"هذه خطوة واحدة صغيرة لرجل، لكنها قفزة عملاقة للبشرية"، على حد تعبير رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ.
في 21 يوليو/تموز 1969 في الساعة 2:56 (بتوقيت غرينتش)، نزل الإنسان على سطح القمر للمرة الأولى، هز الخبر العالم أجمع.
وصلت 5 بعثات أميركية أخرى في السنوات التالية، حتى ديسمبر/كانون الأول 1972، حينما كان يوجين سيرنان هو آخر من وطئت قدماه سطح القم.، وحتى اليوم، وبعد أكثر من 45 عاماً، لم يذهب أي إنسان إلى القمر، حسب تقرير لموقع BBC Mundo الإسباني.
إذ يبدو أن لا أحد يريد تكرار هذه الخطوة الصغيرة العملاقة!
لم يهبطوا على القمر
منذ ذلك الحين، برزت العديد من نظريات المؤامرة التي تؤيد فكرة أن الهبوط على القمر لم يحدث وأن الصور التي تم بثها تم إعدادها في استوديوهات التلفزيون.
ولكن بعد نصف قرن تقريباً، أعلنت الحكومة الأميركية أنها تعتزم العودة إلى القمر قريباً، وأن هذا ليس سوى المحطة الأولى في رحلة نحو غزو المريخ.
وافق الرئيس دونالد ترامب يوم الإثنين 12 ديسمبر/كانون الآول 2017 على توجيهات السياسة الفضائية رقم 1، وهو أمر رئاسي لوكالة ناسا بإرسال بعثات مأهولة إلى القمر.
ومن المقرر أن يدخل هذا التوجيه، الذي تم توقيعه دون تشاور مسبق مع مجلس الشيوخ، حيّز التنفيذ عندما يُمضي الرئيس عامين في البيت الأبيض. ونظراً إلى المواعيد النهائية للموافقة على الميزانيات، يخشى العديد من الخبراء أن هذا القرار لن يتم تفعيله إلا إذا أعيد انتخاب ترامب في عام 2020.
بالنسبة للكثيرين، كان السؤال الأكثر تكراراً هو: لماذا لم ترسل الولايات المتحدة أو أي بلد آخر بعثات إلى القمر منذ نحو نصف قرن تقريباً؟
سبب توقُّف أميركا
نيل أرمسترونغ
مع نجاح أرمسترونغ، تُوّجت الولايات المتحدة في سباقها الفضائي مع الاتحاد السوفييتي، آنذاك، والذي كان قد نجح بالسابق في إرسال الكلبة لايكا كأول كائن أرضي يسافر إلى الفضاء، ثم نجحتا في إرسال يوري غاغارين، ولكنه لم يتمكن من أكثر من الدوران حول الأرض ولم يتجاوز الغلاف الجوي.
لم يستطع السوفييت إنكار النصر الأميركي، إلا أن الأميركيين بدورهم لم يستطيعوا إنكار أن هذا النصر كان مكلفاً للغاية.
في حديثه مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، قال أستاذ علم الفلك بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، مايكل ريتش: "إن إرسال سفينة مأهولة إلى القمر كان مكلفاً للغاية ولم يكن هناك مبرر علميّ لدعمه".
ووفقاً للخبير، كانت هناك أسبابٌ سياسية خلف الاهتمام العلمي بالبعثات إلى القمر؛ فقد كانت المنافسة بين الأميركيين والسوفييت مرتكزة على فكرة من ينجح في السيطرة على الفضاء.
على مر السنين، وبعد غزو القمر، تراجع الاهتمام الأميركي باستئناف هذه البعثات؛ يقول ريتش: "لم يعُد هناك مبرر علمي أو سياسي للعودة".
اقترح جورج دبليو بوش في عام 2004، خلال فترة ولايته، خطة مماثلة لتلك التي يعتزم ترامب تنفيذها بإرسال طاقم جديد إلى القمر، ومن ثم فتح الطريق لغزو المريخ، ولكن المشروع لم يكتمل، وفقاً لريتش، للسبب السابق نفسه؛ التكلفة الباهظة، ولذلك لم تكن حكومة أوباما على استعداد لإنفاق مبلغ 104.000 ملايين دولار لتنفيذ خطة بوش.
يقول ريتش: "من الناحية العملية، من الصعب جداً إقناع الكونغرس بالموافقة على مثل هذه الميزانية الباهظة، ومن وجهة نظر علمية، ليست هناك أسباب كافية للعودة إلى القمر".
ويضيف: "كانت رحلة السفينة أبوللو عظيمة، فقد تمكن الإنسان من الهبوط على القمر، إلا أنها لم تحقق فائدة علمية".
وخلال سنوات البعثات إلى القمر، كان المبلغ الذي خصصته حكومة الولايات المتحدة لوكالة ناسا نحو 5٪ من الميزانية، والآن هي أقل من 1%.
يقول الخبير: "في تلك السنوات، كنا نحن الأمريكيين مقتنعين بأن تخصيص هذه المبالغ الباهظة لتنفيذ تلك المشاريع أمرٌ ضروريٌ، لكن بعد تلك السنوات، لا أعتقد أن دافعي الضرائب سعداء جداً بأن أموالهم كانت تُستخدم للسير على القمر".
يقول ريتش إن هناك سبباً آخر لتوقف بعثات القمر؛ إذ شاركت وكالة ناسا بعد سنوات في مشاريع أخرى أكثر أهمية؛ فقد أطلقت أقماراً اصطناعية جديدة، وأجرت أبحاثاً حول كوكب المشتري، وقامت بإطلاق محطة الفضاء الدولية، بالإضافة إلى القيام بأبحاث حول المجرات والكواكب الأخرى.
يضيف الخبير: "كان لكل ما سبق أهمية علمية أكبر من بعثات القمر".
العودة للقمر
Trump Just Announced That He Wants Us To Go Back To The Moon. There's Just One Tiny Problem – …
Trump has si… pic.twitter.com/HVqVFK30tl
— News (@kitomagoronpa) December 14, 2017
على الرغم من ذلك، بدأ الاهتمام بالصعود إلى القمر في الظهور على الساحة مجدداً. وهناك المزيد والمزيد من المبادرات الحكومية والخاصة، التي لا تعلن فقط عن العودة بالقمر الاصطناعي؛ بل وكذلك عن مخططات استعمارية طموحة، ومعظمها على أساس تخفيض أسعار التقنيات وتصنيع المركبات الفضائية.
الصين، على سبيل المثال، تخطط للهبوط على سطح القمر في عام 2018، في حين أعلنت روسيا أنها بحلول عام 2031 سوف ترسل سفينة إلى هناك.
وفي الوقت نفسه، تسعى العديد من المبادرات الخاصة حالياً إلى القيام بالأعمال التجارية الفضائية، مثل التعدين على سطح القمر لبيع قِطع منه كأحجار كريمة.
وعلى ما يبدو، فإن الولايات المتحدة، كالمعتاد، لا تريد أن تتخلف عن المشهد.
تقول وكالة الفضاء الأميركية منذ سنوات، إنه لا تزال هناك أسباب هامة للعودة إلى القمر؛ إذ تعتقد "ناسا" أن عودة الإنسان إلى هناك يمكن أن تجلب معرفة علمية أكبر عند تطبيق التقنيات الجديدة في هذا المجال.
وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد لوري كاستيلو (من وكالة ناسا)، لـBBC Mundo، أن الوكالة مستمرة في الأبحاث والدراسة المتعلقة بالقمر على الرغم من عدم الوجود البشري هناك.
يقول كاستيلو: "لدينا في هذا الوقت جهاز الاستطلاع القمري (مسبار الفضاء الأميركي المخصص لاستكشاف القمر الذي أطلق في عام 2009) الذي يقوم بأشياء مذهلة".
قواعد
ومن جانبه، يستدرك ريتش: "ولكن عندما نأخذ في الاعتبار التطور التكنولوجي الذي وصلنا إليه، علينا أن نسأل أنفسنا عما إذا كان لا يزال من الضروري إرسال الإنسان جسدياً إلى القمر لاختبار هذه التقنيات؛ لذلك كنت أفهم أن أسباب العودة بعيدة كل البعد عن المبرر العلمي".
بالنسبة للبروفيسور ريتش، فإن الإعلان الذي أدلى به ترامب له أسباب سياسية بحتة. يقول: "أعتقد أن الرئيس يريد أن يقول إن الولايات المتحدة لن تتخلف عن الركب في سباق الفضاء الجديد".
ونظراً إلى التقدم التكنولوجي ودخول القطاع الخاص في سباق غزو الفضاء، يعتقد ريتش أن إنشاء قاعدة على سطح القمر أو المريخ سوف يكون مسألة وقت لا أكثر.
يختتم البروفيسور حديثه بقوله: "في أقل من 100 عام، أنا على يقين بأن القمر سيكون قريباً جداً، وسنتمكن من استكشاف أماكن أخرى في الكون".