الحجُ رحلةُ العمر كما يُطلق عليه المسلمون في أرجاء المعمورة، وفي العراق لهذه الرحلة طعمٌ مختلف؛ ربما لأن العراقيين المثقلة قلوبهم بالهموم والمتاعب يحتاجون لأن يأووا إلى ركن ظليل في هجير السياسة والعنف والفساد الذي ينخر جسد بلادهم.
ورغم الظروف القاهرة والمأساوية التي يمر بها العراق لكنها لم تتمكن من انتزاع فرحة الكثير من الحجاج ممّن حالفهم الحظ وظهرت أسماؤهم في قرعة الحج لهذا العام، وهم يستعدون للذهاب في رحلة إلى أطهر بقاع الأرض، قبلة المسلمين ومهوى الأفئدة التي تضم بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف وممارسة طقوس روحانية.
"عربي بوست"، رصدت مشاعر السعادة الغامرة التي عبرت عنها دموع الحجيج وهم يودعون الأقارب والأصدقاء متوجهين إلى مقصد مرت السنون ثقيلة بانتظاره، كما رصدت أزمة حجاج الموصل بعد رفض هيئة الحج سفر من هم أقل من سن الـ60.
حلمٌ على وشك أن يتحقق
منذ أن بدأت الهيئة العليا للحج والعمرة تفويج الحجاج العراقيين ينتظر "أبو عمر" من بغداد بفارغ الصبر مضيّ الساعات القليلة التي تفصله عن تحقيق حلم كان يستحوذ على كل اهتماماته.
يقول أبو عمر إنه تقدم مرارا بطلب للحج لكنّ الفشل كان دائماً حليف تلك المحاولات، حتى دب اليأس في قلبه واعتقد أنه لن يؤدي الفريضة إلا بعد أن يصبح كهلا كما هو حال الكثير من العراقيين.
ويضيف أبو عمر قائلاً: "إن ظهور اسمه في القرعة كان مفاجأة جميلة سيكون وقعها كبيرا في حياته، وهو على أتم الاستعداد لهذه الرحلة وأداء مناسكها".
الحاج "مظهر" الذي يقطن في بغداد يؤكد أنه كأي مسلم على وجه الأرض يشعر براحة شديدة كونه سيتمكن من أداء ركن أساسي من أركان الإسلام والظفر بأجره العظيم، متمنيا أن ينال الجميع هذه الفرصة الثمينة.
ويتحدث الحاج "ثامر الشيخلي"، وهو متعهد وصاحب إحدى شركات الحج والعمرة في العاصمة بغداد، عن تجربته المشوّقة في خدمة ضيوف الرحمن قائلاً: "إن عمله المتواصل في هذا المجال أكسبه خبرة كبيرة وزبائن لا حصر لهم مؤكداً أن الصدق والأمانة هما سر النجاح والتميّز".
الشيخلي قال إن رحلة الحج ليست للعبادة فحسب وإنما للابتهاج أيضا، وأن الكثير من الحجاج يفضلون شركات الحج والعمرة التي تزدحم برامجها بزيارة المعالم السياحية إلى جانب الأماكن الدينية، وهو سبب إقبال الحجاج المتزايد على شركة دون أخرى.
أزمة حجاج الموصل
وبينما يتوافد ضيوف الرحمن بالألوف من كل حدب صوب على السعودية، لا يزال مئات الحجاج من مدينة الموصل عالقين في الطرقات يفترشون الأرض ويلتحفون السماء على أعتاب عاصمتهم، حيث منعوا من الدخول عند معبر بزيبز إلى الجنوب الغربي من بغداد.
يقول "محمد النوفلي" وهو حاج موصلّي أن قصتهم المريرة بدأت عندما أجبرتهم الهيئة العليا للحج والعمرة على القدوم إلى محافظة بغداد بدلاً من أربيل المجاورة لهم، حيث استغرقت الرحلة المحفوفة بالمشقة والمخاطر من 3 إلى 4 أيام من السير المتواصل بالحافلات.
مشيرا أنه تم احتجازهم من قبل الجهات الأمنية عند مداخل بغداد لعدة أيام، ما أدى إلى وقوع وفيات بين كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، آخرها عجوز موصلّية لفظت أنفاسها الأخيرة داخل سيارة الإسعاف قرب جسر بزيبز.
يضيف النوفلي أنهم فوجئوا بقرار الهيئة إلغاء أسماء كل من هو دون60 عاماً، من أهالي الموصل رغم استيفائهم كافة الشروط وتسديدهم الأجور منذ سنتين.
صالح العبيدي، وهو من سكان الموصل أيضا، تمت مصادرة مقعده فيما تم قبول زوجته، يرى أنه أمام خيارين أحلاهما مر، إما السماح لزوجته بالذهاب دون محرم، أو حرمانها من فرصة قد لا تنالها مجددا.
ملامح الحزن لم تفارق المسنّة الموصلّية أم إبراهيم، فكانت دموعها أفصح بكثير من العبارات، وقالت بنبرة حزينة "إنها توفر منذ 10 سنوات معاشها لتتمكن من جمع تكلفة الحج، بيد أن أحلامها تبددت بعد أن مُنع ابنها من السفر برفقتها وهي تعجز عن أداء مناسك الحج الشاقة بمفردها".
الفساد فى العراق يطال الجميع
وتعيش العراق أزمة فساد إداري وحكومى أدى إلى تظاهرات عارمة اجتاحت العاصمة بغداد، وأقيل على إثرها عدد كبير من المسؤولين.
ويتهم عدد من الحجاج الذين ألغت هيئة الحج سفرهم بمنح الكتل والأحزاب والمؤسسات السياسية "كوتة" من مقاعد الحج على حساب نصيب المواطن البسيط وحظوظه المتضائلة أصلا في أداء هذه الشعيرة.
مشيرين إلى انتشار الحج التجاري الذي ينال عددا من مقاعد البسطاء، ويقولون أن الحج يعد ورقة رابحة تستخدمها الأحزاب وتحرص على الحصول على كوتة من مقاعد الحجاج، ويعتبر ذلك موردا ماليا لها.
كما قال بعض الحجاج رفضوا ذكر أسمائهم إن الهيئة منحت الكثير من المسؤولين والسياسيين استثناءات مفتوحة للذهاب إلى الحج حتى بلغ عددهم في موسم الحج الحالي 160 مسؤولا، قالت مصادر إعلامية إنهم سيُكلّفون خزينة الدولة ملايين الدولارات، إلى جانب اتهامات الكثيرة الموجهة للهيئة فيما يتعلق بالقرعة وآلية اختيار أسماء الحجاج وهو ما تنكره الهيئة دائما.