للوهلة الأولى، تبدو غادة الربيع بمظهر التديُن الصارم والتزمُت؛ فالفنانة البالغة من العمر 40 عاماً ترتدي عباءة تُغطيها من رأسها إلى أخمص قدميها.. إنه الرداء الإسلامي التقليدي الذي تلتزم به معظم السيدات في المملكة العربية السعودية.
تُغطي الربيع كذلك وجهها كاملاً بالنقاب، فيما عدا عينيها المُكحلتين؛ إلا أن نظرة واحدة على لوحاتها، المُعدة بدقة من أغلفة الحلوى والشوكولاتة كفيلة بأن تنفي أي شك في مدى مرحها وخِفة ظلها في الواقع.
تقول غادة، بحسب ما نقلته مجلة Ozy في عددها الصادر في 23 يوليو/تموز 2018: "جاءتني فكرة استخدام أغلفة الحلوى في حين كنت أحتسي الشاي وآكل الشوكولاتة بغرفة المعيشة في منزلي"، وأضافت: "كنت أعلم أن هذا هو الخيار المثالي كأداة فنية بالنسبة لي، فهو يعكس روح طفولتي وطريقتي الفكاهية في الفن".
"أريد أن أصبح فنانة"
غادة، التي وُلِدت ونشأت في المدينة المنورة بالسعودية، كانت تعلم دائماً أنها تريد أن تصبح فنانة وكانت أمها أول مُشجعي هذا الشغف فيها، ولاحقاً ظل زوجها يتحداها لخلق مكانتها الفنية الخاصة، ويدعمها أخلاقياً ومالياً كما قالت.
تَعرِضُ غادة -التي تخرجت في جامعة طيبة وحصلت على درجة علمية بالاقتصاد المنزلي والفنون الجميلة- أعمالها في المعارض الفنية المحلية. وكان آخرها في غاليري "أثر" بمدينة جدة. وشمل معرضها المنفرد "سيدي شاهين" 17 عملاً فنياً، وجذب أكثر من 2000 زائر من مختلف الأعمار، من الجنسين.
تقول عافية بن طالب، مديرة غاليري "أثر" ومسؤولة التواصل فيه: "من النادر أن ترى عرضاً يمكنه مخاطبة الناس من كل الأجيال"، وأضافت: "لقد تلقى المعرض تغطية واسعة النطاق من الوسائل الإعلامية المحلية والإقليمية، باللغتين العربية والإنكليزية على حدٍ سواء".
موناليزا بالحجاب
وتقول بسمة السليمان، مؤسِسة متحف بسموكا للفنون البصرية، وهي راعية بارزة للفنون في السعودية: "أسلوب غادة فريد من نوعه، ومن الممكن تصنيفه باعتباره فناً شعبياً معاصراً، وهي تقف وحدها على الساحة بهذا المجال".
ويتخطى إبداع غادة الربيع إعادة استخدام أغلفة الحلوى كأداة فنية جديدة. فالأم -التي صارت جدة مؤخراً- مشهودٌ لها بلفت أنظار السعودية نحو الأعمال الفنية الغربية الشهيرة.
هل يمكن تصوير موناليزا الفنان ليوناردو دافنشي وهي مُتألقة بالحجاب؟ وماذا عن الزوجين في لوحة "Gothic American" الشهيرة للفنان غرانت وود وهما يرتديان أغطية الرأس السعودية التقليدية؟
تستحضر غادة، عصرَ النهضة وما بعد الانطباعية بوجهة نظرٍ سعوديةٍ، فتحوِل البرجوازية الفرنسية إلى الطبقة الوسطى الحديثة بالمملكة العربية السعودية في لوحة "بعد ظهر يوم الأحد في جزيرة لا غراندي جاتي" للفنان جورج سورا.
وتقول: "أتخيل دائماً كيف ستبدو الأعمال الفنية الشهيرة لو كانت أصول الفنانين ترجع إلى المنطقة العربية"، وقصدها لم يكن قَط الإساءة؛ بل "رسم الابتسامة على وجوه الناس"، حسب وصفها.
تمرد على الثقافة
ولكن، هل يُفسَر تصويرها أجساماً بشرية تحدياً للإسلام وخروجاً على الثقافة السعودية؟ ربما تكون هناك آراء متضاربة بهذا الشأن، ولكن إن كان ثمة انتقاد، فلم تسمعه بسمة السليمان على أي حال.
وتقول بشأن استدعاء أعمال الماضي باستخدام أغلفة الحلوى المألوفة: "إن هذه وجهة نظر قاصرة، فالفن لا شأن له بالدين"؛ بل على العكس من ذلك، تُلهم أعمال غادة الربيع المتفرجين كي يكونوا "سعداء وفَرِحين".
وامتزاج السياق السعودي الراهن بالمُهمَل والمنسي -سواء كان مادياً أو ثقافياً- في فن غادة التصويري قد جذب جامعي الأعمال الفنية من أقصى الغرب، مثل متحف كلية بيتس للفنون في لويستون بولاية مين.
وفي حين أن المملكة العربية السعودية -التي طالما هيمنت عليها الوهابية المحافظة- قد اتخذت خطوات نحو الحداثة وزيادة الاعتراف بالنساء خلال العام الماضي (2017)، تُقر غادة -بصفتها امرأة محافظة- بأن قدرتها على التقاء الناس والقائمين على الدُور الفنية، وجامعي الأعمال ما زالت صعبة في بلدٍ سُمِحَ فيه للنساء مؤخراً فحسب بقيادة السيارات.
وفي حين أن عافية بن طالب، مديرة المعرض، تعتقد أن الرجال والنساء من الفنانين في المملكة العربية السعودية يواجهون تحديات متشابهة، تقول أيضاً: "لا يمكنني إنكار أن الرجال يهيمنون على أبرز المناصب" على الرغم من أن عدد النساء يفوق عدد الرجال في هذا المجال.
الحكم للجودة فقط
في الوقت نفسه، تزعم راعية الفنون، بسمة السليمان، أن "الحُكم دائماً يعتمد على جودة العمل الفني وليس جنس الفنان"، وتُصر على أن النساء بإمكانهن تولي المهام الإدارية والتقنية في المؤسسات الفنية، وأن وزارة الثقافة تدعم كل الفنانين على قدم المساواة.
وتطالب فنانة أغلفة الحلوى الغرب بعدم الحكم على مكانها في العالم استناداً إلى التغطية الإعلامية الضحلة التي لا تقدم شيئاً ثميناً، وتقول: "الحقيقة مختلفة جداً عما تُصوَر عليه، فالنساء يواجهن عقبات بكل مكان"، وفي حين أن تلك العقبات تختلف من قارة إلى أخرى، تقول عافية بن طالب: "علينا جميعاً أن نتكاتف ونقبل الاختلافات بين بعضنا وبعض… فلا ينبغي تعميم أي منها"، وأضافت: "النساء يكتسبن المزيد من القوة والاعتراف، وكل هذا بسبب الوعي والحركات النسوية".
وفي حين يتغير العالم العربي الإسلامي، تسعى النساء السعوديات لتحديد هوية أدوارهن في المجتمع. فقط اسأل غادة -التي تعتبر صورتها الخاصة المُعدة من أغلفة حلوى "ليندت" أفضل أعمالها- عن ذلك، لتجيبك قائلة: "كامرأة منتقبة، لم يكن واضحاً كيف يمكنني إعداد صورة ذاتية"، في إشارة إلى حقيقة أن ملامحها مُغطاة بالكامل، وأضافت: "مع ذلك، أخذت على عاتقي تحدي إطلاع الآخرين على أنه لا توجد أي قيود إلا التي تزرعها أنت بنفسك في رأسك".
اقرأ أيضاً
لوحاته مخيفة وتماثيله "قبيحة بشكل رائع".. منزل "رانغر" المرعب يفتح أبوابه للزيارة أمام الجمهور