تمكن العلماء من تطوير جهاز استنشاق لحماية الرئتين من تلوث الهواء، كما بإمكانه مساعدة الملايين ممن يتعرضون للهواء السام على تفادي آثاره المدمرة.
يستخدم جهاز الاستنشاق الحديث جُزيئاً -وُجد للمرة الأولى في بكتيريا موجودة بالصحراء المصرية- بإمكانه تثبيت المياه على سطح خلايا الرئة ليشكِّل طبقة واقية. من المنتظر أن يتوفر هذا المنتج بثمن مناسب ودون الحاجة إلى وصفة طبية.
يمثل تلوث الهواء أزمة صحية عالمية تودي بحياة ما يزيد على 3 ملايين شخص سنوياً، ولطالما ارتبط بأمراض القلب والرئتين والسكتات الدماغية، إلا أن الأبحاث الجديدة تشير إلى آثاره الأخرى على الصحة مثل أمراض المخ التنكسية كالزهايمر والمرض العقلي، بالإضافة إلى السكر، كما أشارت أحدث الأبحاث في الأسبوع الماضي.
تلوث الهواء
بحسب التقرير الذي نشره البنك الدولي الأسبوع الماضي، تُكلف الآثار الناجمة عن تلوث الهواء حوالي 5 تريليون دولار. في المملكة المتحدة وحدها، يموت مبكراً 40 ألف شخص سنوياً على الأقل جراء تلوث الهواء، وهو ما دفع إحدى اللجان البرلمانية لنعته بـ"أزمة الصحة العامة الطارئة".
إلا أن خطط الحكومة للتعامل مع هذه القضية تعرضت لوابل من الانتقادات هذا الأسبوع، مع ارتفاع التحذيرات الصادرة بخصوص شدة تلوث الهواء في معظم أنحاء شمال إنجلترا. وبعد يوم، أُعلن تأييد الجمهور الساحق لخطط العمدة صادق خان الطموحة بشأن لندن.
تُعد المركبات إحدى المتسببين الرئيسيين في تلوث الهواء، وبعد عام من فضيحة انبعاثات فولكس فاجن، مازالت انبعاثات سيارات الديزل الجديدة من أكاسيد النيتروجين السمية على الطريق تفوق الحدود المختبرية الرسمية.
يحتاج العالم بشدة للتحرك لتنقية الهواء، إلا أن تقليل انبعاثات المركبات وغيرها من المصادر سيستغرق العديد من السنوات، ما يعني أن إيجاد طرق لتقليل الضرر الحالي يُعتبر أمراً حيوياً. طورت شركة الأجهزة الطبية الألمانية بيتوب (Bitop) جهاز الاستنشاق الجديد اعتماداً على الجزيء المعروف باسم إكتوين (Ectoine) الذي اكتُشف في الثمانينيات في بكتيريا صحراوية تستخدمه للحفاظ على الماء وسط درجة حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية.
قال د. أندريا بلشتاين من شركة بيتوب "إنه جزيء خامل يتمثل دوره الرئيسي في تثبيت بالماء لحفظ اتزان أنسجة غشاء الخلية لمقاومة أي ضرر مادي أو كيميائي. إنه يدعم الحاجز الطبيعي".
يعمل استنشاق هذا المركب على الوقاية من الضرر الذي تسببه جزيئات الهواء الملوثة التي قد تؤدي إلى الإصابة بالربو أو بسرطان الرئة أو مرض الانسداد الرئوي المزمن، كما قال بلشتاين "لا يقع الضرر بنفس القوة، كما يقل الالتهاب وبالتالي يتباطأ تطور المرض. في أفضل الحالات، على المرضى استنشاقه صباحاً ومساءً في المنزل".
اختبار جهاز الاستتشاق
جرى اختبار جهاز الاستتشاق على 3 مجموعات صغيرة من المرضى المعرضين لخطر تلوث الهواء بسبب إصابتهم بالربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن أو التهاب الشعب الهوائية، وستُنشر النتائج الإيجابية قريباً وفقاً لما قاله بلشتاين.
لا يتفاعل الإكتوين مع مستقبلات الخلايا، لذا يُصنَف كجهاز طبي لا كعقار. وهو ما يعني أن الموافقة الرسمية لا تتطلب تجارب سريرية ضخمة، وربما يصل جهاز الاستنشاق إلى السوق قريباً بثمن 17 جنيهاً إسترلينياً في الشهر، بعد أن تختار بيتوب شريكاً تسويقياً. كما ستتوفر نسخة أخرى من المنتج لاستخدامها في الرذاذة (nebulizer) هذا العام في ألمانيا وبولندا، بينما أُتيح رذاذ الأنف المعتمد على الإكتوين لتخفيف الحساسية بالفعل.
وأضاف بلشتاين أن جهاز الاستنشاق سيكون مفيداً على مستوى العالم إذ إن تلوث الهواء ليس مشكلة أوروبية فحسب "خاصة في آسيا، وفي الصين بالتحديد، هناك طلب متزايد على منتج مثل هذا. كنت في نيويورك الأسبوع الماضي، ولم يكن الهواء شديد النقاء أيضاً".
اكتُشف التأثير الوقائي للإكتوين على يد جين كروتمان وزملائه في معهد لايبنتز البحثي للطب البيئي بينما كانوا يبحثون عما إذا كان بإمكان هذا الجزيء حماية البشرة من أضرار الشمس. مَوَّلَت بيتوب سلسلة من الدراسات التي نُشرت حالياً في العديد من الدوريات العلمية المرموقة.
قال كروتمان "لم يعد هناك شك في قدرته على الوقاية من التهاب الرئة الناتج عن الجزيئات متناهية الصغر". كما يمكن لمضادات الأكسدة أن توفر قدراً من الوقاية لكن هناك جدلاً مثاراً حول فاعلية هذه المكملات الغذائية، مضيفاً "أظن ، بشكل شخصي، أنه من الأفضل تناول الكثير من الخضراوات والفواكه بدلاً من أي مكملات غذائية".
بينما قال د. ريتشارد راسل، استشاري الجهاز التنفسي في القطاع الصحي العام والمستشار الطبي لمؤسسة الرئة البريطانية – لم يشارك في البحث- أن جهاز الاستنشاق واعد وجدير بالثقة "الإكتوين جزيء مذهل ومن الواضح أنه يعمل على مساعدة تثبيت الماء ليصنع غلافاً من الماء في أوقات الضغط".
علاج الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن
وأضاف في حديثه لصحيفة الغارديان البريطانية "تشير الأبحاث التي نُشرت إلى الآن في العديد من الدوريات العلمية الدولية الموثوقة إلى أن له خصائص إيجابية تسمح له بالوقاية من الالتهاب المُسَبَب". كما قال إنه قد يكون مفيداً في علاج الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن وغيرها من أمراض الرئة، لا فقط الوقاية منها، "من المحتمل أن بإمكانه فعل الكثير. وهو أمر مثير للغاية، ويشي بالمزيد الذي قد ينتج من هذا الموضوع".
كما قال كروتمان إن خفض تلوث الهواء يبقى هو العمل الأسمى "من الجيد حماية الناس من الآثار الضارة، لكن هذا لا يجب أن يُستخدم كحجة لإيقاف العمل على تقليل تلوث الهواء. الوضع الأفضل هو أن يكون لديناء هواء نقي، ومن ثم لا حاجة لأي إجراءات وقائية، إلا أنه على الجانب الآخر علينا أن نكون واقعيين، في العديد من البلدان لا يمكنك التحول إلى استخدام السيارات الكهربائية بين عشية وضحاها وغيرها من الأمور الجذرية".
وختم الحديث بقوله "سيستغرق القضاء على تلوث الهواء عدداً من السنين، خاصة في بلاد مثل الصين، وأظن أن هناك حاجة أخلاقية لتقديم شيء لحماية عامة السكان".
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.