أليست المرأة هي عمود الحياة وأساسها، شاركت الرجل منذ بدء الخليقة في صناعة العالم وتطوره، عبدتها حضارات وسلبتها إنسانيتها حضارات أخرى، إلى أن جاء الإسلام ليقر كرامة المرأة ويضمن حقوقها، ليعاملها كشريك للرجل في الإنسانية لكونهما خُلقا من أصل واحد.
مما مكنها من لعب دور محوري في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة لتثبت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، فحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة، وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل، ومساندتها له دليل على كونها عنصراً أساسياً في إحداث عملية التغيير في المجتمع.
بيد أن الكثير من القيم والأعراف المجتمعية المكتسبة عبر الزمان شوهت كيان المرأة لتعلن التخلف عن موجة التقدم، لتخالف طبيعة الأمور، مؤكدة على أن تطور الأحداث والمفاهيم والتي غالباً ما تأخذ معنى أكثر تمدناً، كانت معاكسة مع قضية المرأة في بعض المجتمعات المتخلفة، التي مارست التمييز وحرمت المرأة من أبسط حقوقها كالتعليم والعمل وممارسة حياتها الطبيعية.
مما جعل بعض النساء تتعايش مع حقوقها المسلوبة وكأنها لا تملك أي خيار سوى الاستضعاف والتجرد من طبيعتها الإنسانية، بعد أن سيطرت عليها الذكورة وأقنعتها بعدم الأحقية في امتلاك ما هو مملوك فطرياً للذكر، الذي بدوره تأثر أكثر من المرأة بالمعتقدات المتوارثة؛ لكونها تصبّ في مصلحة قوامته الأسرية ومنفعته الذاتية.
بالرغم من أن ذلك لا يخليه من مسؤولية التعصب والتحيز لجنسه البشري، فإن الرجال ضحايا كالنساء للأفكار والموروثات السلبية التي دمرت المجتمعات وأعادتهم للبدائية وهم في عصور النهضة.
لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المرأة ذاتها، لكونها هي التي قبلت الخضوع والاستسلام، وتنازلت عن أبسط متطلباتها بالكرامة والعدل منذ أقدم العصور، فالصورة النمطية للمرأة لم تكن عادلة منذ قرون، مما استدعى ضرورة تحريرها من التقاليد البالية التي كانت تُكبلها.
بما أننا في القرن الأول من الألفية الثالثة، فلقد تطورت تلك الصورة وباتت المرأة في مصاف الرجال بجميع المجالات المجتمعية والعالمية، بدخولها معترك الحياة السياسية والاقتصادية، ونجاحها وإبداعها في جميع المحاور والمسارات، ليقاس تطور الأمم بنسبة المشاركة النسائية فيها إبرازاً لتقدّمها وتحضّرها.
يبدو أنه ما زالت هناك نساء اكتفت بدورها الفطري، ولا ضير في ذلك إن كانت راضية كل الرضا، بعكس اللواتي يتعرّضن للاستبداد والسيطرة، ويشعرن بالعجز حيال الظروف المحيطة بهن، دون المطالبة بالحصول على حقوقهن الطبيعية، فتمردهن سيؤدي الى تفكك الأسرة التي هن عمادها.
عزيزتي الأنثى، تذكري أنه لا أحد يستطيع أن يجعلك تشعرين بالنقص دون موافقتك وتقبلك للأمر، فلا تغفلي عن سحرك وطقوسك المختلطة بذكائك المتّقد، فأنتِ شديدة الملاحظة، ويُمكنك أن تجيدي القيام بعدة أمور بذات الوقت، وهي ميزة ميّزك الله بها.
كما أن المرأة الحكيمة لا تُريد أن تكون عدواً لأحد، وترفض أن تكون ضحية، فلا تتكاسلي في استخدام تلك المنح الإلهية، لترددي أن لا حول لك ولا قوة، في مجابهة الصعاب وتخطي الأزمات، لتعيشي دور الضحية الذي لم يعد منسجماً ومناسباً في ظل الثورة المجتمعية التي تعيشها النساء على سطح الخليقة، تنتمي فيها المرأة إلى جميع الأماكن التي تتخذ فيها القرارات، دون استثناء لجنسها.
تخطت الحواجز وكسرت القواعد حتى بات شعار يوم المرأة العالمي عن المساواة بين الجنسين في الابتكار والتكنولوجيا، وأنتِ لا تزالين في جحرك منعزلة، تبحثين عن فُتات تُرمى لك، لاعتمادك مادياً على الرجل الذي حرمك من إكمال تعليمك أو مُزاولة وظيفة تُشعرك بكيانك المجتمعي وحضورك البشري الذي لا يتنافى أبداً مع قيامك بدورك كأم وربة أسرة، إلا أن أغلب الرجعيين منهم ينزعجون من استغلال المرأة المادي ويرونه خطراً على سيادتهم الذكورية.
بالرغم من أن قرار الاستسلام كان قرارك، وإن فُرضت عليك بعض المعتقدات والممارسات، التي فُرضت على غيرك، ولكنها تمكنت من الصمود والوصول لأعلى الشهادات وتفوقت مهنياً بجميع المجالات لتنافس وتواكب مجريات العصر.
فإن المرأة لم تنسَ دورها الأساسي بالاهتمام بأبنائها بتربيتهم التربية الصالحة، فربّت فيهم الهوية وحب الوطن والاجتهاد، كما أنها تتصدى لجميع العقبات والتحديات التي يمر بها العالم من ظروف سياسية واقتصادية وصحية وتعليمية، لتُظهر المسؤولية الاجتماعية بقيامها بمهام مضاعفة من أجل أسرتها ومجتمعها ووطنها.
لذا، فبعد أن ذابت جميع الحدود المُصطنعة، عارٌ عليكِ ارتداء عباءة الضحية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.