بعد ظاهرة محمد رمضان وقنوات الأطفال.. تعرّف كيف أشهر طفلٌ مصري السكّين في وجه والديه؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/18 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/18 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش

لم يكن والدا محمد يتخيلان في يومٍ أن طفلهم الذي لم يتخطَّ الـ8 سنوات، سيقوم بإشهار السكين في وجهيهما، مهدداً من يقترب منه، أو من يرفض تنفيذ طلبه بأنه سوف يقوم بذبحه، وهما المدرّسان اللذين يعلّمان الأطفال الأخلاق والقيم.

لا تتخيّل أن هذا جزءٌ من سيناريو لفيلم أو قصة خيالية، لكنها قصة حقيقية لطفل مصري يقضي معظم وقته في مشاهدة قنوات الكرتون والأفلام الشعبية المصرية.

الغضب كان البداية


البداية التي لم تلحظها والدة محمد، كانت عندما بدأت أعراض الغضب والعصبية الزائدة تظهر عليه، منذ أكثر من عامين، وأخذ هذا الاضطراب السلوكي في الظهور بردود أفعاله بشكل تدريجي، بدأ بالصراخ الشديد في حالة الغضب، أو عدم تنفيذ رغبته في شيء، ورفض تنفيذ أي طلب من والدته أو والده، ثم زاد الأمر إلى إلقاء الأشياء بعصبية شديدة عند الغضب، مثل الأكواب الزجاجية، أو أي شيء في يده، بل وكان يقوم بشدّ ستائر المنزل بعنف وغضب.

وظنّ والدا محمد أن الأمر عبارة عن "دلع"، أو تصرّفات صبيانية سوف تزول مع الوقت، حتى اعتادا عليها، ولكنها بدأت تمثل أزمة لهما عند دخوله إلى المدرسة، وتكرار الشكوى من عنف محمد مع زملائه، بل ووصل الأمر إلى التعدّي اللفظي على المدرّسات بالمدرسة.

ولكن بداية الشعور بأن الأمور ليست طبيعية، بدأت في آخر أسبوعين قبل أن يفكرا في البحث عن حل خارجي للأزمة، حين حدثت 3 مواقف حسمت الأمر أمامهما بأن محمد تصرفاته خارج إطار الشكل الطبيعي.

كان أولها مع والدته، التي طلبت في أحد الأيام منه القيام من أمام شاشة التليفزيون الذي يمكث أمامه يومياً لأكثر من 4 ساعات، وحين أصر على عدم تنفيذ الطلب، قررت هي إغلاقه، لتجد أمامها شخصاً ثائراً، وغاضباً، وصل به الأمر إلى أن قام بشد إحدى ستائر المنزل ذات التراث الخضم، لتسقط الجوانب الخشبية لها.

ورغم محاولات الطفل الذي لم يتخطَّ الـ8 سنوات تقديم الاعتذار، إلا أن الموقف ظلّ عالقاً في ذهن الأم، حتى جاء الموقف الثاني في أحد أعياد ميلاد أولاد العمومة، حين وجدت ابنها في مواجهة مع ابن عمه في خلاف على إحدى اللعب التي يرغب في الحصول عليها بالقوة، رغم أنها ليست ملكه، ثم تفاجأت بوابل السباب الذي خرج من فم ابنها، واستخدامه القوة الشديدة مع ابن عمه، وسط ذهول من جميع الحاضرين.

ولم يمر سوى 48 ساعة، حتى حدث الموقف الحاسم، ولكن هذه المرة مع الوالد، حين حاول الوالد عقاب الابن عمّا بدر منه في عيد الميلاد، وبعد شد وجذب بينهما كانت الصدمة بتوجه الطفل إلى المطبخ وإحضار سكين مهدداً والديه بالذبح، وهو الموقف الذي أصاب المعلمَين بذهول، أعقبه إدراك ويقين أن الأمور ليست طبيعية مع ابنهما، ويجب أن تكون هناك زيارة سريعة إلى مركز متخصص لمعرفة أين الخلل، ومن هنا كانت بداية تعاون عضو فريق مركز قدرات للتخاطب وتنمية المهارات وتعديل السلوك.

السلوك العدواني


ويكشف محمد رمضان معالج تعديل السلوك بالمركز، أن محمد لديه اضطرابات سلوكية، تظهر أعراضها فيما يعرف بـ"السلوك العدواني"، وهو يمثل ظاهرة مجتمعية في مصر، وليس حالة نوعية كما أوضح المعالج للوالدين، فقد أوضح لهم أن محمداً يعاني من العدوانية، وسلوك "التقليد" وأنه أحد ضحايا قنوات الأطفال التي يجلس أمامها أطفالنا بالساعات، بجانب مشاهدة الأفلام المصرية التي تتسم بجرعة زائدة من العنف.

وذكر رمضان لـ"عربي بوست"، أن أغلب الحالات التي تأتي إلى المركز لتعديل السلوك نتيجة اضطرابات مرضية، تكون أحد نواتج الآثار السلبية لمشاهدة الأطفال لتلك القنوات لأكثر من ساعتين يومياً، والتي تتسبب في عدة اضطرابات سلوكية منها العدوانية كما في حالات محمد، وكذلك سمات التوحد أو الانطوائية، أو الخجل أو تأخر الكلام.

وأشار المتخصص في تعديل سلوك الأطفال، إلى أن نفس الاضطرابات قد تحدث نتيجة جلوس الأطفال لمدة طويلة أمام ألعاب الكومبيوتر، وأجهزة المحمول بأنواعها المختلفة، والتي قد يزيد عنها ظهور حالات الاكتئاب لدى الأطفال، وهي الظاهرة التي بدأت تظهر بقوة في مصر خلال السنوات الأخيرة.

العلاج


وعن كيفية تقويم سلوك الطفل محمد، أوضح رمضان، أننا في البداية نعالج سلوك التقليد، وتوضيح أن ما يشاهده في التلفاز من أفلام وكرتون ومشاهد العنف ليست حقيقية، وأن من يقومون بذلك هم ممثلون أو فنيو جرافيك، وأنه عليه أن يدرس كيفية أداء ذلك عن طريق تعلم التمثيل، وهي مرحلة "الإقناع"، ثم توضيح مخاطر تلك الأدوات التي يمسكها، وأنه ليس على الطفل أن يقلّد السيّء، وهو أمرٌ يتم من خلال سلسلة من الجلسات لتقويم السلوك.

ظاهرة محمد رمضان


فيما يكشف الدكتور عماد محجوب أستاذ علم نفس الأطفال بكلية الآداب بجامعة القاهرة، أنه في الآونة الأخيرة، أصبح هناك ظاهرة "محمد رمضان"، والاضطرابات السلوكية الناتجة في مشاهدة أفلام هذا الفنان، خلال السنوات الأخيرة، وهي أعراض تستمر مع الطفل حتى سن الـ18 عاماً.

وقال محجوب لـ"عربي بوست"، إننا لدينا أزمة في ما يعرف لدى الأطفال بـ"التعلم بالملاحظة"، وذلك مع مشاهدة قنوات التلفزيون وما يتم عرضه بها من عنف، وترديد ألفاظ وشتائم، نجد أن هذا الأمر يكون له صدى لدى سلوكيات الأطفال، والتي تصل إلى حالة مرضية، وتصبح لغة الأطفال هي نفس لغة تلك الأفلام، مشيراً إلى أن كثيراً جداً من سلوكيات العنف نتيجةُ أفلام الكرتون وأفلام العنف مثل ظاهرة محمد رمضان.

وأشار أستاذ علم نفس الأطفال، إلى أن أكثر من 60% من المشاكل النفسية والسلوكية لدى الأطفال نتيجة لمشاهدات الأطفال، وأن تلك النماذج تم رصدها في عدة ظواهر مجتمعية في تجمعات الأطفال، مثل ظاهرة السلاح الأبيض داخل مدارس المرحلة الابتدائية في مصر، ولغة السباب في الشوارع، وهناك أيضاً ظاهرة الأفراح التي بدأت في الانتشار بشكل كبير في أرجاء مصر، حيث نجد الأطفال يقومون بالرقص عراة النصف الأعلى من الجسد، وهم يلوحون بالسيوف والمطاوي، مع ترديد أغاني لمصدّري تلك السلوكيات أمثال الممثّل محمد رمضان.

علامات:
تحميل المزيد