احتفلت بلدة برطلة العراقية المسيحية القديمة بأعياد الميلاد للمرة الأولى منذ أكثر من عامين أمس السبت 24 ديسمبر/كانون الأول، بعد أن تحررت مؤخراً من قبضة تنظيم داعش.
وأثارت عودة قُدَّاس عيد الميلاد عاطفة مسيحيي برطلة الذين كانوا قد نزحوا منها وأُجبروا على الفرار عندما سقطت بلدتهم في أيدي تنظيم داعش الإرهابي. وكانت المدينة قد حُررت من يد التنظيم في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
عاد المئات من المسيحيين إلى المدينة راكبين الحافلات في ليلةٍ رمادية ممطرة. وجاء معظمهم من مخيمات النازحين التي أقيمت في مدينة أربيل العراقية.
وتقع بلدة برطلة على بعد 20 كيلومتراً (12.5 ميل) شرق مدينة الموصل، معقل تنظيم داعش، حيث لا تزال قوات التحالف تقاتل الآلاف من المسلحين.
وبينما احتفل المُصَلُّون بالقداس، كانت العشرات من قوات الأمن العراقية والأميركية على أهبة الاستعداد لحماية المصلين بكنيسة مارت شموني التاريخية، التي طالتها أيدي التنظيم. وقال ضابط أمن يقوم بتفتيش السيارات عند إحدى نقاط التفتيش لمراسل شبكة سي إن إن الأميركية إن تنظيم داعش كان يُهدد بتنفيذ هجماتٍ في برطلة.
لا تزال آثار فترة حكم داعش واضحةً
على الرغم من أن المتطوعين عملوا لعدة أيام على ترميم الكنيسة، فإن آثار تنظيم داعش مازالت في كل مكان؛ على الجدران المحروقة، والكتب المتفحمة، والزجاج المحطم. وثقوب الرصاص تشوّه جدران الكنيسة، فضلاً عن تحطيم رأس وأيدي أحد التماثيل بها.
وخارج الكنيسة، توجد شجرة بلاستيكية كبيرة لعيد الميلاد يمكن التقاط صور شخصية أو صور جماعية تذكارية معها. الجو يفيض بالمشاعر.
هانيا نوح، مسيحية عراقية جاءت إلى مسقط رأسها مع المجموعة القادمة من أربيل، لم تتمكن من كبح دموعها وهي تخطو بقدميها داخل الكنيسة.
وقالت هانيا لشبكة "سي إن إن": "شعرتُ وكأنني فقدت أحد أفراد عائلتي عندما رأيت الكنيسة بهذا الشكل. هذه هي الكنيسة التي كنت أصلي فيها طيلة حياتي، لكِنِّي سعيدة بالعودة إليها مرة أخرى، وسعيدة كذلك لأنني هنا أحتفل بميلاد يسوع. أشعر وكأنني ولدت من جديد".
فرار عائلتها في منتصف الليل
في أغسطس/آب 2014، تركت هانيا البالغة من العمر 52 عاماً، وأطفالها الخمسة، منزلها مع تقدُّم مقاتلي تنظيم داعش نحو المدينة. وتقول هانيا: "كان الليل قد انتصف عندما فررت من برطلة وتركت كل شيء خلفي. اعتقدت أنه مجرد حلم مزعج وأنني سوف أستيقظ منه قريباً". هانيا وأولادها كانوا يعيشون في مخيمٍ مؤقت للنازحين في حي عنكاوا ذي الأغلبية المسيحية في أربيل منذ فرارهم من منزلهم.
وأضافت هانيا: "لا يمكننا أن نعيش هنا. انظروا حولكم، معظم المباني والمنازل مُدمّرة".
تحدثت هانيا بينما كانت تجلس بين المصلين. ردَّد المصلون الترانيم وأدُّوا الصلاة وهم يستمعون إلى كلمات المواساة من رئيس الأساقفة تيموثاوس الشماني، الذي أخبرهم قائلاً: "نحن عراقيون أصبحنا مشرّدين داخل بلدنا، نحن عراقيون يقاتلون بعضهم بعضاً، وعلينا أن نتقبل بعضنا البعض ونعيش في سلام".
كما قال المطران لاحقاً لشبكة "سي إن إن": "حتى داعش، الربّ علمَنا أن نحب أعداءنا ونغفر لهم وندعو لهم، الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لنا هو العيش في وئام وسلام".
صليب جديد بدلاً من الصليب الذي دمّره داعش
ألقى كاهن الكنيسة، الأب يعقوب السعدي، برسالةٍ أخرى أكثر تحدياً قال فيها: "نحن هنا لنتحدى أبناء الظلام، ولهذا السبب أقمنا هذا القُدَّاس هنا. الدواعش هم أبناء الظلام. هذه رسالة للعالم كله بأننا المسيحيين عنصرٌ لا يتجزأ من هذا البلد، وأننا باقون فيه".
بدأ المصلون يهللون ويصفقون أثناء حديث السعدي.
وفي زاويةٍ أخرى من الكنيسة، كان العديد من الجنود الأميركيين يحتفلون بعيد الميلاد، إذ حملوا الشموع وأدوا الصلاة. وفي نهاية القداس تم وضع صليبٍ جديد مكان الصليب الذي أسقطه التنظيم وأحرقه.
"بدون الأمل ننتهي"
وقال نوري يوناني، البالغ من العمر 76 عاماً، الذي عاش حياته كلها في برطلة قبل قدوم داعش، إنَّه لم يكن يصدق ما يحدث حينما استولى الإرهابيون على البلدة. وقال: "لم أكن أتصور أبداً حدوث هذا الأمر. لقد عشنا هنا لأكثر من 1000 سنة. لم يخطر ببالنا أبداً أن نُهجَّر من مدينتنا. لقد دمّروا بيوتنا، ولن نستطيع العودة".
وقال يوناني إنَّ منازله الثلاثة في البلدة دُمِّرَت أثناء القتال. وأضاف: "لا أشعر بأن العودة إلى هنا في أي وقتٍ قريب ستكون آمنة. لكني لا أريد أن أموت خارج بلدتي، حياتي كلها هنا".
وسافر يوناني مع ابنته من أربيل إلى برطلة للاحتفال بعيد الميلاد، حيث كانوا يعيشون كذلك في مخيمٍ مؤقت للنازحين.
وأضاف يوناني قائلاً: "أسقط تنظيم داعش الصليب وأشعل فيه النار، لكننا هنا مرة أخرى نضيء شموعنا، علينا أن نتحلى بالأمل في هذه الحياة، إذا لم يكن لدينا أمل فنحن منتهون".
هذا الموضوع مترجم عن موقع شبكة CNN الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.