غيَّرت وزارة التربية الوطنية بالمغرب، خلال الموسم الدراسي الجاري 2016-2017، بشكل جزئي، المناهجَ الدراسية، وشمل التغيير مواد "التربية الإسلامية"، إلا أن الأمر أثار الجدل، خصوصاً بعدما قرَّرت الوزارة تغيير اسم مادة "التربية الإسلامية" إلى "التربية الدينية".
هذا التغيير ليس هو الأول الذي يطال المناهج الدراسية، إذ استمر الأمر منذ الاستقلال، غير أن الأمر يعتبر مصدر توجس للأوساط السياسية والمجتمعية، ويعتبرون أن القائمين على التغيير يعتمدون خلفيات سياسية وأيديولوجية؛ مما يجعل "التلميذ هو الضحية الأولى"، بينما تقول السلطات إن هدفها الأول هو تطوير المدرسة المغربية، وتحديث البرامج الدراسية لتتلاءم والمتغيرات الدولية.
شبكة زدني للتعليم قامت بتحقيق استقصائي حول موضوع "تغيير المناهج التعليمية بالمغرب"، وحاولت الإجابة عن عدد من الأسئلة المرتبطة بالموضوع، منها "كيف تعاملت السلطات الوصية على التعليم بالمغرب مع قضية المناهج؟"، و"ما أبرز الإصلاحات التي شملت المناهج بالمملكة؟ ما دواعيها ومآلها؟"، ثم "هل تتأثر قضية المناهج بالخلفيات السياسية والأيديولوجية؟"، و"أي مردودية لتغيير المناهج على مخرجات التعليم بالمغرب؟"، ثم "هل يتحسن الوضع التعليمي المغربي بفعل الإصلاحات؟".
سؤال المردودية
تشير دراسة للمندوبية السامية للتخطيط (المؤسسة الرسمية المكلفة بالإحصاء في البلاد) إلى أن "مردودية الاستثمار في التربية، في ظل المنظومة التعليمية الحالية، لا تواكب الارتفاع الحاصل في النفقات العمومية في هذا المجال"، وأوضحت الدراسة أن "وتيرة تطور مؤشرات النتائج في مجال التربية والتكوين بين 1999 و2013، تظل أقل بكثير من وتيرة تطور مؤشرات المدخلات، مثل النفقات العمومية ونفقات الأسر".
وتؤكد المندوبية، حسب شبكة زدني، أن الاستثمار في التربية والتكوين "له آثار، ليس فقط على دخل الأفراد وفرص إدماجهم المهني، بل يُسهم أيضاً بشكل كبير في تطوير أبعاد أخرى للتماسك الاجتماعي، مثل الحركية الاجتماعية والتعليمية والإنصاف وتكافؤ الفرص".
وسجلت المؤسسة الحكومية المغربية "تضاعف الميزانية المخصصة لقطاع التعليم العمومي تقريباً ثلاث مرات، بين 1999 و2013" واستثنت قائلة: "إلا أن هذا الارتفاع في نفقات التربية لم يواكبه تطور مماثل في عدد المتمدرسين الذي تضاعف 1.4 مرة بين 1999 و2013، وهذا يعني أن التكلفة التربوية للتلميذ قد ازدادت بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة، حيث تضاعفت أكثر من مرتين (2.4 مرة)، منتقلة من 5088 إلى 12062 درهماً للتلميذ الواحد سنويّاً".
تاريخ الإصلاح
طلاب مغاربة مع مدرسهم بإحدى المدارس بمدينة سلا سنوات الخمسينيات
لا تكاد تخلو محطة من محطات تاريخ المغرب منذ سنة 1956، من الحديث عن إصلاح التعليم، ويرى البعض أن تعدد الإصلاحات التي شهدها المغرب في المناهج التعليمية، يؤشر على وجود "أزمة"، و"فشل السياسات التعليمية المتعاقبة على المنظومة التربوية، في وضع منهج تربوي قادر على الرقي بالوضع التعليمي بالمملكة".
واستعرضت شبكة زدني المتخصصة في تحقيقها، ثلاث فترات زمنية شهدت تطورات كبيرة على مستوى المناهج التعليمية بالبلد، وتشمل:
الأولى انطلقت مع حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، واستمرت حتى سنة 1999، وتميزت بتنظيم مناظرات وإعداد مخططات للإصلاح، سعت إلى تنزيل المبادِئ الأربعة للإصلاح، وهي "تعميم التعليم، توحيد التعليم، مغربة التعليم (الأطر)، وتعريب التعليم".
أما المرحلة الثانية، وتسمى بـ"عشرية التعليم"، "1999–2009″، فقد سعت إلى إخراج المنظومة التعليمية من المأزِق الذي وصلَت إليه، وتم إقرار الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013.
بينما تتعلق المرحلة الأخيرة بـ"المخطط الاستعجالي"، "2009-2012" الذي استهدف تدارك نقائص وتعثرات الترجمة العملية لبنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين على أرض الواقع.
إصلاح "1957"
وبعد حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، كان البلد في أمس الحاجة لإرساء دعائم الدولة الحديثة، وفي غياب أطر مغربية لرفع التحديات في مختلف المجالات، شكَّل النظام التعليمي أحد المحاور الاستراتيجية التي كان ينبغي على الدولة أن تلازمه بالتخطيط الناجع.
وبعد سنة فقط من حصول البلد على استقلاله، شكَّل الملك الراحل محمد الخامس "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم"، التي أقرت رسميّاً المبادئ الأربعة التي رفعت غداة الاستقلال: تعميم التعليم وتوحيده وتعريبه ومغربة الأطر.
وخلال الموسم الدراسي 1957-1958، تم فتح باب التسجيل للتمدرس لأكبر عدد من الأطفال، وانتقل عدد التلاميذ من حوالي 136 ألفاً إلى 200 ألف خلال سنة دراسية واحدة، وقدمت اللجنة الملكية للإصلاح تقريرها الذي أوصى بالتوحيد وبالاستمرار في مغربة الأطر، وتضمَّن التقرير توصية بجعل سنة 1963 أفقاً لتعميم التعليم على البالغين سن السابعة، واقترح أيضاً سلكاً للإنقاذ يتم من خلاله تعليم الأطفال الذين تجاوزوا سن السابعة (من 7 إلى 14 عاماً) عبر برنامج خاص.
إصلاح "1958"
تلميذات بثانوية الخنساء بالدار البيضاء سنة 1957
وخلال سنة 1958، تم تشكيل لجنة ملكية لإصلاح التعليم بالمغرب، خلصت إلى "التشبث بمبدأ التعريب"، و"العودة إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية ابتداءً من القسم التحضيري"، وأقرت "التسجيل ابتداءً من السنة السادسة بدل الخامسة"، واعتمدت مخططاً لـ"تكوين مدرسي التعليم الابتدائي" بعدما ارتفع عدد المدرسين الجدد بـ6500 خلال الموسم الدراسي 1956-1957، وذلك بقبول توظيف أي شخص يستطيع القراءة والكتابة سواء باللغة العربية أو بالفرنسية، وفتح المجال لأئمة المساجد وخريجي المدارس العتيقة.
التصميم الخماسي (1964-1960)
مع بداية العقد السادس من القرن الماضي، أقرت (اللجنة المكلفة بإعداد مخطط التعليم)، التصميم الخماسي الأول، "1960-1964″، وفي إطاره تم اقتراح تعميم التعليم على البالغين 7 سنوات في أجل نهاية سنة 1963، وأصبح منذ تلك السنة الالتحاق بالمدرسة إجباريّاً بالنسبة لتلاميذ المغرب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و13 سنة، كما تم خلال السنة نفسها تعريب جميع المواد الدراسية في السنتين الأوليين من التعليم الابتدائي، بينما تم الإبقاء على الفرنسية لغةً لتدريس الرياضيات والعلوم في المرحلتين الابتدائية والثانوية. ومكن التصميم الخماسي من رفع نسبة التمدرس من 38 بالمائة إلى 76 بالمائة، و"الاحتفاظ بالمستوى الكيفي للتعليم".
ونظمت خلال سنة 1964 مناظرة المعمورة التي خصصت لموضوع التعريب والازدواجية، وخلصت إلى "التأكيد على مبادئ التعريب، والتوحيد، والمغربة، والتعميم"، و"ضرورة الاستمرار في التعريب لجميع الأقسام في الابتدائي مع الاحتفاظ بالفرنسية في القسم 3 ابتدائي".
وأسفر تنفيذ المخطط عن تطور ملحوظ من حيث عدد المتمدرسين، وانتقلت من 300 ألف سنة 1956 إلى مليون و300 ألف سنة 1964.
مذكرة "أغسطس" 1965
منتصف الستينات حيث يظهر تلاميذ بإحدى مدارس طنجة في مظهر أنيق
في أغسطس 1965 صدرت مذكرة عن الديوان الملكي، توصلت لها المنظمات السياسية والنقابية، وصفت ما تم إنجازه بخصوص التعليم بالمغرب إلى حدود 1965، بأنه "اتسم بالتسرع والارتجال"، وقالت إن "ارتفاع عدد التلاميذ يمثل مشكلة كبيرة للدولة". وتحدثت المذكرة عن الإنفاق الذي سيتزايد على التعليم، بتزايد أعداد المتمدرسين، واتخذت قراراً بألا يتجاوز عدد التلاميذ الموجودين في المدارس الابتدائية حوالي مليون و564 ألفاً خلال السنوات العشر الموالية (1965-1975). وفي 16 أبريل/نيسان 1966، عقد محمد بنهيمة، وزير التعليم المغربي آنذاك ندوة صحفية، أعلن فيها عن إجراءات لتفعيل مقترحات المذكرة الملكية، وهو ما اصطلح عليه آنذاك بـ"المذهب الجديد للتعليم".
المناظرات الثلاث
ثانوية ابن سينا بمدينة بني ملال 1966-1967
شهد المغرب خلال القرن الماضي، تنظيم ثلاث مناظرات تخصُّ قضية المناهج، وذلك في إطار الإصلاحات التي باشرتها السلطات المختصة لإصلاح التعليم، أولى هذه المناظرات سميت بمناظرة "المعمورة" ونظمت بالقرب من مدينة سلا المغربية يوم 14 أبريل/نيسان 1964، أهم ما ميزها هو "الدعوة إلى تطوير آليات ثوابت الإصلاح"، أي المبادئ الأربعة "المغربة، والتعريب، والتوحيد، والتعميم".
وبعد ست سنوات، احتضنت مدينة إفران مناظرة أخرى، بالإضافة إلى "تأكيدها على المبادئ الأربعة"، ناقشت لأول مرة "بحث سبل تطوير التعليم العالي، والاهتمام بالتكوين المهني". وبعد عقد من الزمن، أي خلال سنة 1980، احتضنت مدينة إفران مناظرتها الثانية، وبحثت سبل "تقدم مسلسل التعريب ومغربة الأطر، على الرغم من المشاكل المادية التي كان يجتازها المغرب في تلك الفترة".
المخطط الخماسي (1981-1985)
بعدما بلغت نسبة التمدرس سنة 1956، نسبة 17 بالمائة، انتقلت خلال عشر سنوات إلى 47 بالمائة سنة 1965، قبل أن تتراجع النسبة إلى 33 بالمائة سنة 1975، وهو ما يدل على أن 67 بالمائة من التلاميذ المغاربة البالغين سن التمدرس ما بين (7 و14 سنة) لم يجدوا مقعداً داخل الفصول الدراسية خلال السبعينيات.
وجاء إصلاح 1985 على ضوء النتائج التي تم تحقيقها عقب الإصلاحات المتعاقبة، وذلك في سياق برنامج التقويم الهيكلي للاقتصاد الوطني، واهتم الإصلاح الجديد بالجانب النوعي للتعليم الوطني.
وسعت الإجراءات الجديدة لسنة 1985، التي تم تضمينها في مخطط التعليم الأساسي بتسع سنوات، والثانوي بثلاث سنوات، إلى الانتقال الآلي للتلاميذ، وتجاوز شرط المعدل قصد ولوج القسم الموالي، كما عمل المخطط على الحد من ولوج التعليم العالي، ونصَّ على توجيه 20 بالمائة من التلاميذ نهاية السلك الأول (الابتدائي) إلى التكوين المهني، وتوجيه 40 بالمائة إلى السلك الثاني (الإعدادي). ونص أيضاً على توجيه 40 بالمائة من تلاميذ السلك الإعدادي إلى التعليم الثانوي، وتوجيه 40 بالمائة للتكوين المهني.
الميثاق الوطني (2000-2010)
مع مطلع العشرية الأولى للقرن الحادي والعشرين تم الإعلان عن أول إصلاح للمناهج التعليمية بالمغرب في عهد الملك محمد السادس، وهو الميثاق الذي صُمم على قسمين رئيسين، تضمن القسم الأول المبادئ الأساسية التي تضم المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين، والغايات الكبرى المتوخاة منه، وحقوق وواجبات كل الشركاء والتعبئة الوطنية لإنجاح الإصلاح.
أما القسم الثاني فيحتوي على ستة مجالات للتجديد، موزعة على 19 دعامة للتغيير، ويضم ستة مجالات، وهي "نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي" و"التنظيم البيداغوجي" و"الرفع من جودة التربية والتكوين" ثم "الموارد البشرية" وكذا "التسيير والتدبير" وأخيراً "الشراكة والتمويل".
واعتبرت وزارة التربية الوطنية من خلال الميثاق، أن "إصلاح نظام التربية والتكوين" يعد "عملاً متكاملاً لا يقبل التجزئة ولا البتر، ويتطلب مجهوداً حازماً طويل النفس، ولا يقبل التسويف أو التعثر"، وشدَّدت على أنه "في إطار التعبئة الشاملة المعلن عنها، وعلى امتداد العشرية الوطنية للتربية والتكوين، تقوم جميع السلطات العمومية، وعلى الأخص منها سلطات التربية والتكوين المركزية والجهوية والإقليمية والمحلية بالمتابعة عن كثب لتحقيق مواد هذا الميثاق، وذلك بالتنفيذ الفوري للإجراءات التي نصَّ الميثاق على تطبيقها في أفق الدخول المدرسي لسبتمبر 2000″، وبـ"اعتماد النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة، طبقاً لروح الميثاق ونصه، ومنحها الأسبقية في التداول والمصادقة والتنفيذ، وتسريع المساطر المتبعة في هذا الشأن، ولاسيما إعداد مشروع قانون إطار يتضمن الأهداف والمبادئ والإجراءات العامة التي ينص عليها الميثاق"، وكذا بـ"تعبئة كل الأطر الإدارية والتربوية في جميع الإدارات المختصة، على المستويات اللامركزية واللامتمركزة، لتدقيق مختلف دعامات الميثاق وتنفيذها".
البرنامج الاستعجالي (2012-2009)
ومرَّت عشرية التعليم سريعة، وجاء الاعتراف مجدداً بفشل ميثاق التربية والتكوين الذي سعى إلى إصلاح المناهج والمنظومة التربوية خلال 10 سنوات، واعترف تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين (مؤسسة حكومية أنشئت بمقتضى نص الدستور) بفشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وقال رئيس المجلس خلال ندوة صحفية، إن "الفشل يعكس خطورة الوضع بالمنظومة التعليمية، ويستوجب القيام بتشخيص دقيق، قصد الوصول إلى أسباب الاختلالات، بغية بلورة تصور شامل لكيفية حل هذا الوضع".
فتم مجدداً الإعلان أواخر العشرية الماضية عن برنامج جديد لتدارك فشل برنامج الإصلاح السابق، وأُعلن عن البرنامج الاستعجالي (2009-2012) الذي رصدت له ميزانية 45 مليار درهم مغربي لتنفيذه، وذلك بهدف "استدراك التأخر المسجل في تطبيق الميثاق الوطني من خلال مشاريع محددة".
لماذا الفشل؟
يرى خالد الصمدي، مستشار رئيس الحكومة المغربية للتربية والتعليم والبحث العلمي، ورئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية، في تصريح لزدني، أن مشاريع إصلاح مناهج التعليم بالمغرب لم تنجح لعدة أسباب، وقال: "لم تنجح لعدم الحسم في اختيار غايات إصلاح المنظومة التربوية وتحديدها، ويتجلى ذلك في تنازع الهوية والتنمية في كل مشاريع الإصلاح منذ الاستقلال واستمرار الحاجة إلى نموذج يجمع بينهما"، كما لم تفلح لوجود "نظرة جزئية للإصلاح، باختيار أولويات معينة، كإصلاح البرامج فقط أو الكتب المدرسية أو الاهتمام بوضعية الفاعلين، وما سوى ذلك من الملفات التي لا يمكن أن تكتفي بذاتها، وتستند على غيرها لأنها مؤثرة ومتأثرة"، وزاد الدكتور خالد الصمدي قائلاً: "هناك أيضاً ضعف التكوين الأساسي المستمر للفاعلين في المستجدات التربوية، ولا أقصد هنا المدرسين فقط، بل أقصد التكوين في كل مهن التربية والتكوين".
بالإضافة إلى "ضعف البنيات التحتية والتجهيزات، مما تسبب في ظاهرة الاكتظاظ التي تفوق نسبة التأطير الكلية بالضعف تقريباً، وقد أثر ذلك على جودة التعلم، ومن ثم حصول المتعلمين على الكفايات الأساسية اللازمة، مما جعل المغرب يتأخر في التصنيفات الدولية ما بين سنتي 2009 و2015″، وأخيراً يذكر مستشار رئيس الحكومة المغربية في الشؤون التربوية والتعليمية، أشار إلى "طغيان التدبير المركزي، وضعف تثمين المبادرات المبدعة والمبتكرة للمدرسين، في إطار مشروع المؤسسة الذي ينبغي أن يكون".
القضية معقدة
وقالت أمينة ماء العينين، الفاعلة التربوية، وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين (وهي مؤسسة حكومية)، لشبكة زدني، إن "قضية المناهج التعليمية قضية معقدة، وهي في الحقيقة أساس الإصلاح؛ لأنها تتضمن البرامج والمقررات الدراسية والمقاربات البيداغوجية وأنظمة الدعم والتقويم والهندسة التربوية وغيرها"، تضيف ماء العينين في مقابلة معنا: "يمكن القول إن الإصلاحات المتتالية لمنظومة التربية والتكوين، والتي آلت كلها للأسف الشديد للفشل الواضح، لم تنصبّ على معالجة إشكالية المناهج بالبعد الاستراتيجي المطلوب، بل اعتمدت دائماً مقاربات تجزيئية ارتجالية في معظمها، ولنا فيما حدث مؤخراً مع مراجعة برامج ومقررات التربية الإسلامية أبلغ مثال، فضلاً عن تعمد عدم تفعيل اللجنة الوطنية للمناهج والبرامج، وهي آلية مستقلة أوصت بإخراجها الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المنظومة، التي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين".
الإرادة السياسية
وتؤكد عضوة المجلس الأعلى للتربية والتعليم، أن "كل إصلاح مرتبط ضرورة بالإرادة السياسية التي تضمن جديته ونجاعته"، تضيف المتحدثة: "في المغرب لا أتصور أن هناك غياباً للإرادة السياسية بقدر ما يوجد افتقار مزمن للرؤية المؤطرة للإصلاح، هناك اختلافات شاسعة في تصور كل طرف للإصلاح"، وتشدد ماء العينين على أن "منظور الإصلاح يختلف باختلاف التوجهات والمرجعيات والمصالح كذلك"، وقالت أيضاً: "علينا الاعتراف بذلك؛ لأن إصلاح التعليم إصلاح هيكلي سيهدد -لو تم حقيقة- مصالح عديدة ومواقع نفوذ عديدة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي".
التأثر بالأيديولوجية
في جوابها عن سؤال تأثر مشاريع الإصلاح بالخلفيات السياسية والأيديولوجية، تقول آمنة ماء العينين لنفس المصدر: "بالتأكيد يتأثر كل إصلاح تعليمي في أي بلد في العالم بأيديولوجية ومرجعية الفاعلين، هو ليس إصلاحاً تقنيّاً بسيطاً، بل هو إصلاح مجتمعي مركب تتحدد من خلاله ملامح المجتمع الذي نريد، كما يحدد مواصفات المعلم الذي نريد، ومنه مواطن الغد"، وتضيف المتحدثة: "فالمشاريع المجتمعية المتقاطعة والمتناقضة تعبِّر عن نفسها أكثر حينما يتعلق النقاش بالمسألة التعليمية، وهو أمر عادي ومشروع؛ فتدبير الاختلاف بآليات ديمقراطية هو الإشكال".
آخر الإصلاحات
وشرع المغرب في تنفيذ الرؤية الجديدة لإصلاح مناهج التعليم في المملكة، الرؤية الاستراتيجية (2015-2030)، وهي الرؤية التي أعدها المجلس الأعلى للتعليم والتربية والتكوين، وسيتم تنزيلها بعد إقرار الحكومة المغربية قانوناً يعرض الرؤية، قصد المصادقة عليها بالبرلمان المغربي.
وحدَّدت الوزارة الوصية على قطاع التعليم بالبلد "خارطة طريق استشرافية للتنزيل الأنجع لمشاريع الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم بالمغرب"، وأوضحت أنها "اعتمدت على منهجية العمل وآليات تنفيذها وتتبعها، والأهداف والنتائج المنتظرة، عبر تأطير عملي وميزانياتي يحدد كلفتها ومؤشراتها، وعبر خمسة مخططات عمل، يمتد كل منها على ثلاث سنوات، ستمكن من الأجرة المتدرجة لهذه المشاريع".
وفي تفاصيل الإجراءات الجديدة، حدَّدت الوزارة أربعة مستلزمات أساسية للتنزيل، وهي: "تقوية القدرات التدبيرية للموارد البشرية عبر التكوين"، ثم "تطوير آليات ومساطر التدبير"، وكذا "ترسيخ الواجب المهني والارتقاء بالتواصل المؤسساتي الداخلي والخارجي"، وأخيراً "التعبئة المجتمعية الضامنة لتملك مضامين ومتطلبات الإصلاح".
ويرتقب أن تعمل وزارة التربية الوطنية بالمملكة، خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2017، على اعتماد "سيرورة تدريجية مبنية على 6 مراحل أساسية، ستهتم بوضع اللمسات الأخيرة على عملية إرساء البنيات المركزية والجهوية والإقليمية لتدبير هذه المشاريع في المرحلة الأولى"، وستخصص المرحلة الثانية لـ"استكمال بلورة المشاريع وتيسير تملكها من قِبَل كل الفاعلين بجميع مستويات المنظومة". أما المرحلة الثالثة فستعرف "إعداد التأطير العملي للمشاريع على المستوى الجهوي والإقليمي والمخططات الجهوية والإقليمية، تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجهوية والمحلية، وكذلك التوجهات الاستراتيجية والمرجعية للمشاريع".
وستعمل الوزارة خلال المرحلة الرابعة، على "إرساء آليات التعاقد حول هذه المشاريع بين الأكاديميات والمديريات الإقليمية التابعة لها من جهة، وبين الإدارة المركزية والأكاديميات من جهة أخرى"، وأخيراً سترتكز المرحلة الخامسة على "إرساء وحدات معلوماتية لتتبع المشاريع وتيسير المعلومات المتعلقة بتقدمها".