المهارات الاجتماعية أصدق إنباء من الكتب في جعلها المستقبل أكثر إشراقاً.. فليس مهماً كم تحصل من معلومات، بل الأهم كيف تستطيع أن تفهم العالم من حولك وتكتسب مهارات حياتية قوامها الذكاء العاطفي والتواصل الاجتماعي. فقد كشفت دراسة حديثة أن المهارات قبل الكتب أحياناً.
ويرى العديد من الآباء والأمهات أن من يعلم أطفاله في سن مبكرة أن يكونوا بقدر الإمكان أكثر اعتماداً على أنفسهم، وأن يكتسبوا أكبر قدر ممكن من المعرفة، فإنه بهذا يضع أولى اللبنات في المسار الوظيفي الناجح لأبنائه.
وبينما يتنقل تلاميذ المدارس الابتدائية ما بين دروس اللغة الإنكليزية ودروس السباحة، والموسيقى، فإن القليل من الآباء يعرفون أن هناك شيئاً آخر أكثر أهمية بالنسبة لأطفالهم، هو ما يكتسبونه من البيئة الاجتماعية المحيطة بهم.
المهارات العاطفية هي التي تحدد مستقبل الأطفال
فوفقاً لما ذكرته الطبيبة النفسية والمؤلفة آمي مورين، في مقالها المنشور في مجلة "Inc"، فإن المهارات العاطفية والاجتماعية أكثر أهمية لتحديد ملامح مستقبل الطفل من القدرات المعرفية التي يحصلها في المدرسة ومن الكتب. وبحسب دراسة علمية تم نشرها في مجلة الرابطة الأميركية للصحة العامة في العام 2015، فإن المهارات العاطفية التي يُظهرها الطفل في سن الخامسة، من الممكن أن تُبئنا بالكثير عن مستقبله الوظيفي بشكل أكبر مما نعتقد.
فالذكاء العاطفي الذي يعني قدرة الشخص على معرفة مشاعره بدقة، والتعبير عنها بوضوح، من مقومات الشخصية القوية.
وفي هذه الدراسة، استعان الباحثون من ولاية بنسلفانيا وجامعة ديوك ببعض المعلمين في رياض الأطفال لاستكشاف المهارات العاطفية والاجتماعية، أو مهارات التواصل الاجتماعي لدى بعض التلاميذ، وسجلوا ملاحظات ومنحوا الأطفال درجات على مستوياتهم في الذكاء العاطفي والتواصل الاجتماعي. وبعد 19 عاماً قام العلماء بدراسة حالات أولئك الطلاب أنفسهم مرة أخرى، وقاموا بمقارنة النتائج السابقة بالمستوى التعليمي والاجتماعي الحالي لهم.
مهارات اجتماعية أكثر تساوي تفوقاً علمياً أكبر
وكشفت الدراسة أن الأطفال الذين يحبون الاختلاط والمشاركة والاستماع للآخرين، ومساعدة زملائهم أصبحوا أكثر نجاحاً في حياتهم في المستقبل. كما وجدت الدراسة أنه في مقابل كل درجة كان العلماء يعطونها للأطفال على مستويات مهاراتهم الاجتماعية، تزداد بالقدر نفسه احتمالية حصولهم على شهادة جامعية.
وعلى النقيض من ذلك، فعلى قدر كل درجة يخسرها الطفل، تقل كذلك فرصته في التخرج في المدرسة الثانوية، فضلاً عن الجامعة. أما الأطفال الذين لديهم مستوى ذكاء اجتماعي متدنٍ جداً، فهناك احتمال يصل إلى الـ50% أن ينتهى بهم المطاف في السجن، أو أن يعيشوا في مناطق شعبية وربما أدمنوا على تعاطي الكحول.
تعزيز المهارات الاجتماعية للأطفال
إلى أولئك الذين يشعرون بالقلق الآن على مستقبل أطفالهم، كتبت آمي مورين في مقالها أنه "لا يزال بإمكانكم تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية لأبنائكم في سن الدراسة. وأهم ما في هذا الأمر هو السلوك الصحيح للوالدين، إذ يجب عليهما التحدث إلى أطفالهما يومياً عن مشاعرهم".
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الآباء الانتباه جيداً إلى سلوكيات أطفالهم تجاه الآخرين، ومراقبة مواقفهم عن كثب. وترى مورين أن الأكثر أهمية من ذلك هو عدم التصحيح، أو حتى معاقبة الأطفال على مشاعرهم أبداً "فمجرد تعبير الطفل عن مشاعره ورغباته بحرية يجب أن يكون أهم لدينا من أي اعتبار آخر. ومع ذلك، ينبغي للطفل أن يتعلم أنه ليس بالضرورة تحقيقها دائماً. ولذلك ينبغي أن نسمح لهم بالتعبير عن غضبهم، ولكن لا نسمح بالطبع بأن يقوموا بالتنفيس عن هذا الغضب بضرب أطفال آخرين".
ويمكن معرفة قدرة الطفل على التعبير عن مشاعره بتدريبه على خوض اختبارات الذكاء العاطفي المعروفة بـEQ، التي تنتشر في كثير من المواقع التربوية، والذي يراه البعض أهم من مقياس الذكاء العام IQ.