لم تنتقل دورة الألعاب الأولمبية قديماً من مدينة إلى مدينة كما يحدث الآن، فهي بدأت في عام 776 قبل الميلاد، وكانت تعقد كل 4 أعوام في أولمبيا، مدينة زيوس المقدسة.
في كل مكان كانت تماثيل الآلهة، وواحد منها تحديداً كان برونزنياً، يمثل زيوس يحمل صاعقتين رعديتين في يده، سُمي "زيوس مانح القسم".
وقبل التنافس، يقف الرياضيون القادمون من أماكن تمتد إلى إسبانيا والبحر الأسود أمام هذا التمثال، ويتلون قسماً لإله الرعد متعهدين بأنهم سيلتزمون بقوانين الأولمبياد، ويلعبون بشرف.
ألعاب اليوم بها شيء مشابه، مع أنه ليس قسماً بالضبط، وبالتأكيد لا يؤديه الشخص حاملًا قطعة من لحم الخنزير البري – كما جرت العادة في اليونان القديمة – اليوم هناك ميثاق أخلاقي للجنة الأولمبية الدولية، تطلب مادته الأولى من الرياضيين التنافس بـ"احترام للروح الأولمبية، التي تتطلب التفاهم المتبادل مع روحٍ من الصداقة، والتضامن، واللعب النظيف".
باختصار لا تغشّ
لكن ذاك التوجيه لا يُتبع دوماً، على الرغم من الاحتقار الشعبي الذي ينتج عن ذلك، ولم يكن متبعًا قبل 3000 عام في بدايات المسابقات الأولمبية.
وبينما تطورت طرق الغش في هذه الفترة، فإن رغبة الإنسان في التحايل لم تتغير.
الأولمبيون القدماء لم يكونوا أكثر أو أقل أخلاقية من بني البشر اليوم، والدليل على ذلك يبدأ حرفياً مع بداية الألعاب الأولمبية.
تسمية أولمبيا تأتي من جبل الأوليمب، بيت الآلهة الأسطوري، المبنى الأبرز في أولمبيا الذي حمل واحدة من عجائب الدنيا القديمة: تمثال عملاق لزيوس مصنوع من الذهب والعاج، وخارج المبنى نجد مجموعة من التماثيل الأقل إبهارًا، والتي تحكي قصة ملك، وابنته، وخطيب وسيم، وخطة.
حذر أحدهم الملك إينمايس من أن الرجل الذي سيتزوج ابنته سيقتله، وليضمن نجاته، أصدر إينمايس، الذي يمتلك أسرع أحصنة العالم، مرسومًا يقضي بأن أي شخص يود الزواج من ابنته عليه أن يتغلب عليه أولاً في سباق لعربات الخيل.
ظل إينمايس آمنًا لوقت طويل، وتغلب على خُطّاب ابنته كلما اصطفوا لخطبتها، وفي بعض الروايات، قطع رؤوسهم وثبتها بالمسامير في بيته.
كان ذلك حتى مجيء بيلوبس، الشاب الوسيم العازم على الزواج من ابنة إينمايس، كانت خطة بيلوبس تتضمن أكثر من مجرد حصان سريع، استطاع رشوة رجل ليستبدل مسمار العجلة في عربة إينمايس بواحدٍ من الشمع.
عندما حمي وطيس السباق، انكسر مسمار الشمع، وسقط إينمايس من فوق عربته ومات، وفاز بيلوبس بعروسه.
لهذا سمّى الإقليم الجنوبي من اليونان، الذي يتمضن مدينة أوليمبيا، باسم بيلوبس (وما زال).
أسس بيلوبس الألعاب الأولمبية ليحيي ذكرى انتصاره، لذا يتنافس رجال اليونان كل 4 أعوام لإثبات من الأفضل، مقسمين أمام زيوس أنهم لن يلجأوا إلى الغش.
قد يبدو هذا نفاقاً على مستوى عال، لكن قدماء الإغريق كانوا أكثر عملية فيما يتعلق باعترافهم بالطبيعة البشرية.
آلهتهم عكست ذلك، فالميثولوجيا الإغريقية تزخر بالغيرة والجشع والخداع والألاعيب، ولا يعني هذا أنهم تقبلوا الغش جزءاً من الألعاب الأوليمبية أو شجعوه، بل إنهم بنوا التماثيل لإلحاق العار بالغشاشين.
في الطريق إلى أولمبيا سار المتنافسون بمحاذاة صف من التماثيل، لزيوس أيضاً، لكن هؤلاء يطلق عليهم اسم Zanes.
كل تمثال من هؤلاء حمل لوحة معدنية توبّخ المتنافسين المتهمين بالتصرف السيئ، بنى الإغريق أول تمثال من هؤلاء بعد الأولمبياد الثامن والتسعين، للملاكم يوبولوس من تساليا، الذي دفع رشاوى لخصومه ليسمحوا له بالفوز.
غرم المسؤولون يوبولوس، ومن قبلوا الرشوة، واستخدمت الأموال في بناء 6 تماثيل.
ذكّرت اللوحة المعدنية للتمثال الأول الرياضيين بأن الألعاب الأولمبية تحكم على خفة القدم وقوة الجسد، لا محفظة النقود.
التماثيل الباقية ذكرت أسماء شركائه في المؤامرة، والأخير حذر المتسابقين القادمين من خداع الآلهة وتدنيس الألعاب المقدسة، كما فعل هؤلاء الرجال، من العجب، كما كتب بوسانياس الرحالة والكاتب والجغرافي الإغريقي القديم، أن "الإنسان يتدنى احترامه للآلهة إلى درجة دفع رشوة أو أخذها".
لكن قلة الاحترام كانت وفيرة، بنى الإغريق عدداً من تماثيل Zane امتدت بطول الطريق المؤدي إلى أولمبيا، لكثرة الغشاشين، دُفعت الرشاوى للمتنافسين الآخرين، وآبائهم، والمسؤولين، وتنافسوا سراً بعد منع مدينتهم من المشاركة، وتظاهروا بأنهم من مدن أخرى.
توقفت الألعاب الأولمبية قليلاً – حوالي 2000 سنة – ثم استأنف البشر ممارساتهم مع انطلاق الألعاب لأولمبية الحديثة، في 1896 بمدينة أثينا.
أبرز فضائح الغش
أكثر فضائح الغش الحديثة فكاهية كانت في 1904، في مدينة ميزوري، فريد لورز الأميركي تغلب على رجلين حفاة من قبيلة تسوانا الجنوب إفريقية، ورجل كوبي ببنطال طويل، ومجموعة من المتنافسين الآخرين.
لم يتغلب لورز عليهم وفقط، وإنما تغلب على أقرب منافسيه بساعة إلا ربع، توجت ابنة الرئيس تيودور روزفيلت الفائز لورز بطلًا، لكن واحدًا من الجمهور كشف أن لورز ركب في مؤخرة شاحنة لجزء من الماراثون، ذهبت الميدالية الذهبية إلى أميركي آخر، طوماس هيكس، الذي كان شاحباً ويتقيأ في اللحظة التي عرف فيها أنّه ربح، لأن أحدهم أعطاه مزيجاً من بياض البيض، والبراندي، ومادة الاستركنين السامة التي كانت تستخدم في ذلك الوقت كمنشط.
بعد حوالي 30 عاماً، خسرت الألمانية يدورا راتين لاعبة القفز العال ميداليتها الذهبية لأن المسؤولين اكتشفوا أنها في الحقيقة هاينريش راتين شقيقتها.
وهكذا استمر الغش، لماذا يغش الناس؟ لأن الغش، مثل التنافس، طبيعة بشرية.
يقول موريس شفايتزر، الأستاذ بجامعة بنسلفانيا والباحث في الخداع: "لقد كان الغش دوماً جزءاً من الرياضة، إنها فكرة أنك تلعب لتكسب، ونحن سنضغط على أنفسنا بشدة لنربح، لذا نجد فضائح حتى في بطولة العالم في البيزبول للأطفال، وفي أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة".
وجد شفايتزر في أعماله أن الغشاشين يختبرون نوعاً من النشوة المضاعفة، نشوة الفوز، ونشوة خداع الجميع.
هذا العام، وردت أخبار أن الحكومة الروسية ربما تكون قد ساعدت الرياضيين على تعاطي المنشطات في الألعاب الأولمبية.
يبدو أن الغش قد تطور إلى مستوى لم يصل إليه من قبل، على الأقل منذ الحرب الباردة عندما تم اتهام الرياضيين الشرقيين بتعاطي العقاقير.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Atlantic. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.