قال عددٌ من أعضاء البرلمان البريطاني ورؤساء الجامعات البريطانية، إنَّه يجب تفتيش الطلاب بشكلٍ دقيق قبل دخولهم الاختبارات على غرار عمليات التفتيش الأمنية في المطارات، وذلك وسط المخاوف من تزايد أعداد الطلاب الذين يمارسون الغش في الامتحانات باستخدام أجهزة صغيرة توضع داخل الأُذُن.
ويأتي هذا بعد أن ظهرت بياناتٌ رسمية للمرةِ الأولى توضح أنَّ "تقنيات الغش" في تزايد، إذ ضُبِطَ مئات الطلاب وفي حوزتهم أجهزة تكنولوجية صغيرة أثناء الاختبارات لاستخدامها في الغش.
وحَذَّر الخبراء من أنَّ هذه الأعداد على الأغلب هي مجرد غيض من فيض، وأنَّ أعداد الطلاب الذين يغشون في الاختبارات من المرجح أن تكون أعلى من ذلك بكثير، لأنَّ كشفهم أصبح أمراً "صعباً للغاية" حسب تقرير لصحيفة "التليغراف" البريطانية.
تقنيات عالية
وكان تحقيقٌ لصحيفة "الصنداي تليغراف" البريطانية، قد كشف عرض سماعات أذن صغيرة عالية التقنية للبيع للطلاب البريطانيين على موقعي إيباي وأمازون، ضمن قوائم تحتوي على كلمات: "Exam Cheat"، أو الغش في الامتحانات.
وبعد انكشاف الأمر، قال المسؤولون عن موقع إيباي إنَّهم يعملون حالياً على سحب تلك المنتجات وإلغاء القوائم التي تحتوي عليها. بينما أكدت إدارة موقع أمازون أنَّها كانت على علمٍ ببيع تلك الأجهزة على الموقع، ولكنَّها رفضت إعلان ما إن كانت ستحذف تلك المنتجات أم لا.
وتتراوح أسعار أجهزة الغش الإلكترونية بين أقل من 50 جنيهاً إسترلينياً إلى 350 جنيهاً إسترلينياً للنماذج الأكثر تطوراً.
كما تأتي النسخ الأخيرة من هذه الأجهزة مصحوبة بمكبر صوت، حجمه أصغر من حبة الأرز، ويوضع داخل الأذن، ويتصل لاسلكياً بجهاز مثل الهاتف، يمكن من خلاله تشغيل أي تسجيلٍ صوتي.
وتُستَخدَم الأسلاك وأجهزة الاستشعار لربط مكبر الصوت بقدم الطالب، مما يتيح له تسريع أو إعادة تشغيل التسجيلات من خلال حركات بسيطة بأصابع القدم.
ومن جانبه، نادى نيل كارمايكل، النائب بالبرلمان البريطاني ورئيس اللجنة البرلمانية المختصة بالتعليم، الحكومة بإقامة "أماكن تفتيش عشوائية" وتطبيق إجراءات تكنولوجية مضادة لمحاربة موجة الغش باستخدام التكنولوجيا.
وقال نيل لإحدى الصحف: "الأمر مُخيف، ولكنَّني لستُ متأكداً من أن التعامل مع عددٍ معين من منافذ بيع تلك المنتجات سيكون مجدياً لحل هذه المشكلة. نحن بحاجة إلى حل شامل، وأنا أقول إنَّنا يجب أن نفكر في تكنولوجيا مضادة وأماكن تفتيش عشوائية".
وتابع: "تيار الغش هذا من شأنه أن يهدد بتقويض نظام الاختبارات في بريطانيا إذا تُرك الأمر دون مواجهة. وأعتقد أنَّ الحكومة يجب أن تتخذ إجراءً في هذا الأمر، لأننا رأينا أنَّ حجم الغش يتزايد بشكلٍ كبير".
وقالت جوليا بلاك، المديرة بكلية لندن للاقتصاد، إنَّ اكتشاف حالات الغش في الاختبارات هو أمرٌ "صعب للغاية" بالنسبة للسلطات الجامعية، مُضيفةً أنَّها تشعر "باليأس" حيال فكرة أن الطلاب قد يستخدمون أجهزةً توضع داخل الأذن.
ونادت جوليا الجامعات "بفعل كل ما يلزم" لحماية نزاهة الاختبارات، حتى وإن كان هذا يعني استخدام طرق "تطفلية" أكثر لتفتيش الطلاب.
تفتيش المطارات
واقترحت البارونة أليسون وولف، أستاذة التعليم في كلية كينغز بلندن، أنَّ الجامعات تحتاج إلى تحديث إجراءات تفتيش الطلاب، وقد تكون بحاجة إلى النظر في تركيب أجهزة كشف عن المعادن مشابهة للأجهزة المستخدمة في المطارات.
وقالت أليسون: "إذا طُبِّقَت هذه الإجراءات على نطاقٍ واسع، سيكون على الطلاب الوقوف في طابور لساعات للدخول إلى قاعات الاختبارات. يمكن أن ينتهي بنا الأمر إلى ذلك. ولكن تكلفة ذلك ستكون ضخمة".
وأظهرت البيانات، التي كُشِفَت بموجب قانون حرية المعلومات في بريطانيا، والذي يعطي الحق لأي شخص في طلب الاطلاع على المعلومات الحكومية، ارتفاعاً بنسبة 42% في حالات الغش باستخدام التكنولوجيا على مدار السنوات الأربع الماضية. وارتفعت هذه النسبة من 148 حالة عام 2012 إلى 210 حالات عام 2016.
ربع الطلاب
وفي عام 2016، بلغ عدد الطلاب الذين يستخدمون أجهزةً إلكترونية للغش 25% من إجمالي عدد الطلاب.
ومن المحتمل أن يصبح الغش في الاختبارات جريمة جنائية قريباً، إذ تجري المناقشات حالياً بين وزارة التعليم وبين الجامعات حول كيفية قمع الطلاب الذين يقومون بمثل تلك المخالفات.
كما تنظر وزارة التعليم في عددٍ من المقترحات مع هيئات التعليم العالي، تتضمن الغرامات المالية، وإدراج الطلاب في قوائم أكاديمية سوداء، وإدراج الغش في سجلات الطلاب الجنائية.
وقال النائب البرلماني ماثيو وارمان، العضو في اللجنة البرلمانية المختصة بالتكنولوجيا في بريطانيا، إنَّ الأزمة قد تحتاج إلى تحقيقٍ أشمل وتوجيهاتٍ من الحكومة المركزية، مُضيفاً أنَّ "الجامعات ستحتاج مع الوقت إلى تجاوز البرامج الأساسية التي تستخدمها للتأكد من أنَّ تلك الأدوات لا يتم تهريبها لخداع النظام".
بينما وَصَفَ النائب المحافظ تيم لوتون هذه الظاهرة "بالصادمة"، وحث الحكومة على اتخاذ خطوات لإيقاف استخدام الأجهزة التي توضع داخل الأذن، وأضاف، "سيكون وضعاً مُحزناً أن نضطر لتفتيش آذان الطلاب، وهذا ربما ما نحتاجه بالفعل".
وقال النائب البرلماني إيان أوستن، وهو عضو في اللجنة البرلمانية المختصة بالتعليم، إنَّ "تحقيق صحيفة تليغراف أثار أسئلةً مثيرة للقلق، ويجب على الجامعات أن تتصرف. يجب أن يجدوا طرقاً للتفتيش قبل الاختبارات لمنع الطلاب من استخدام التكنولوجيا الحديثة للغش. فمن غير المقبول أن يتفوق بعض الطلاب على أقرانهم بشكلٍ غير عادل من خلال التسلل إلى قاعات الامتحانات ومعهم أدوات تسمح لهم بالغش".
تزوير الأبحاث
ومن جانبه، قال جو جونسون، وزير الجامعات البريطاني، إنَّ "الغش أمر غير مقبول ويقوض المعايير والتقاليد في جامعاتنا. ونحن بالفعل نطالب بعقوباتٍ صارمة على استخدام المواقع التي تساعد الطلاب على تزوير أبحاثهم الأكاديمية مقابل المال، ونتوقع أن يكون لدى الجامعات سياسات وعقوبات واضحة للتعامل مع الغش من أي نوع".
وقال المتحدث الرسمي باسم موقع إيباي: "نحن نعمل مع الشرطة والجهات التنظيمية للتأكد من أن جميع قوائمنا تتوافق مع القانون. وهناك إجراءات لمنع مثل هذه القوائم، كما أننا نراقب السوق لدينا باستمرار لمنع إدراج المنتجات التي تتعارض مع سياساتنا".
وإضافةً إلى السماعات الصغيرة عالية التقنية، كشف التحقيق عن وجود أدوات أخرى للغش متاحة للشراء عبر الإنترنت.
وتتضمن هذه الأجهزة:
– ساعات ذكية، وهي ساعات مزودة ببرامج تتيح للمستخدم تخزين ملاحظات الاختبار وعرضها على الشاشة، إضافةً إلى "زر الطوارئ" الذي يغير شاشة العرض مرة أخرى إلى الساعة العادية.
– آلة حاسبة خاصة بالاختبارات، يمكن استخدامها أيضاً كمُشغل فيديو صغير أو قارئ للكلمات، الأمر الذي يسمح للطلاب بتشغيل لقطات فيديو أو قراءة الملاحظات أثناء أداء اختبارات الرياضيات والعلوم.
– أقلام للغش، وهي أقلام بها جزء بلاستيكي يسمح للطالب بتخزين ما يصل إلى نصف صفحة بشكلٍ حلزوني داخل القلم، ويقوم الطالب بتحريك الورقة إلى الوراء وإلى الأمام من أجل عرض المُلاحظات من خلال جزء شفاف في غلاف الجهاز.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Telegraph البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.