لا تتوقف سماح سامح، الشابة الفلسطينية (27 عاماً)، عن زيارة الجامع الحنبلي في البلدة القديمة بمدينة نابلس، في نفس اليوم من كل عام. هي تحاول جاهدة في كل مرة أن ترى وتقبل هذه القارورة الصغيرة، التي لا تحتوي على شيء إلا إصبع من الشمع مغروس به 3 شعرات.
في يوم 27 رمضان، احتشد آلاف الفلسطينيين داخل وخارج رواق المسجد لإلقاء نظرة على قارورة زجاجية فيها 3 شعرات، هي شعرات النبي محمد، التي تعرض على الناس في المدينة مرة واحدة في السنة، في السابع والعشرين من رمضان.
لكن لم توفق سماح ولا مرة في الوصول إلى القارورة، فتجمُّع كل هذه الأعداد من أجل الوصول إلى القارورة والتبرك بها، يجعل مهمتها صعبة جداً.
تقول في حديثها لـ"عربي بوست"، إنهم يسمعون بهذه الشعرات منذ طفولتهم "منذ 3 أعوام وأنا أذهب لكي أراها، وأقبلها كما يفعل الآخرون، إنها من رائحة النبي محمد، لكني وها قد بلغت من العمر 27 عاماً، ولم أفعل ذلك بسبب الزحام".
وأضافت "لا يمكن وصف المشهد هناك، إلا أنه يشبه الزحمة عند قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك".
كيف وصلت الشعرات؟
على مدخل المسجد كتبت عبارة "تجدد بناء هذا المسجد وتشرف بالشعرات المحمدية بأمر الخليفة السلطان محمد رشاد خان الخامس سنة 1330هـ".
هذه الشعرات بالتالي لها حكاية بدأت قبل أكثر من 100 عام. فقد أهداها السلطان العثماني محمد رشاد الخامس لمدينة نابلس إكراماً لعلمائها، وأشرافها، كما يقول شاكر البيطار، ابن عائلة البيطار المالكة لهذه الشعرات المقدسة منذ عام 1905.
وقال شاكر، أو المسمى بـ"سادن الشعرات"، في حديثه لـ"عربي بوست"، إنهم كعائلة البيطار، ورثوا هذه الشعرات من جده الأكبر محمد رشيد البيطار، الذي كان القاضي الشرعي للمدينة آنذاك، وهي أعلى رتبة بالقضاء الشرعي بالدولة التركية.
وقال شاكر إن مدينة نابلس خرجت قبل 100 سنة لاستقبال هذه الشعرات لقدسيتها، وعلى رأسهم علماؤها الذين أهديت المدينة الشعرات لأجلهم، وفي مقدمتهم مفتى الخلافة العثمانية وقتها الشيخ منيب هاشم، ونقيب الأشراف محمد رفعت تفاحة.
ويوضح أن الشعرات وضعت في عهدة جده بموجب وكالة ملكية باللغتين العربية والتركية. وهي "أمانة في أعناقنا إلى يوم الدين توارثناها وسنتوارثها من جيل إلى جيل"، على حد تعبيره.
محفوظة بعناية
الشعرات الثلاث محفوظة داخل قارورة زجاجية، موجودة داخل خزانة حديدية محكمة الإغلاق، في حجرة خاصة في المسجد الحنبلي. يقول شاكر "نحن نحتفظ بها هنا، ولا تخرج إلا مرة بعد صلاة الظهر في يوم 27 رمضان من كل عام، في تقليد سنوي، من أجل أن يراها الناس ليتبركوا بها".
ويقع المسجد الحنبلي، أحد المساجد التاريخية في نابلس، في حي القصبة وسط المدينة القديمة. وقد بُني في عهد السلطان العثماني سليمان بن عثمان، وكان يسمى الجامع الغربي، ومنذ القرن السابع عشر غلب عليه اسم الحنبلي نسبة إلى الحنابلة الذين تولوا الإمامة فيه.
وترجع أهميته لوجود خزانة شعرات الرسول محمد داخله، حيث يشهد سنوياً حدث عرضها على الناس الذين يتزاحمون من أجل تقبيل القارورة التي تحويها.
من جهته قال الشيخ سعد شرف، إمام المسجد لأكثر من عشر سنوات، إن هذه الشعرات جزء من تراث نابلس وتاريخها الديني. ولها مكانة خاصة لأنها من شعرات النبي. وأضاف "داخل قارورة مفرغة من الهواء، يوجد إصبع من الشمع غرست فيه الشعرات الثلاث، تعرض على الناس لكي يتبركوا بها".
ورغم الكثير من الجدل، خصوصاً من علماء السلف حول هذا "التبرك" الذي يعتبرونه "بدعة"، يقول الشيخ سعد إن التبرك "بما لامس جسد النبي حق، ويسري على ما حوله".
ويختم الشيخ سعد حادثة غريبة، حين اقتحم أحدهم المسجد قبل سنوات محاولاً سرقة هذه الشعرات، التي كانت محفوظة حينها في خزانة خشبية، موضحاً أن اللصوص لم يجدوا شيئاً داخل الخزانة "وكأن الله أعمى أبصارهم"، مضيفاً أنهم وجدوها سليمة في اليوم التالي، وهاهي "في الحفظ والصون حتى يومنا هذا".
وبالنسبة لسماح، فهي قد فقدت الأمل نهائياً في الوصول إلى هذه الشعرات، وقررت أن هذا العام كان المحاولة الأخيرة، فهي ستكتفي برؤيتها في الصور من الآن وصاعداً.