قفز الولد، ذو الخامسة عشرة من عمره، من فوق برج تايم سكوير للتسوق في منطقة خليج كوزواي بمدينة هونغ كونغ. وقبل انتحاره بأيام، أخبر والديه بأنه غير سعيد بالمدرسة.
خلال الشهر الحالي، أنهى خمسة طلاب على الأقل حياتهم في هونغ كونغ. وتمكنت السلطات من إثناء طالبةٍ أخرى عن الانتحار. قالت لعائلتها إن ضغوط المدرسة كثيرةٌ للغاية لدرجةٍ يُصعب احتمالها. إنها في الـ12 عشر من عمرها.
تأتي حالات الانتحار الأخيرة ضمن أحدث موجات انتحارٍ للطلاب في هونغ كونغ. فعلى مدار العام 2016، أنهى 35 طالباً حياتهم، أحدهم لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره. ووفقاً لمركز بحوث الانتحار والوقاية منها، التابع لجامعة هونغ كونغ، بلغ متوسط حالات الانتحار بين الطلاب سنوياً في مدينة هونغ كونغ 23 حالة خلال الفترة من 2010 وحتى 2014.
ويتسم نظام التعليم في هونغ كونغ بالتنافسية الشديدة لدرجة جعلت الخبراء يشبهونه بوعاء الضغط الذي يطهي الطعام عن طريق ضغط البخار. يختبر نظام التقييم على المستوى الإقليم الحكومي الطلاب بصفةٍ دوريةٍ، بدءاً من الصف الثالث الابتدائي. وتُقيَّم المدارس بناءً على الدرجات التي يحرزها الطلاب.
ويُجبَر الطلاب على التنافس على أماكن محدودة في نظام التعليم الجامعي بالبلاد. وفي جلسة استماع لنظام التعليم التابع للإقليم، وصف طالب تجربة الذهاب إلى المدرسة كالذهاب إلى السجن. وقال تشان يو لينغ في جلسة الاستماع: "في الفصل الدراسي، لم يكن مسموحاً لي بالتحرك، أو شرب المياه، أو الأكل، أو الذهاب إلى الحمام، أو التحدث. يقضي المدرسون القليل من الوقت في الشرح، بينما نقضي معظم أوقاتنا في أداء اختباراتٍ وهمية".
وقال تشيونغ سيو تشونغ، وهو مدرِّس تاريخ في المرحلة الثانوية وعضو في اتحاد التعليم المهني بهونغ كونغ، لموقع Quartz الأميركي: "إن حالات الانتحار هي نتاجُ التأثيرِ التراكمي لنظام التعليم. فوفقاً لنظامِ التعليم هذا، يُقيَّم الطلاب كأسهم البورصة، والمعلمون كمديري صناديق الاستثمار الذين يحتاجون إلى رفع قيمة أسهمهم. كيف يمكن ألا يشعر الطلاب بالضغط؟".
يبدأ الأطفال حالياً الدراسة الجامعية في وقتٍ مبكرٍ بسبب تغيير نظام التعليم في 2012، إذ بات يُسمَح بإرسال الطلاب إلى الجامعة في سنٍ أقل من المعتاد لدخول الجامعة بعامٍ.
وعلَّق أحد الخبراء على هذا التغيير، إذ قال لصحيفة South China Morning Post الهونغ كونغية: "يدخل الطلاب الجامعة في عمر مبكر عن المعتاد. قد يكونون غير ناضجين وغير مؤهلين بشكلٍ كافٍ للتعامل مع التحديات في ظل غياب شبكة العلاقات المُقرَّبة منهم والتي كوَّنوها في المرحلة الثانوية".
كان عشرة طلاب، من بين الـ 22 طالباً الذين انتحروا منذ بداية السنة الدراسية، في الجامعة (بلغ متوسط عدد الطلاب الجامعيين المنتحرين سنوياً حالتين في الفترة من 2010 وحتى 2014).
ويقول الخبراء أيضاً إن الأطفال الصغار يقضون وقتاً أكثر من اللازم على شبكة الإنترنت. ويقول أستاذ علم النفس في الجامعة الصينية لي سينج لصحيفة South China Morning Post: "شبَّ هذا الجيل مع الإنترنت. ورغم أنهم باتوا متصلين أكثر ببعضهم البعض، فإنهم باتوا يشاهدون ما يتوافق مع ميولهم فقط. لذا، ربما لا يفهمون وجهات النظر المختلفة والمتشابكة المتعلقة بموضوعٍ ما. إذا شاهد أحدهم شيئاً ما لا يتوافق مع ذوقه، يستطيع ببساطة محو البعض من قائمة أصدقائه".
وربما ساهم قلة الوقت الذي يقضونه مع العائلة أيضاً في حدوث المشكلة، إذ أشار أحد الخبراء إلى أن كلا الوالدين، في معظم العائلات، يعملان خارج المنزل، ما يترك وقتاً قليلاً متاحاً للأطفال كي يقضوه مع عائلاتهم.
وتدخَّل مكتب تعليم هونغ كونغ لاتخاذ رد فعل. فقد أعلن عن إجراءات جديدة لمواجهة المشكلة، بما فيها تحسين الإرشاد الطلابي بالمدارس، وعقد المزيد من الحلقات الدراسية لتوعية المعلمين والآباء بالعلامات التحذيرية التي قد تنبئ بلجوء الأطفال إلى الانتحار، وتشكيل لجنة لدراسة حلولٍ طويلة الأجل.
وحالياً، يوجد على الأقل أخصائيٌ اجتماعيٌ واحد في معظم المدارس الثانوية. لكن كثافة الطلاب في معظم المدارس الثانوية تزيد عن الألف طالب، ما يحد من قدرة هؤلاء الموظفين على التفاعل مع كل طالبٍ على حدة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.