ماسة كوهينور هي الجوهرة الأشهر بين جواهر التاج الملكي البريطاني في برج لندن، ولكن، في الواقع، وطبقاً لكتابٍ جديد، فإنَّ كل ما نعرفه حول تاريخ هذه الماسة ربما يكون خاطئاً.
هذه الجوهرة، التي قيل عنها إنَّ عمرها نحو 5000 سنة، وإنَّها تحمل لعنةً تُصيب أي رجلٍ يرتديها، سلَّمها صبيٌّ من أمراء الهند يُدعَى دولييب سينغ إلى شركة الهند الشرقية عام 1849، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
شعرت الهندُ بمرارة غياب الماسة منذ ذلك الحين، وضغطت مجموعةٌ من نجوم بوليوود ورجال الأعمال على الحكومة البريطانية عام 2015 لإعادة الجوهرة "المسروقة"، بناءً على الأساس القانوني ذاته الذي بموجبه أُعيدَت الأعمال الفنية التي استولى عليها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية.
وضغط رؤساء الحكومة البريطانية المتتابعون لتتراجع الهند عن طلبها الذي دام 70 عاماً مضت، لكنَّ دراسةً جديدة للكاتبين ويليام دالريمبل وأنيتا أناند وجدت أنَّه حتى الملكة فيكتوريا نفسها كان "يغمُرها شعورٌ بالذنب" إزاء الطريقة التي حصلت بها بريطانيا على الماسة.
العلاقة المحكوم عليها بالفشل بين الملكة وسينغ، الأمير البالغ من العمر 10 أعوام، والذي استولى البريطانيون على مملكته، هي واحدة من أكثر القصص الدرامية التي يَصعُب نسيانها عن تلك الماسة المتألقة التي يبلغ وزنها 105 قراريط (21 غراماً)، وهي القصص التي رواها كتاب "Koh-i-Noor"، الذي صدر في المملكة المتحدة يوم الخميس الماضي 8 يونيو/حزيران.
ومع احتفال ملكة بريطانيا بعيد ميلادها الـ90، برزت الألماسة كوهينور التي تزين تيجان ملوك وملكات بريطانيا منذ عام 1850، مرة أخرى إلى سطح الأحداث، بحسب تقرير سابق لصحيفة الشرق الأوسط الدولية.
ولم تكن الجوهرة محل جدل كما هي الآن. فالحكومةُ الهنديةُ لاتزال تُصرّ على طلبها باسترجاع ماسة كوهينور. وقدمت باكستان مطالبها الخاصة بشأن الماسة أيضاً، وحتى حركة طالبان راسلت الملكة إليزابيث عام 2000 مطالبةً بإعادة الحجر إلى أفغانستان "في أقرب وقتٍ ممكن".
تَستند الدول الثلاثة في ادِّعاءتها إلى التاريخ التقليدي للماسة، الذي يتضمن اكتشافها في الهند خلال العصور القديمة، وسرقتها من قبل الغزاة، وتوريثها عبر سلالاتٍ متعاقبة من الملوك والأمراء، حتى فاز بها أميرٌ فارسي في مقايضة ماكرة.
إلا أن أياً من هذه الوقائع ربما لا يكون صحيحاً. وقال دالريمبل: "كل عنصر في هذا التاريخ المحفوظ لا يُوجد دليلٌ عليه أياً كان". لكن رغم ذلك شكلت تلك العناصر فعلياً الأساس لكل الروايات عن تاريخ الماسة.
ولا يُوجد ذِكر للماسة في التاريخ المدوّن حتى عام 1750. وكذلك لم تكن الماسة، التي بها بعض العيوب وليست الماسة الأكبر كما يزعم الاعتقاد السائد، تحوز التبجيل والاهتمام من قبل مالكيها حتى القرن التاسع عشر.
وكان البريطانيون هم من جعلوا من كوهينور علامةً عالمية، وذلك عندما حصلوا عليها من سينغ وأتاحوها للعرض في لندن باعتبارها ترمز لقوة الإمبراطورية.
وقال دالريمبل: "وصلت الماسة إلى لندن وفجأة حدث الأمر، شاهدها 6 ملايين شخص، أي ثُلث البريطانيين. وبدأ الناس في تسمية الأقلام والمطاعم باسمها. وأصبح اسم "كوهينور" علامةً تجارية".
لكنَّ الملكة فيكتوريا ترددت في ارتداء الماسة في العلن لسنوات بعدما قُدِّمَت لها تهنئةً على انتصارها عام 1850، ويبدو أنَّ ذلك كان تأثراً بمحنة مالكها السابق.
إذ وقعت مملكة سينغ، آخر أمراء إقليم بنجاب، تحت سيطرة شركة الهند الشرقية، الشركة التجارية الضخمة التي أصبحت ذراعاً للاستعمار البريطانية في جنوب آسيا.
ورتب عملاء الشركة لسجن والدة الصبي لتسريع عملية الاستسلام. وعندما سلَّم سينغ بنجاب أخيراً، كانت ماسة كوهينور مطلباً بريطانياً واضحاً ضمن شروط إعلانه الهزيمة.
وحاولت الملكة تخفيف الشعور بالذنب الذي يلاحقها بسبب ما حدث مع سينغ، وذلك بتبنيه ليكون ابناً لها، ثم بعد ذلك بأعوام رتبت لمَّ شملٍ فريداً بين الصبي والجوهرة.
وفي قاعة الاستقبال بقصر باكينغهام، وبينما كانت فيكتوريا تشاهد، تَسَلّم سينغ، الذي كان قد أصبح مراهقاً بحلول ذلك الوقت، ماسة كوهينور بعد أن أُعِيدَ صقلها. وروى دالريمبل وأناند في كتابهما أنَّ سينغ تأمل الماسة "وكان شغف عواطفه المكبوتة يبدو على وجهه". وخَشي المراقبون حينها من أنه ربما يُلقي بالحجر من أقرب نافذة.
لكن سينغ كان يعرف دوره في الدراما الملكية. فاقترب من فيكتوريا، وانحنى بشدة، وسلَّمها الماسة، وقال: "إنَّه لمن دواعي سروري سيدتي أن تُتاح لي الفرصة، كأحد رعاياكي المخلصين، أن أهديكي ماسة كوهينور يا صاحبة السيادة".
وكتب المؤلفان: "وبعد فترة وجيزة، دأبت فيكتوريا على ارتداء ماسة كوهينور في كثيرٍ من الأحيان بشكلٍ واضح".
وتَجعل مِثل تلك الروايات دماء الهنود تًغلي، لكن يُصر كلٌ من دالريمبل وأناند أن تأريخهما لما حدث لا يدعم بشكلٍ حاسم ادِّعاءات الهند بشأن الماسة، ولا يُجيز كذلك الطريقة التي أصبحت بها الجوهرة في حيازة بريطانيا. وقال دالريمبل: "نحن لا نصل (في الكتاب) إلى استنتاج ما. لكننا نُوضح الدلائل".
وترجع أصول كل الماسات في العالم قبل عشرينات القرن الثامن عشر إلى الهند، لذلك فأصول كوهينور الجغرافية ليست محل نزاع. لكن يقول دالريمبل: "لكن، بعد قول ذلك، فقد انتقلت الماسة بين مالكيها بشكلٍ عنيف في كل مرحلة تقريباً".
وأضاف: "عندما نتعامل مع الأشياء التي نهبها النازيون في أربعينات القرن الماضي، لم يكن هناك شك بأنَّ أي شخصٍ نزيه سيعيدها إلى أصحابها. ما المختلف إذاً بين ما نهبه النازيون وما نُهِب في أربعينات القرن الثامن عشر؟ لا أعلم فعلاً".
ووصف الماسة بأنَّها "أداة مهمة في توضيح موقفنا من الاستعمار"، وأنَّها أداة تكتسب أهمية أكبر في الوقت الحالي، الذي تحاول المملكة المتحدة فيها تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع مستعمراتها السابقة في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد دالريمبل في نهاية المطاف أنَّ الجدل المستمر حول الماسة هو "جرح ألحقه البريطانيون بأنفسهم".
وقال إنَّ البريطانيين "حوّلوها عن وعي إلى رمزٍ لما نهبته الإمبراطورية"، حين قدموا الجوهرة باعتبارها رمزاً لغزو بريطانيا للهند، وذلك في المعرض الكبير الذي أقاموه بلندن عام 1851 وحضره ثلث سكان بريطانيا.
وهكذا تبقى الماسة محاطةً بالكثير من الجدل، في حين تجنبت أحجارٌ كريمة هندية أُخرى، وربما كان بعضها أكثر إثارة للإعجاب، من تدقيقٍ مماثل، مثل ماسة المغولي الأكبر، التي يعتقد البعض الآن أنَّها ماسة أورلوف الموجودة في الكرملين. وقد تكون الدقائق المعدودة التي قضاها دولييب سينغ حاملاً كوهينور في القصر عام 1854 هي المرة الأخيرة التي سيقترب فيها أي هندي من الماسة إلى ذلك الحد.
وتجاوز بعض الهنود الأمر بالفعل. فقد اعترف النائب الهندي والمؤرخ شاشي ثارور في كتابه الذي أصدره العام الماضي بأنَّه من المرجح أنَّ كوهينور لن تعود مرة أخرى إلى الهند. وفي مقابلها قدم ثارور طلباً آخر: اعتذاراً بريطانياً، وملايين الجنيهات كتعويضٍ عن استعمار الهند.