أوقات عصبية تمر بها الملاكمة، فمع ازدياد شعبية اللعبة في المملكة المتحدة يتضاعف العنف والدموية، اللذان يحيطان بها.
فنجوم ملاكمة الـ"كروس أوفر" أمثال البريطاني أنتوني جوشوا، الذي دافع الليلة الماضية، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عن ألقابه العالمية للوزن الثقيل، يذهبون بشعبية الرياضة لما هو أبعد من جماهيرها التقليديين، وهو ما يثير اهتمام الجمهور، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
فقد أُقيم نزال جوشوا ضد كارلوس تاكام في ملعب كارديف، أمام حشدٍ هائل لم يسبق أن وُجِدَ في مباراة ملاكمة من قبل.
ولكن خارج الحلبة، أفسدت سلسلة من الشجارات العنيفة بين المتفرجين الليلة، وتضمَّن ذلك ما تصفه الشرطة بأنه "فوضى واسعة النطاق"، بسبب مباراة هذا الشهر، أكتوبر/تشرين الأول 2017، عندما طُعِن شابٌّ حتى لقي حتفه.
عشيّة نزال جوشوا، وعلى بعد 250 ميلاً إلى الشمال، دقَّ الجرس الأول لأمسيةٍ مختلفةٍ نوعاً ما، في ساحة ملعب مدينة هال، إذ وُصِفت الأمسية في المواد الترويجية لها والتي جاءت مخضبة ببقع الدم المتناثرة، بـ"نزال ساحة المدينة".
وعلى الرغم من تلك الصور المُلطَّخة بالدماء، فقد أُديرت تلك الليلة بكفاءةٍ ومرَّت بسلامٍ، مما أمتع مئات المشاهدين من الذكور، إلى جانب بضع عشرات من النساء والصبيان.
وقال المُروِّج كالي ساورلاند، الذي حذَّر من أن الشجار بين الحشود قد أصبح موضةً صاعدة: "وجود الشرطة مطلوب". وقال أيضاً إن مجموعات شغب كرة القدم تتعارك، في بعض الحالات، في أثناء مباريات الملاكمة التي لا تخضع للتدابير الأمنية، تلك التدابير التي أنهت الصراعات في مباريات كرة القدم إلى حدٍّ كبير.
وأضاف: "الملاكمة رياضة وطنية بالتأكيد، وشعبيتها في تزايد، وذلك بفضل أناس مثل أنتوني جوشوا وآخرين من أصحاب الميداليات الذهبية الأولمبية. فيمكنك أن ترى الطلب عليها في التلفزيون، فهي رياضة وطنية كبيرة، ونحن بحاجة إلى توفير مساحةٍ آمنة لها".
الكوكايين
بينما ربط آخرون، ممن يعترفون بخطورة مشكلة العنف، بين استهلاك الكحول وانتشار الكوكايين من ناحية، والسلوك العنيف من ناحية أخرى.
كما تلوح التهديدات ذات اللغة الحركية العنيفة في الأفق بشكلٍ كبير، التي تأتي من بعض الملاكمين لشدِّ الأعصاب واستثارة جمهور شبكات التواصل الاجتماعي، على مدار الـ24 ساعة.
قال روبرت سميث، السكرتير العام للاتحاد البريطاني للملاكمة: "إنه من المؤسف أن يقول الناس أشياءً لا ينبغي عليهم قولها". وقد أشار إلى فرض غرامات جديدة على التعليقات والسلوك، بما في ذلك غرامة قدرها 25 ألف جنيه إسترليني (حوالي 33 ألف دولار) على ديفيد هاي، و30 جنيهاً إسترلينياً (حوالي 39 ألف دولار) على ديريك تشيسورا.
وأضاف: "أعتقد أنَّ هناك مسؤوليةً على وسائل الإعلام أيضاً. كما أعتقد أنَّ هؤلاء الناس -رجالاً ونساءً- يُوضعون في بعض الأحيان في مواقع لا ينبغي أن يكونوا فيها. فجميعنا يتحمَّل المسؤولية، ولكن في نهاية المطاف هم الذين يقولون تلك الأشياء، ونحن نُغرِّمهم ونضبط سلوك الناس".
ألقى عليه الطاولة
وفي حالة تشيسورا فقد فُرِضَت عليه غرامةٌ لإلقائه طاولة على ديليان وايت أثناء المؤتمر الصحفي لمباراتهم، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016، وقد سُمِحَ بإقامة النزال في نفس الليلة التي أُقيمَت فيها مباراة جوشوا وإريك مولين. وعندما فاز وايت بقرار جاء على خلفيةِ انقسامٍ بين الحُكَّام، كان ذلك إيذاناً بالشجار في مانشستر أرينا، إذ تشاجرت مجموعاتٌ من الرجال مع بعضها البعض على ألحان أغنية "Sweet Caroline" التي بُثَّت عبر الإذاعة الداخلية للمكان.
ومن بين الحوادث التي وقعت منذ 8 يوليو/تموز، في ساحة كوبر بوكس بشرقي لندن، كانت هناك تلك الحادثة التي تعرَّض فيها سام ماكنيس، وهو أحد جماهير ويست هام ذي الشعبية المحلية الكبيرة، للضرب من قِبَل أسينيا بايفيلد.
الطريف أنه يمكن سماع أحدهم في شريط الفيديو وهو يناشد أولئك المشاركين في تلك الأعمال بالجلوس، وأضاف: "أيها السادة، تلك مباراة للملاكمة، وليست كرة قدم".
وقد اندلعت أعمالُ عنفٍ أخطر بين حشود الجماهير، بعد أقل من شهرين في نفس المكان، الذي يقول أصحابه إن الإجراءات الحاكمة له يُعاد النظر فيها.
ففي منتصف أكتوبر/تشرين الأوّل 2017، وقعت أحداث عنف في ساحة ويمبلي، أثناء فوز جورج غروفيز بالضربة القاضية على جيمي كوكس. وفي نفس الليلة، تعرَّض ريغان آسبري (19 عاماً) للطعن في العنق، بعد قتال بين المُتفرِّجين في مباراة بين لوك بادوك وميرون ميلز في ساحة مدينة والسال.
ولكن ما شهدته ساحة مدينة هال البريطانية، ليلة الجمعة، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2017، كأن مذهلاً؛ إذ تفوَّق ما حدث خارج الحلبة على النزال الدائر بداخلها.
وقال لي والغيت، بينما يشاهد القتال أثناء إمساكه كوباً بلاستيكياً وهو جالس على البار: "لا يجب لهذا أن يحدث هنا". حيث أُبلِغَ الرُّعاة من خلال إخطارات أن الكحول لا يمكن جلبه إلى منطقة الجلوس القريبة من الحلبة. فيما مرَّت نساءٌ مرتديات قمصان البلدية بين المشاهدين لمصادرة المشروبات من أولئك الذين تجوَّلوا بها عن طريق الخطأ حول الحلبة.
وتحدث صديقه غاريث فيرني بحماس عن نمو شعبية الملاكمة في المدينة -بفضل الميدالية الذهبية الأولمبية للوك كامبل- وفرصها في أن تصبح الرياضة الثانية في بريطانيا.
واتفق الرجلان على أن المواد الترويجية الدموية لنزال ساحة المدينة لم تكن فكرة حكيمة -"قد بدت صبيانية بعض الشيء"- ولكن سيكون من الصعب على أيٍّ من المُتفرِّجين أن يرى هذا على أنه حشد فوضوي.
وقال جيمي والثام، مالك مكان أوريليس، حيث تجذب الملاكمة بانتظام عدة مئات من الحشود: "معظم جماهير الليلة من العائلات والأصدقاء، وأولئك الناس الذين يستمتعون حقاً بالملاكمة نفسها كجزءٍ من المشهد المحلي".
من كرة القدم إلى الملاكمة
وفي المقابل، قال المراقبون عن كثب للأمر، أمثال كريغ سكوت، مُحرّر موقع "Fight Talk"، إن العنف قد بدأ "في الانتقال" من أحداث كرة القدم إلى الملاكمة أحياناً، وقال أيضاً إن هذا الأمر مُلاحظٌ فقط من قِبَل وسائل الإعلام.
وتحدَّث سكوت عن مشاهدته لأعمال العنف التي اندلعت بين مجموعات من الرجال يصل عددها إلى 40 رجلاً، في الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول 2017، في ساحة ويمبلي، قائلاً: "تجري الآن مواءمةٌ بين الملاكمين وفرق كرة القدم المحلية، من أجل توسيع نطاق دعمهم. وأنا أتساءل عمَّا إذا كان هذا، في الواقع، يصب في صالح المكان الذي تُقام فيه المباريات أم من يروُجون لها أم من ينقلها، أم أنَّ ذلك يُنظر إليه كحل سريع لبيع التذاكر".
ويعتقد سكوت أنَّ المشروبات الكحولية قد تلعب دوراً في هذا، لكنه قال إن تنظيمها قد يكون أمراً شائكاً، فالجمهور يتوقَّع أن تكون مُتوفِّرة. أما بالنسبة للمواد الأخرى، فأضاف: "كل من حضر مباريات الملاكمة مؤخراً يمكنه أن يخبرك بأن الكوكايين أصبح في كل مكان".
فيما اعترف القائمون على اتحاد الملاكمة البريطاني، مثل روبرت سميث، بأن انتشار الكوكايين بين بعض أولئك الذين يحضرون المباريات أصبح مصدرَ قلق. وقال: "لسوء الحظ، في مجتمعنا اليوم لم تعد تلك القضية مجرد قضية للملاكمة، فهي أمر اجتماعي، ولسوء الحظ لا يقتصر الأمر على الكحول، بل يتعدى إلى ما هو أبعد من ذلك".
لكنه أضاف أنه ينبغي النظر إلى مشكلة العنف في سياقها، فقد أُجرِيَت نحو 250 مباراة في العام الماضي، و260 مباراة في نهاية هذا العام. وكانت نسبة المباريات التي نتجت عنها المشكلات ضئيلة. ومع ذلك، في حين يُعتقد أن الشرطة ليست دائماً الحل، فإنه يرى أنه إذا أراد المُروِّجون زيادة وجود الشرطة فعليهم دفع ثمن هذا من جيوبهم.
ليتواني
في مدينة هال، جاءت واحدةٌ من أعلى الهتافات ليلاً عقب انتصار إيفالداس كورساكاس، وهو ملاكم ليتواني تبنَّته مدينة هال باعتباره واحداً من ملاكميها، مع العلم أن مدينة هال هي أحد المدن التي صوَّتت بكثافةٍ لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، 2016.
وقال داني شينتون، وهو موسيقي محلي وملاكم بدوامٍ جزئي: "قد نكون فقراء هنا، لكن ليس لدينا تلك الانقسامات الحادة كما هو الحال في الجنوب"، وكان حوله هتافٌ صاخب من المُشجِّعين المحليين ومجموعة من الرجال يلوحون بعلم ليتوانيا. وأضاف شينتون أنَّ الملاكمة ساعدت على كسر الحواجز التي لربما وُجدت. وتابع: "يمكنك أن ترى شعبية إيفالداس، فنحن نعقد عليه آمالاً كبرى".