منذ أكثر من 150 عاماً وهو يسير ببطء في شوارع الإسكندرية على قضبان حديدية عتيقة تستمد طاقتها من شبكة أسلاك كهربائية معلقة في الهواء، ورغم قدمه وبطئه فإنه وسيلة مواصلات مفضلة للملايين، فضلاً عن أنه تحول إلى واحد من أهم معالم عروس البحر أو عاصمة مصر الثانية.
إنّه ترام الإسكندرية الذي لم يشهد سوى تطور محدود في مظهره الخارجي تم إدخاله مؤخراً وتحمل تكلفته المواطن، لكن التطور في النواحي الفنية والتقنية خارج حسابات المسؤولين.
ترام الإسكندرية وسيلة النقل الأشهر على الإطلاق في المحافظة، ويعد واحداً من أكثرها راحة للمواطنين بعرباته التي تختال بسرعة بطيئة تشعرك أنه قادم من القرن التاسع عشر.
يرتاده من يملكون رفاهية سعة الوقت في مواعيدهم، بينما يعتبرها المصطافون والسائحون وسيلة تنزه. ويعتبر البعض بطأه ميزة حتى يتمتع بالنظر والتأمل في شوارع الإسكندرية والتجول فيها، فيما يراه آخرون وسيلة من وسائل الترفيه، خاصة فئة كبار السن، لذا فإنهم أكثر الفئات ارتياحاً له، خاصة أنه يعد أرخص وسائل المواصلات بالمحافظة رغم تضاعف سعر التذكر في الترام العادية 4 مرات.
متى بدأ؟
ويعود الفضل فى وجود ترام الإسكندرية إلى والي مصر محمد سعيد باشا، بعد أن منحت الحكومة المصرية لشركة "إدوار سان جون" الإنكليزية امتياز إنشاء ترام الرمل "الأزرق" الذي بدأ العمل عام 1860.
ثم جاء من بعده الترام الأصفر الذي سُمي ترام المدينة وأدخلته شركة بلجيكية اسمها "ترامواي" عام 1896 في حضور الخديوي عباس حلمي الثاني.
وحتى منتصف القرن العشرين كان سائقو ومحصلو التذاكر "الكومسارية" من الإيطاليين وكانت العربات تعمل بالبخار ثم أصبح تعمل بالكهرباء، وبحسب ألوانها فإن "الأزرق" ذا الثلاث عربات لشرق المدينة، أما الترام "الأصفر" ذو العربتين فهو لغرب ووسط المدينة.
عربات للعائلات
من السابعة صباحاً حتى الواحدة بعد منتصف الليل هي فترة عمل الترام، ما عليك سوى أن تستقل الترام الأزرق "والذي ينقسم إلى 3 عربات: واحدة للسيدات وأخري للرجال، والثالثة للعائلات"، تصل بك إلى "محطة الرمل" (المحطة المركزية) ثم تُكمل رحلتك مستقلاً الترام الأصفر الذي سيأخذك إلى غرب المدينة ووسطها.
تذكرة الترام كانت هي الأرخص في المحافظة، فقيمتها كانت 25 قرشاً (نحو 2 سنت)، لكن ذلك حتى عام مضى، فقد ارتفعت خلال عام 2016 إلى جنيه (أقل من 10 سنتات) وإلى 5 جنيهات في الترام كافيه الذي تم استحداثه بمواصفات سياحية.
مازال مفضلاً لملايين الركاب
ويستفيد من ترام الإسكندرية الأصفر 65 مليون راكب سنوياً، أما عن الأزرق فيستفيد منه 73 مليوناً، وتعتبر شبكة الترام بالإسكندرية الوحيدة بمصر والثالثة على مستوى العالم التي تستخدم العربات ذات الطابقين بعد ليفربول بإنكلترا وهونغ كونغ بالصين.
وبدأ الاهتمام بالترام في عهد محافظ الإسكندرية السابق هاني المسيري، لكن اقتصر هذا الاهتمام والتطوير على الشكل الخارجي للترام فقط، فلم يتطور أداؤه التقني، ولم تحدث طفرة في سرعته، ولا في خطوط سيره.
لكن المسيري ابتكر ما يُعرف باسم "الترام كافيه" الذي تظهر في شكل عربة الترام التقليدية بأرضيتها المُتهالكة القديمة بينما تم تدعيمها بالواي فاي (الإنترنت اللاسلكي) والستائر ذات اللون البنفسجي والمقاعد الخشبية والطاولات الصغيرة التي تتوسط تلك المقاعد المُبطنة بالجلد، لوضع المشروبات عليها.
وبالإضافة لسعر ركوب الترام كافيه البالغ 5 جنيهات، هناك 5 جنيهات أخرى للمشروبات.
توجد أيضاً عربات الترام ذات الطابقين، التي تم استغلال الطابق العلوي لصنع ما يسمّى "جاردن كافيه"، بعد أن كان ذلك الطابق العلوي بمثابة متعة حقيقية لراكبي الترام الذين كانوا يدفعون 50 قرشاً (نصف جنيه) فقط لكن وصلت سعر التذكرة فيه سعر إلى 5 جنيهات أيضاً، مدعماً بالموسيقى والستائر والمشروبات الساخنة.
فوضى الألوان
ولم تتوقف محاولات التطوير عند المحافظ السابق هاني المسيري، فكان الترام هو الشغل الشاغل لكل مسؤولى الإسكندرية، لكن دائماً ما يتوقف الأمر عند الشكل الخارجي دون الالتفات لمشاكلها التقنية وما يعانيه أهل الإسكندرية منها.
مظاهر التطوير تركزت في الألوان، فقد فوجئ أهالى الإسكندرية خلال الثلاثة شهور الماضية بإضافة 5 ألوان مختلفة للترام، فبدلاً من أن كان الترام الأصفر والأزرق اللذين يرمزان لألوان علم المحافظة الساحلية ذات الشواطئ الرملية الصفراء والبحر الأزرق الصافي، أضيف لألوان الترام بين الأخضر والأحمر والبرتقالي.
هذا الأمر أثار استياء المواطنين، بينما برره رئيس هيئة النقل العام بالإسكندرية اللواء خالد عليوة بأنه لإضفاء نوع من البهجة على متلقي الخدمة والسائقين معا، بالإضافة إلى تميز عربات الترام وفق سعر التذكرة، حرصًا على عدم اختلاط الأمر على الركاب.
سناء حفيظ، مواطنة ستينية العمر، اعتادت ركوب الترام كنزهة يومية، فهي تسكن في البناية المجاورة لمحطة ترام الرمل (أشهر محطات الأسكندرية)، تقول: "أعشق الترام من صغري، اعتدت ركوبه مع ماما وبابا وبعدين زوجي وأولادي، أشعر بمتعة وخاصة عند العربات خالية أو غير مزدحمة صباحاً".
أما أحمد عبدالمجيد، أحد المواطنين بالإسكندرية، فيقول: "ترام الإسكندرية تراث، ولكن يجب تطويره، لنستفيد به بشكل كاف، فبطئه الشديد يتسبب في تعطيل المرور وفي تأخير المواطنين عن أعمالهم ومصالحهم يجعل منه أسوأ وسيلة مواصلات".
وعبر عبدالمجيد عن استيائه من اهتمام المسؤولين بتغيير الشكل المظهري دائماً دون الاهتمام بخطوط السير أو الاهتمام بسرعته وأدائه.
فيما قالت صفاء الجمال (موظفة): "أستقل الترام بشكل يومي في عودتي من العمل نظراً لوجود مساحة من الوقت وعدم توافر وسائل مواصلات لخروج الموظفين وطلاب المدارس وتكون تلك الوسيلة الوحيدة المتوفرة حتى وإن كانت مزدحمة للغاية وبطيئة للغاية".
وتشكو الجمال قائلة: "لا نجد من المسؤولين اهتماماً بالترام بالرغم من أن جميع السكندريين يستفيدون منه بشكل يومي، إلا أن خط سيره دائماً ما يعطل وسائل المواصلات الأخرى أو يتعطل الترام انتظاراً لوسائل المواصلات الأخرى، فلا نجد اهتماما سوى بالألوان الجديدة التى ظهرت مؤخراً ولا نجد لها معنى غير أنها شوهت معالم ترام الإسكندرية المشهورة باللونين الأصفر والأزرق"، وأردفت باللهجة المصرية: "لم يبق إلا أن يطلو العربات كاروهات" (مربعات ملونة).
التقطت منها أسماء سليمان (طالبة جامعية) الحديث، حيث عبرت عن غضبها لكثرة الألوان قائلة: "المدينة أصبحت بلا ذوق، كل ترام بلون وكل رصيف بلون مرة أسود في أصفر، ومرة أخضر وبرتقالي ألوان صعبة لم نتعود عليها، وكأن المحافظة أصبحت بلا هوية، وكأننا في مدينة ثانية".
التطوير قادم
وفي ردّه على بعض شكاوى المواطنين من الازدحام الدائم للترام، ومن طول الوقت بين مرور كل عربة وأخرى، قال اللواء خالد عليوة، رئيس هيئة النقل العام بالإسكندرية، في اجتماع للهيئة إن الهيئة بصدد البدء في تصنيع 30 قطاراً "ترام مفصلي"، بورش الهيئة المحلية بالتعاون مع الشركات الأجنبية المتخصصة في تجديد المحطات الرئيسية والمزلقانات بالكامل وزيادة سرعة الترام لتصل إلى 21 كلم في الساعة، مؤكداً أن الهيئة قامت بإعداد دراسة جدوى ميدانية وتم وضع السعر التقديري لشراء وحدة الترام عالمياً بنحو 3 ملايين دولار، والسعر المتوقع لإنتاج الترام في مصر 1.7 مليون دولار، موضحاً أن مدة التصنيع تستغرق 6 أشهر إلى سنة من تاريخ توقيع العقد وذلك لأول وحدة ترام.
أما عن محافظ الإسكندرية المهندس محمد عبدالظاهر فقال إنه يتم حالياً العمل على مشروع ترام الرمل الجديد، كي يقدم بمثابة مترو حضري معزول تماماً عن حركة مرور السيارات في أغلب مساره، خاصة في مناطق تقاطعات الطرق الرئيسية.
وأوضح أنه من المقرر من خلاله تقليل زمن الرحلة لمستخدمي الترام من 72 دقيقة إلى 30 دقيقة في المتوسط، وزيادة سرعة الترام من 11 كم/ساعة إلى 21 كم/ساعة، والمحافظة على البيئة نتيجة تقليل التلوث البيئي والضوضائي باستخدام الطاقة الكهربائية النظيفة.
وأضاف عبدالظاهر في بيان للمحافظة أن المشروع يهدف لتخفيف الضغط عن طريق الكورنيش، موضحاً أنه جارٍ عمل دراسة إنشاء محطة رئيسية بمنطقة محرم بيك لتكامل وسائل النقل ليتم نقل الركاب من أبوقير حتى برج العرب.