزير العدل والأوقاف السابق الدكتور نايف العجمي عبر حسابه على تويتر أن "صنع التماثيل باستخدام التقنية الحديثة حرام شرعاً، ولا يجب استخدامها إلا للفائدة ضمن حدود الشرع، كالمجسَّمات التعليمية في كليّات الطب وألعاب الأطفال".
لكن العجمي قال، أول من أمس الأول الإثنين، إنه "لا يجوز وصف التماثيل المجسَّمة بأنها أصنام، ذلك أن التماثيل لا تكون أصناماً إلا إذا عُبِدت".
وأضاف بهذا الخصوص: "أما مجرد الصورة، فإنه يقال لها تمثال، ولا يقال لها صنم. وغني عن القول إن التماثيل ذريعة إلى الشرك الأكبر، وهذا من أبرز أسباب تحريمها".
الشركة تتراجع
على وقع موجة الغضب سحبت إدارة الشركة، الإثنين، جميع ما في معارضها من المجسمات ثلاثية الأبعاد على هيئة البشر، رغم إعلان وزارة التجارة والصناعة الكويتية أنه لا توجد مخالفات قانونية فيما يتعلق بذلك.
ونقلت صحيفة الجريدة (خاصة) الثلاثاء، عن محمد اليوسفي، عضو مجلس إدارة الشركة، قوله إن الشركة سحبت كل المجسمات برغبتها الخاصة، حماية لموظفيها من التعرض لأي إساءات أو تهجم غير متوقع.
ونفى صحة ما يُشاع عن تدخل جهة رسمية لإجبار الشركة على سحب المجسمات.
وقال اليوسفي إن الشركة تقدمت بطلب رسمي إلى الشركة الأم لجلب مجسمات بالتقنية نفسها، على أن تكون بعيدة عن الأشكال البشرية.
وتابع أنه تم الاجتماع مع وزارة التجارة على خلفية شكوى تلقتها الوزارة ضد الشركة، ورأى أن الموضوع ينبع من "تكسبات سياسية".
ومضى اليوسفي مبيناً أن تقنية طباعة المجسمات الثلاثية الأبعاد متوافرة في الأسواق منذ نحو ثلاث سنوات، لكن تقنية "Doob" ذات دقة عالية وبأحجام مميزة، ولها استخداماتها في الطب والهندسة المعمارية، فضلاً عن التسلية والذكريات.
تماثيل للذكرى
على الجهة المقابلة، أبدى كتّاب وناشطون استغرابهم من هذه الحملة تجاه التماثيل وتسميتها "الأصنام".
وتحت وسم "أصنام في الكويت"، كتبت الناشطة لولوة الحسينان: "محل في الكويت يصنع لك ولعائلتك تماثيل للذكرى.. وشيوخ الدين يقولون التماثيل تؤدي للشرك وتالي (لاحقاً) الناس بيعبدونها".
وتابعت الحسينان، الإثنين: "من المؤكد أننا تعدّينا كل مراحل الجهل، وصلنا إلى مرحلة أعجز عن تسميتها".
وكتبت الناشطة والكاتبة أروى الوقيان، تحت الوسم ذاته، أن "الجهاز يسوي مجسم لك مو حق (ليس) اللات والعزى، خِفّوا علينا من هالفتاوى اللي ما تودي ولا تجيب".
مصادرة للحريات
سياسياً، قال الأمين العام للتحالف الوطني الديمقراطي (ليبرالي)، بشار الصايغ، إن "إقحام الفتاوى واستغلالها لمصادرة الحريات العامة والخاصة، والتكسب السياسي والانتخابي، أمر مؤسف".
ووصف الصايغ، في تصريح للأناضول، ما حدث بأنه "إرهاب ديني استُخدمت فيه كل أسلحة التكفير والتهديد".
وحذّر من "خطورة إصدار مثل تلك الفتاوى بشكل عشوائي وتفسيرها وفق أحداث سياسية".
بدوره، انتقد رئيس المكتب السياسي في "المنبر الديمقراطي" (ليبرالي)، علي العوضي، في تصريح للأناضول، اعتبار هذه المجسمات "أصناماً".
ورأى العوضي أن "ما يحدث ما هو إلا استخفاف بالعقول ومحاولة جديدة لقمع الحريات والإبداع تحت ستار الدين".