تعتبر جبة الفرقاني من بين أشهر الأزياء التقليدية في الجزائر، إذ يلقى الزي إقبالاً واسعاً لدى الجزائريات، خصوصاً العائلات الارستقراطية التي نادراً ما تجد إحدى بناتها أو نسائها لا ترتدي هذا اللباس.
وكما يتميز بشكله الفريد والخلاب، فإن سعره المرتفع يجعله مطلوباً بشكلٍ كبير لدى المرأة الجزائرية، لكونه واحداً من أقدم الألبسة التقليدية في الجزائر.
وما زاد من قداسة الزي التقليدي لدى الجزائريات، أن جبة الفرقاني أو "القندورة القسمطينية" كما يُحبذ أن يُسميها البعض، هي إحدى القطع الأساسية في جهاز تصدير العروس الجزائرية، فمن لا تلبس الفرقاني في زفافها، فكأنما كان هناك شيء ناقص في ذلك العرس.
ودخل الجزائر في القرن الـ16
تشير المراجع التاريخية إلى أن جبة الفرقاني أو القندورة القسمطينية، هي تطور لقماش تقليدي إيطالي يسمى قطيفة "الجنوة" المصنوعة من خيط الحرير والتي يعود تاريخها إلى 1450 ميلادي، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى منطقة جنوة في إيطاليا.
فعندما انتشر هناك المحتالون، هرب الصناع بصناعتهم تلك إلى ليون الفرنسية التي كانت مركز الصناعات النسيجية في فرنسا، قبل أن تنتقل الحرفة إلى الأندلس، ثم تستقر في مدينة قسنطينة بداية القرن الـ16 مع الهجرة الموريسكية الكبيرة التي أجبر من خلالها المسيحيون مئات الآلاف من الحرفيين على الهرب من بلادهم إلى الجزائر.
وفي مدينة قسنطينة، عادت الروح إلى هذا الزي التقليدي الفخم، خصوصاً على يد عائلة جزائرية تدعى الفرقاني، التي تخصصت حصراً في خياطة هذا الزي، وورثه إلى أفرادها جيلاً بعد الجيل.
وبسرعة، استطاعت جبة الفرقاني فرض نفسها بقوة على الأزياء العثمانية التي انتشرت وقتها بالجزائر مثل القفطان، وصارت القندورة القسنطينية اللباس الأكثر شهرة لدى الجزائريات.
طريقة صناعة جبة الفرقاني
تمر عملية تحضير جبة الفرقاني بأربع مراحل أساسية: الأولى تكون عند "الفراض"، وهو فنان يضع أشكال النمط الذي تختاره المرأة على الجلد ثم يركب على القماش، وهي مرحلة دقيقة جداً وحساسة، لأنها تُحدد شكل الجبة؛ لكونها خارطة طريق للحراجة.
أما المرحلة الثانية فهي من إنجاز الحراجة، وهي من تقوم بالتطريز، وعادةً ما تستغرق عدة أشهر حتى تكمل عملها الذي يتطلب الدقة والصبر، فنجدها منكبة على "الغارغاف" الذي يثبت القماش بين طرفيه، فالعمل لساعات قد لا يكفي حتى لإنهاء رسم القناوية، أما المرش فيستغرق عدة أسابيع.
وبعد الحرج يتم الرش بوضع الكنتيل والعقاش، وهي عملية عادةً ما تتكفل بها مساعدة للحراجة أو حرفية مبتدئة، لتكون الخياطة آخر مرحلة، وهي عادةً تتخذ شكل "القندورة عرب".
تصنع قندورة الفرقاني في الغالب بخيوط رقيقة بيضاء من الفضة أو بالخيط الأصفر المصنوع من الذهب، وخيط الفتلة الحرة الأصلية المتكون من 12 خيطاً لا تلصق لا على الجلد ولا على الكرتون.
تستغرق عملية تجهيز قندورة الفرقاني أو قندورة القطيفة سنة تقريباً، ويتم ارتداؤها مع حزامٍ ذهبيٍّ يطلق عليه محزمة اللويزة.
هذا اللباس التقليدي كان يطلق عليه في الأصل القندورة القسنطينية، لكن اسمه في بداية القرن العشرين تحول إلى جبة فرقاني، في إشارة إلى عائلة الفرقاني المعروفة في مدينة قسنطينة والتي امتهنت الحرج كحرفة، إذ أدخلت تحديثات على هذا الزي الفخم.
أسعاره مرتفعة، والجزائر تسعى لتسجيله لدى تراث اليونسكو
أخذت جبة الفرقاني شهرتها من فخامتها وتاريخها العريق، إذ صار هذا اللباس حصراً على العائلات الثرية بسبب سعره المرتفع الذي يفسره حجم الطرز وتعدد أشكالها في هذا اللباس، وكذلك إلى مدة إنجاز هذا الزي التي تصل إلى عامٍ كاملٍ في بعض الأحيان.
إذ يصل متوسط سعر لباس جبة الفرقاني إلى أكثر من 15 مليون سنتيم جزائري، أي أكثر من 1000 دولار، في وقت يصل فيه سعر بعض الموديلات إلى 3000 آلاف دولار.
وارتبط لباس جبة الفرقاني بارتدائه من قبل العرائس كما سبق ذكره، ونظراً إلى جماله ارتدته قرينتا الرئيسين الجزائريين الراحلين الشاذلي بن جديد وهواري بومدين، وكذلك فعلت زوجة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، كما أن هذا اللباس كان حاضراً في المسلسل التلفزيوني "ذاكرة الجسد" الذي تم إنتاجه عام 2010، إذ يجسد رواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، وأخرجه نجدة إسماعيل أنزور، وارتدت فيه الفنانة آمال بوشوشة "جبة الفرقاني".
وكانت الجزائر قد أودعت في أبريل/نيسان الماضي، ملفاً لإدراج هذا الزي التقليدي النسوي بجميع أنواعه المحلية ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، التي وصفته وزارة الثقافة الجزائرية بكونه "هوية، وجمالاً وتاريخاً".
وبحسب بيان لوزارة الثقافة الجزائرية، فإنه تم تقديم طلب إدراج ملف بعنوان "الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير: معارف ومهارات متعلقة بخياطة وصناعة حلي التزين: القندورة والملحفة"، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.