لم يمر الاحتفال بعيد المرأة في تونس دون أن يخلف وراءه ضجة بعد إعلان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قرارا بمنع ارتداء الحجاب للفتيات القاصرات واصفا ذلك بأنه "ضرب من ضروب التخلف والعودة بتونس للوراء".
القرار فجر موجة جدل وقسم التونسيين بين شق أثنى عليه وطالب بالتسريع في تنفيذه وشق رافض له شكلا ومضمونا لاسيما من المحسوبين على حركة النهضة والتيار الإسلامي.
الدولة تراعي مصلحة الأطفال
تقول الأستاذة الجامعية رجاء بن سلامة في تصريح لـ"عربي بوست" إن تحجيب الفتيات الصغار قرار لا يهم الطفلة أو ولي أمرها فقط، بل يرتبط بالدولة أيضا "الحامية لحقوق الأطفال".
وتضيف الباحثة الأكاديمية التونسية أن على الدولة أن تراعي ما يسمى بـ"المصلحة الفضلى للأطفال" في حال كان هناك خطر محدق على مستقبلهم، مؤكدة أن "إلزام القاصرات على ارتداء الحجاب تكون له في الغالب آثار نفسية سيئة على سلوكهن، ويقلل من قدرتهن على الحركة واللعب بشكل مريح".
بن سلامة أضافت أن "تحجيب فتاة لم تتجاوز الرابعة أو السادسة من العمر يجعل من جسدها عورة وبأنها خاضعة للنوازع والشهوات الجنسية من قبل الرجل".
الدستور التونسي يكفل لكل حرية شخصية، يدخل ضمنها حق اختيار اللباس، غير أن بن سلامة تعتبر أن هذا الأمر ينطبق على الأولياء والبالغين وليس على الأطفال. وتضيف قائلة إن "أبناءنا هم أبناء الحياة وأنا كنت من أول من دعا لمنع تحجيب الفتيات واجبارهن على ارتداء اللباس الأسود".
حرية اللباس خط أحمر يضمنه الدستور
من جانبها ترى يمينة الزغلامي، عضو مجلس الشعب عن حركة "النهضة"، أن الرئيس التونسي الذي وصف الحجاب بأنه "شوليقة أو خرقة سوداء" قصد بمنعه فئة الفتيات الصغيرات داخل رياض الأطفال وليس المدارس.
الزغلامي أوضحت أن هناك من الأولياء فعلا من يلزم ابنته قبل سن البلوغ بارتداءه "رغم أنه في هذا السن لا يعد واجبا شرعيا ولا علاقة له بالدين بقدر ما هو نمط لباس يختاره البعض".
وتشدد الزغلامي أن التعاطي مع هذه المسألة التي لا ترتقي للظاهرة المتفشية في المجتمع التونسي بحسب وصفها، لا يمكن معالجتها بالردع، بل عبر ثقافة التوعية وبرامج التعليم وبرامج دينية تبين القواعد الصحيحة للإسلام.
فيما يتعلق بالموقف الرسمي لحركة النهضة من تصريحات الرئيس قائد السبسي، تقول الزغلامي إن الحركة تعتبر إنه "لا مجال للمس بالحريات التي يضمنها دستور ما بعد الثورة" وتؤكد أن هناك مشاكل أخرى عميقة اقتصادية واجتماعية وأمنية لابد من معالجتها.
تختم الزغلامي قائلة إنها تدعو الباجي قائد السبسي "أن يحرص بصفته رئيسا للجمهورية أن يمثل كل التونسيين وأن يتحدث باسم الوطن لا باسم الحزب الذي ينتمي إليه وأن يتعاطى مع الشأن الديني باعتدال لكي يفوت الفرصة على التطرّف والإرهاب ويبرز بحق طبيعة هويتنا كتونسيين".
محاولة لإلهاء التونسيين عن القضايا الأساسية
في ذات السياق استنكر القيادي في حركة النهضة وعضو مجلس الشعب عبد اللطيف المكي تصريحات السبسي.
المكي اعتبر في تصريح لـ"عربي بوست" ذلك محاولة لإلهاء التونسيين عن أمهات القضايا الأساسية، داعيا رئيس الدولة إلى عدم الخوض في مسائل من شأنها أن تفتح بابا من التجاذبات الدينية الإيديولوجية، تعتبر تونس في غنى عنها و"تذكر التونسيين بأساليب المخلوع بن علي في خلق جدل عقيم بهدف تحويل وجهة التونسيين عن قضايا التنمية والتشغيل والأمن والتنصل من الوعود الانتخابية التي قطعت سابقا".
بسم الله الرحمان الرحيم.إن افتعال رئيس الجمهورية لموضوع الحجاب بمناسبة عيد المرأة بالرغم من عدم وجود ظاهرة ما تحدث عنه …
Posted by Abdellatif Mekki on Saturday, August 15, 2015
واعتبر القيادي في حركة أن النهضة في تدوينة له عبر حسابه على فيسبوك أن السبسي يتصرف بمنطق رئيس حزب وليس كرئيس للدولة وهو أمر خطير حسب وصفه.
تجاوز لصلاحيات رئيس الدولة
على الجانب الآخر، اعتبر الناشط الحقوقي والمحامي سيف الدين مخلوف قرار الباجي "اعتداءا سافرا على الدستور التونسي وعلى الحريات العامة"، وأنه ليس من صلاحياته إصدار مثل هذه القرارات.
ويضيف في تصريح لـ"عربي بوست" أنه "ليس هناك أي نص قانوني يتدخل في حرية اللباس ماعدا التجاهر بما ينافي الحياء".
الفتاوي ليست من اختصاص السياسيين
قرار منع حجاب القاصرات أثار أيضا استياءا لدى رجال الدين في تونس، فقد علق الشيخ فريد الباجي، والمعروف بقربه من دوائر الحكم في تونس، أن قرار السبسي من شأنه أن "يخلق فتنة وفوضى في البلاد"، داعيا السياسيين إلى عدم الخوض في الشأن الديني وفي إصدار فتاوي ليست من اختصاصهم على حد قوله.
وكتب في تدوينة على حسابه في فيسبوك "الفتاة المسلمة إذا حاضت ولو كان عمرها 11 سنة وتدرس في الابتدائي يجب عليها شرعا أن تغطي رأسها وجميع بدنها الا الوجه والكفين"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد نذكر الجميع بما فرضه الله تعالى على النساء المسلمات من الحجاب الشرعي الذي د…
Posted by الصفحة الرّسميّة للشّيخ بشير بن حسن on Friday, August 14, 2015
غير بعيد عن رأيه، يقول الشيخ بشير بن حسن إن قرار رئيس الدولة هو بمثابة "إعلان حرب غير معلن على الحجاب وتشكيك في أدلة شرعية توجب ارتداءه".
بن حسن أضاف أن "المصائب أن نجد من يشكك في وجوبه وأصله و يطعن في الأدلة الشرعية على ذلك أو ربما يعلن الحرب عليه بدعوى أنه لباس دخيل وطائفي"،
وتسائل في تدوينة له على فيسبوك إن كان "الميني جيب ليس طائفيا ولا دخيلا والبنطلون الضيق أيضا من عاداتنا".
يذكر الثورة التونسية أنهت الحظر الذي كان مفروضا على الحجاب في البلاد منذ الثمانينات حين أصدر الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ما يعرف بمرسوم 108 لسنة 1981 يمنع خلاله ارتداء ما أطلق عليه بـ"اللباس الطائفي" من قبل الطالبات والمدرسات والموظفات في شتى المؤسسات العمومية وتواصل العمل بالمرسوم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ليعود الجدل هذه المرة حول الحجاب لكن مع البنات القاصرات.