قال فريقٌ من الباحثين إن طفرةً حدثت للحمض النووي البشري في العصور الأولى، ساعدته على تجنب أضرار أدخنة النار التي كان عادةً ما يشعلها في الكهوف.
يقول العلماء إن هذا الحمض النووي البديل يمكن رؤيته في الإنسان الحديث، لكنه لا يوجد في النياندرثال – الذين استخدموا النار هم أيضاً دون أن ينجوا من أضرار العوادم الناتجة منها -، في حين تمكنا نحن من البقاء بفضل وجود هذا الجين.
وبحسب صحيفة The Guardian. البريطانية، فإن الباحثون في جامعة بنسلفنيا قاموا بدراسة الجين ARH، والذي يلعب دوراً رئيسياً في تكسير بعض المواد السامة بالجسم.
عند حرق المواد العضوية مثل اللحم أو الخشب، ينتج منها بعض الغازات الكربونية مثل غازات PAHs والتي من الممكن أن تؤدي إلى تغيرات في الحمض النووي للخلية وتحولها لخلية سرطانية، طبقاً للتحذيرات التي صرحت بها منظمة الصحة العالمية في العام 2015.
تمتص هذه الغازات عندما نتناول اللحم المشوي، أو عند استنشاق الدخان الناتج عن حرق مواد عضوية، وبمجرد دخولها الجسم فإنها تحفز هذا الجين للعمل. فيفرز الجسم بعض الإنزيمات القادرة على تكسير هذه الغازات ومن ثم يمكن طردها خارج الجسم.
لكن طبقاً للباحث والمؤلف غراي بيردو، فإننا حين نستتنشق هذه الغازات بكمية كبيرة – كما يحدث إذا بقينا في كهوف مغلقة مع نيران مشتعلة -، سينتج كميات كبيرة من الإنزيمات والتي تخلف وراءها بعض المواد كنواتج لتفاعلاتها، ويؤدي تراكم هذه المواد إلى ما أسماه بيردو بالتسمم العلوي.
تقوم هذه الطفرة التي اكتشفها بريدو وفريقه، بتقليل معدل إفراز هذا الإنزيم ما يمنع تراكمه، وبالتالي يمنع حدوث التسمم العلوي المشار له.
يقول بيردو، "نجحنا في الاستمرار على قيد الحياة بفضل هذا الجين. لا أقول أن النياندرثال ماتوا بسبب هذه الظاهرة، لكن من الممكن ان تكون قد لعبت دوراً في إنهاء حياتهم".
تعلم أسلاف كل من الإنسان الحديث والنياندرثال – الإنسان منتصب القامة – التحكم في النار بغرض الطهي والتدفئة، منذ ما لا يقل عن 1.9 مليون سنة في أفريقيا، ولهذا استطاع كلا النوعين التحكم في النار بسبب تمكن أسلافهم المشتركة من هذا، لكن زاد تعرضهم للأدخنة بسبب إشعالها في الكهوف المغلقة.
يقول بيردو، "لم يكونوا طهاةً محترفين، كما لم يكن من السهل إشعال النار، وبالتالي من المحتمل أنهم كانوا يبقون ناراً صغيرة مشتعلة طوال الوقت، ويستعملون العشب أو كل ما تطاله أيديهم لإبقاء النار مشتعلة".
أجرى العلماء دراسة على 9 أفراد من الإنسان الحديث، من بينهم حفرية تعود لإنسان منذ 45 ألف سنة، وثلاثة من النياندرثال، وفرد واحد من فصيلة دينسيوفان الغامضة في سيبيريا. ووجدوا أن الطفرة ليست موجودة بالنياندرثال أو الدينسيوفان، لكنها موجودة في الـ 9 أفراد من الإنسان الحديث الذين تم اختبارهم.
إذا نجحت هذه النظرية في الصمود، ونشرت هذه الدراسة في الأحياء الجزيئية والتطور، فإنها ستكون واحدة من أول الأمثلة على تطور الإنسان ليتمكن من التعايش مع التلوث البيئي. ولكن مع ندرة النياندرثال والحالة المهترئة للحمض النووي الخاص بهم، فإن هذه النظرية ستظل قيد الاختبار.
عالم الآثار في جامعة سيول المحلية وجامعة يورك ديفيد رايت، كان حذراً جداً في التعامل مع هذه النظرية، وقال إنها لا تتماشى مع ما يرويه التاريخ.
"النياندرثال لهم السبق والريادة في استخدام النار في الكهوف، لو كانوا يعانون – وحدهم – من أضرار بسبب هذه الممارسات، لماتوا منذ وقت طويل قبل الوقت المفترض أنهم عاشوا فيه. ولكن الواقع يقول إنهم من أكثر الأنواع البشرية التي نجحت في الحفاظ على حياتها وأن تتطور لتتماشى مع متغيرات الحياة".
"افتراض أن الإنسان منتصب القامة، أو النايندرثال، أو غيرهما العشرات من فصائل الإنسان القديم، لم تستطع التعايش مع الجلوس حول النار، هو افتراض بعيد عن المنطق بالنسبة لي".
"المشكلة أنه من الصعب الجزم بصحة هذه النظرية أو تكذيبها، فنحن لا يمكننا أن نحضر بعض النايندرثال ونشاهدهم أثناء الجلوس حول النار لنعرف ردة فعلهم".
تقول عالمة التسمم البيئي في جامعة ماساتشوستس في امهرست ايميلي مونسون، "ليس من غير المتوقع أن التعرّض لملوثّ بيئي مسبب للمرض هو ضغط انتقائي على البشر".
لكنها أكدت على ضرورة توخي الحذر "نحن نتحدث عن عامل واحد يساعد على التكيف مع نوع واحد من الغازات، ولكن هناك الكثير من المواد الضارة الموجودة في الأدخنة بوجه عام".
يخطط الفريق للمزيد من الدراسات التي ستساعده على معرفة المزيد عن هذا الجين ومن أين أتى وكيف تطور.
يختم بيردو، "حدث شيء ما، كلنا لدينا هذه الطفرة، وهذا شيء لا يمكن إنكاره. السؤال هنا لماذا حدثت؟".
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.