"توأم الأرض الشرير".. هكذا يوصف كوكب الزهرة؛ لأنه أشد كوكب حرارةً بالمجموعة الشمسية، لكن أبحاث ترجح احتمالية وجود محيطات شاسعة ومناخ لطيف في كوكب الزهرة بالماضي.
الزهرةً سطحه ساخن لدرجة تكفي صهر الحديد وسماؤه مظلمة بسبب السحب المسممة بحمض الكبريتيك، وبالرغم من أن هذا الكوكب يُلقب بتوأم الأرض الشرير لكن لم تكن الظروف بالكوكب كالجحيم دوماً.
فحسب بعض الأبحاث قد يكون هذا الكوكب هو أول مكان بالمجموعة الشمسية الذي كان يمكن أن يصبح صالحاً للعيش، وفقا لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
مناخ لطيف
وأشار التقرير إلى أن دراسة ستُقدَّم هذا الأسبوع في اجتماع الجمعية الفلكية الأمريكية في باسادينا تستنتج أنه في وقت من الأوقات عندما كانت البكتيريا البدائية تنشأ بالأرض من المحتمل أن الزهرة كان لديه مناخ لطيف ومحيطات شاسعة يصل عمقها حتى 2.000 متر (أو 6.562 قدم).
وقال "مايكل واي" الذي قاد العمل بمعهد غودارد للدراسات الفضائية بمدينة نيويورك: "إن كنت تعيش منذ ثلاثة مليار عام قريباً من خط الاستواء وعلى ارتفاع قليل فلن تكون حرارة السطح مختلفة بشدة عن الأماكن الاستوائية بكوكب الأرض".
أما سماء كوكب الزهرة فكانت على الأغلب ملبدة بالغيوم بأمطار متكررة تهطل على مناطق معينة لكن يضيف واي: "بالرغم من أنك قد ترى غروب شمس لطيف إلا أنك قد تجد سماوات مكفهرة وأمطار تهطل خلال النهار".
وإن كانت حسابات العلماء صحيحة فمن المحتمل أن هذه المحيطات قد ظلت حتى 715 مليون عام مضى، وهي فترة كافية لاستقرار المناخ من أجل نشأة حياة ميكروبية بشكل معقول.
وقال واي: "فكانت درجة حرارة محيطات كوكب الزهرة القديمة أكثر ثباتاً، وإن كانت الحياة قد بدأت هناك من المحيط -الأمر غير المؤكد بالنسبة لكوكب الأرض- فسيكون نقطة بداية جيدة في ظل أجواه في ذلك الزمان".
كوكبان متماثلان
ولقد وافق علماء آخرون متخصصون في علم الكواكب أنه بالرغم من القدريْن المختلفيْن للكوكبيْن إلا أنه يُحتمل أن كوكبيّ الأرض والزهرة البدائيين كانا متماثلين.
وقال العالم "تاكيهيكو ساتو" الذي يعمل بمهمة حائم مناخ الزهرة المداري بوكالة الاستكشاف الفضائي اليابانية "أكاتسوكي": "أنا لست بموقع كي أجيب إذا الكوكب آنذاك كان صالحاً للعيش أم لا، لكن فيم يتعلق بالبيئة غالبًا ما وُجدت محيطات بكوكب الزهرة، وغالباً ما كانت بيئة كوكبيّ الزهرة والأرض متماثلتيْن".
يُعد كوكب الزهرة أشد كوكب حرارةً بالمجموعة الشمسية اليوم بمعدل درجة الحرارة على السطح 462 درجة مئوية (أو 864 فهرنهايت) ويرجع ذلك إلى قربه من الشمس وغلافه الجوي الذي لا يُخترَق فهو أكثر كثافةً من غلاف الأرض الجوي بتسعين ضعفاً مما أدى إلى احتباس حراري خارج عن السيطرة في نقطة ما في تاريخ هذا الكوكب.
مدمر المركبات الفضائية
كما لم تستطع المركبات الفضائية الأمريكية والروسية البقاء على سطح هذا الكوكب سوى عدة سويعات قبل أن تُدمَّر.
وقام واي وزملاؤه بمحاكاة مناخ كوكب الزهرة في أوقات معينة منذ 2.9 مليار عام و715 مليون عام مضوا مستخدمين نماذج مماثلة لتلك التي تُستخدم للتنبؤ بالتغيرات المناخية لكوكب الأرض في المستقبل.
ولقد غذَّى العلماء تلك النماذج ببعض الاستنتاجات الأساسية بما في ذلك وجود الماء، وكثافة ضوء الشمس، وكم كانت سرعة دوران الزهرة. وفي تلك النسخة الافتراضية كانت لدى كوكب الزهرة منذ 2.9 مليار عام معدل درجة حرارة 11 درجة مئوية (52 فهرنهايت) ارتفع فقط إلى 15 درجة مئوية
(59 فهرنهايت) عندما كان وهج الشمس يشتد.
وستساعد القياسات الأكثر دقة وتحديداً للتكوين الكيميائي لسطح كوكب الزهرة وغلافه الجوي على تحديد كمية المياه التي كانت لدى الكوكب في الماضي ومتى بدأت في الاختفاء.
ويمكن لمهمة أكاتسوكي معرفة بعض تلك المعلومات الناقصة لأن هذه المهمة تراقب الأنظمة الجوية لكوكب الزهرة بدقة متناهية وغير مسبوقة.
وكان المقرر أن تدخل المركبة أكاتسوكي مدار الكوكب في عام 2010 لكن بعد انفجار محركها ظلت تدور حول الشمس مثل نسخة مصغرة من كوكب صناعي لمدة خمسة أعوام. واستخدم العلماء دافعات صاروخية في عام 2015 لإعادة توجيه المركبة إلى المدار حتى تستطيع المهمة الإجابة على بعض الأسئلة طويلة المدى التي تخص جارنا الكوكبي، ومن ضمنها إذا ما كان به نشاط بركاني أم لا، وسواء ما كان البرق يشق سماءه أم لا، ولماذا يدور غلافه الجوي أسرع من الكوكب ذاته بستين ضعفًا.
وعلى كل حال سيحتاج البحث عن آثار لحياة ميكروبية قديمة إلى مركبة فضائية تهبط على سطح الكوكب الأمر الذي سيكون تحدياً كبيراً.
ويقول واي: "سيتطلب لبناء مركبة إنزال فضائية مجهزة تتحمل ظروف سطح كوكب الزهرة الحالية وتستطيع الحفر في أرضه لتكنولوجيا متطورة جداً ومبالغ طائلة من المال بالطبع لكن سيكون أمراً ممكناً أن نبحث عن آثار الحياة بما في ذلك الآثار الكيميائية إن استطعنا أن نستثمر بالأمر".
ونُشرت تفاصيل هذه الدراسة بمجلة البحوث الجيوفيزيائية.